kayhan.ir

رمز الخبر: 124277
تأريخ النشر : 2020December29 - 19:41

حصاد 2020 التونسي: "كورونا" وتقلبات سياسية ومحاربة للتطبيع

روعة قاسم

عاشت تونس سنة 2020 أحداثًا استثنائية ومفصلية، ولعل أكبر تحد كان خطر فيروس "كورونا" الذي أعاق مختلف نواحي الحياة ومثّل تهديدًا جديًا للتونسيين. وينتظر التونسيون أن يحمل معه العام الجديد نهاية لصفحة "كورونا" المأساوية بكل تداعياتها الكارثية والصحية السيئة. كما أن الحدث الثاني الذي طغى على تونس هذا العام هو ظاهرة عدم الاستقرار الحكومي والسياسي مع ما مثلّه ذلك من تداعيات سلبية على عمل المؤسسات وآفاق الاستثمار والتخطيط المتزن للمستقبل.

ظاهرة عدم الاستقرار الحكومي

بدأت سنة 2020 بأزمة حكومية تمثّلت بعدم تمكّن حكومة الحبيب الجملي المقترحة من حركة النهضة من تأمين النصاب القانوني لمرورها في مجلس نواب الشعب. وذلك بعد فشل التركيبة الحكومية التي قدمها رئيس الحكومة المكلف آنذاك الحبيب الجملي، والتي قضى وقتًا طويلًا في إعدادها، في نيل تزكية البرلمان للمرة الأولى منذ سنة 2011.

ونتيجة هذا الفراغ الحكومي عاشت تونس على وقع أزمتين واحدة اجتماعية وأخرى اقتصادية مع شلل تام للديبلوماسية وغياب على الساحتين الإقليمية والدولية.

ثم وقع اختيار رئيس الجمهورية التونسية قيس سعيّد على شخص إلياس الفخفاخ لتشكيل الحكومة التونسية. هذه الحكومة كسابقتها لم تصمد مع شبهة تضارب المصالح التي طالت رئيسها، وفي خضم وضع معيشي صعب ورهانات اقليمية وأمنية صعبة.

تحدي الارهاب

وجد التونسيون أنفسهم مجددًا مع تحدي الإرهاب وذلك الهجوم الذي أسفر عن استشهاد الملازم أوّل توفيق محمّد الميساوي وإصابة ستة اشخاص بينهم مدني. واستهدفت العملية دورية أمنية قريبة من مقر السفارة الأمريكية في العاصمة التونسية. وخلّفت ردود أفعال غاضبة ومنددة محليًا ودوليًا وسط تأكيد على أهمية وحدة الصف التونسي لمواجهة هذا الخطر. هذه العملية هي الأولى منذ حزيران/ يونيو 2019 والأولى في عهد الرئيس قيس سعيد، وقد تزامنت مع أول اجتماع لمجلس الوزراء للحكومة الجديدة بقصر قرطاج.

وحملت هذه العملية الانتحارية بتوقيتها وظرفيتها رسائل ودلالات عديدة، فهي جاءت قبل يوم من إحياء ذكرى ملحمة "بن قردان" التي هزم فيها "داعش" الإرهابي شرّ هزيمة على أيدي قوات الأمن والجيش التونسيين، في وقت كان يسيطر فيه على كثير من بلدان المنطقة و يعربد، فكانت بن قردان البداية لسلسلة من هزائم متتالية لهذا التنظيم.

وجاءت لتزيد من حجم الصعوبات التي تواجه حكومة الفخفاخ الجديدة سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي أو السياسي. فحكومة الفخفاخ وجدت نفسها أمام تحديات عديدة بدءًا بفيروس "كورونا" الذي تحول الى كابوس عالمي، وصولًا الى التحدي الأمني.

كما تعرضت المناضلة التونسية والقيادية في "التيار الشعبي" مباركة البراهمي أرملة الشهيد محمد البراهمي لمحاولة اغتيال أثارت المخاوف من عودة تونس مجددًا الى مربع العنف والخطر التكفيري. خاصة ان هذه القيادية والنائب السابق في البرلمان التونسي هي من رموز النضال في وجه محاولات التطبيع مع الاحتلال الصهيوني ومن الداعمين لقضايا المقاومة وفلسطين.

وكغيرها من دول العالم واجهت تونس فيروس "كورونا" المستجد، العدو الخفي، بإجراءات عديدة منها فرض حجر صحي اجباري امتد لأكثر من شهرين تم خلاله تعليق الرحلات البرية والبحرية والجوية ومنع التجمعات بما فيها صلوات الجمعة والجماعة مع فرض توقيتين للعمل في المؤسسات الإدارية منعا للاكتظاظ. وقد زادت هذه الإجراءات من حجم الأزمة الاقتصادية والمالية التي تعيشها البلاد مع ضعف الاستثمارات ومناخ عمل متدنٍّ ونقص الإنتاج، خاصة أن الوضع السياسي والتجاذبات والصراعات التي احتدمت بين الأحزاب الكبرى أثّرت بشكل كبير على الوضع الاقتصادي المالي.

وبعد تسجيل صفر حالة إصابة بكورونا في حزيران 2020، ظن التونسيون أنهم انتصروا على الوباء، لكن مع عودة فتح الحدود تدريجيًا بدأت اعداد المصابين بالارتفاع تدريجيًا الى أن وصلت الى آلاف الإصابات.

عودة الصراعات

لم تلبث الصراعات السياسية ان عادت مجددا وتمحور الصراع حول أطراف رئيسية فاعلة في المشهد السياسي هي رئيس الجمهورية قيس سعيد ورئيس البرلمان وزعيم حركة النهضة راشد الغنوشي ورئيس الحكومة الياس الفخفاخ.

صحيح أن جائحة "كورونا" خففت طيلة فترة الحجر الصحي من وطأة هذه الانقسامات والتجاذبات السياسية التي عرفتها البلاد مع تشكيل حكومة الفخفاخ، لكن دعوة حركة "النهضة" الى تشكيل حكومة وحدة وطنية تتمتع بحزام سياسي، وكذلك تصريح رئيس الجمهورية حول ما أسماه بـ"البؤس السياسي" في تونس، وانتقاده لما تعيشه البلاد من حياة سياسية، كل ذلك فتح الباب واسعًا أمام عودة الاحترابات السياسية من جديد.

وكذلك طغت على المشهد السياسي ظاهرة "السياحة الحزبية"، وهي انتقال النائب من حزب الى آخر بحسب مصلحته السياسية وتبعًا لطبيعة التحالفات بين الكتل النيابية والتي تتغير يومًا بعد يوم. وقد طالت هذه الظاهرة أحزابًا كبرى مثل حركة "النهضة" وحزب نبيل القروي.

وقد تتالت الدعوات الى اطلاق حوار وطني جامع يضمّ مختلف الفاعلين السياسيين والكتل والأحزاب السياسية في تونس. وجاءت هذه الدعوات بعد عودة التجاذبات السياسية بقوة لتهزّ المشهد السياسي. وكان رئيس المجلس الوطني التأسيسي السابق مصطفى بن جعفر أول من وجّه الدعوة للحوار الوطني، إذ دعا رئيس الجمهورية لتنظيم حوار وطني للمصالحة بين مختلف الفرقاء السياسيين. كما أطلقت 5 أحزاب هي الحركة الديمقراطية وحركة مشروع تونس وحزب بني وطني وحزب آفاق تونس وحزب الأمل مبادرة تدعو الى حوار وطني يجمع المجتمع المدني والفاعلين السياسيين، وتهدف الى تجاوز الانقسامات السياسية الراهنة.

ثم جاءت استقالة الفخفاخ لتشرّع الأبواب على أزمات أخرى وعلى فراغ حكومي جديد. ومنذ جويلية من سنة 2020 بدأت رحلة البحث عن رئيس حكومة جديد، خاصة ان استقالة الفخفاخ أتت في ظرف دقيق تواجه فيه البلاد وضعًا صعبًا على مختلف المستويات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وحتى على المستوى الصحي في ما يتعلق بفيروس "كورونا" الذي ظل تهديده قائمًا خاصة بعد فتح الحدود. وأصبح قيس سعيد مرة جديدة هو المعني بالتشاور مع باقي الأحزاب والمكونات السياسية في البلاد لاختيار رئيس جديد للحكومة في غضون 10 أيام بحسب الدستور التونسي. ووقع اختيار قيس سعيد على شخصية هشام المشيشي وزير الداخلية في حكومة الفخفاخ ومثّل اختياره مفاجأة الأحزاب والطبقة السياسية في البلاد بسبب عدم ورود اسمه من بين الأسماء المقترحة من الأحزاب والكتل البرلمانية. وتزامن هذا التكليف مع جدل كبير وأجواء مشحونة في المشهد السياسي، مما عطل عمل البرلمان الذي تحول إلى ساحة لصراع اللوبيات السياسية.

حراك ضد التطبيع الصهيوني

كما عاشت تونس سنة 2020 على وقع الحراك المتواصل الرافض لكل أشكال التطبيع، وخرج ممثلو المجتمع المدني والنخب والأحزاب التونسية في العديد من الاحتجاجات والوقفات المعبرة عن رفض الشارع التونسي للتطبيع. وقد رفع التونسيون أصواتهم عاليًا احتجاجًا على اتفاق التطبيع الصهيوني مع الامارات والبحرين والسودان. وندد التونسيون حكومة وشعبًا بما أسموه العدوان الجديد واتفاقية العار والخيانة التطبيعية لهذه الدول مع العدو الصهيوني.

وجاء إعلان المملكة المغربية تطبيع علاقتها مع الكيان الصهيوني، ليثير غضبًا شعبيًا عارمًا وقوبل الاتفاق المغربي - الإسرائيلي برعاية أمريكية باستنكار شرائح عديدة في المجتمعات المغاربية سواء في تونس أو الجزائر أو المغرب نفسها. فقد علت أصوات الاستنكار لهذه الخيانة التاريخية للقضية الفلسطينية. وأصدرت عدة أحزاب تونسية بيانات ادانة اعتبرت خلالها "تطبيع النظام المغربي مع الكيان الصهيوني خيانة تاريخية عظمى لكل القضايا العربية والإنسانية العادلة".

كما عاش التونسيون على وقع حالة عدم الاستقرار السياسي وعودة الاستقطاب بين القصبة أي الحكومة وقرطاج وذلك بعد اعلان رئيس الجمهورية قيس سعيد عن رفضه للتعيينات الأخيرة الصادرة عن رئيس الحكومة هشام المشيشي إثر تعيينه لبعض الأسماء كمستشارين ضمن فريقه الوزاري، وكان ذلك بمثابة مؤشر الى مرحلة جديدة من الصراع بين رئيسي الجمهورية والحكومة. فهذه الحكومة التي تكونت على أساس الكفاءة والاستقلالية، سرعان ما تحولت لاحقا الى حكومة حزبية مسيسة باعتبار أن عديد التعيينات كانت باقتراح من بعض القوى السياسية والأحزاب التي يريد المشيشي التقرب منها لضمان حزام برلماني وسياسي لحكومته.

عودة الاحتجاجات الشعبية

في شهر نوفمبر / تشرين الثاني عادت مجددًا وتيرة الاحتجاجات في المناطق الحدودية وفي الجنوب التونسي. فقد اندلعت ما سميت بأزمة الكامور لتجد الحكومة التونسية نفسها أمام تحديات صعبة ورفع المتظاهرون مطالب عديدة مثل تشغيل أبناء الجهة بالشركات النفطية وبنَيل نصيب من مداخيل البترول لتنمية ولاية تطاوين التي تشتكي من التهميش وغياب التنمية. ورغم أن الحكومة توصلت لاتفاق مع معتصمي الكامور الا أن ذلك فتح الباب أمام زيادة المطالب لدى الولايات الأخرى التي تعاني أوضاعًا شبيهة من التهميش والإهمال الذي امتد لسنوات.

كما شهد عام 2020 بروزًا جديدًا لرموز النظام السابق والحزب الحاكم الذي حكم تونس قبل ثورة يناير/ كانون ثاني 2011 أي الحزب الدستوري عبر تزايد شعبية حزب رئيسته عبير موسى.

ويمكن القول إن 2020 كان عام بداية تبلور مشهد سياسي جديد في ظل أزمة اقتصادية اجتماعية زادتها حدة أزمة "كورونا" وسياسات الإغلاق التي فرضت بسب التفشي السريع والمخيف للوباء. فهل ستكون سنة 2021 هي سنة الخروج من الأزمة الوبائية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية؟