بداية نهاية حقبة نتنياهو - ابو مازن؟
سركيس ابوزيد
أول مرة في تاريخ الكيان الاسرائيلي تنتهي السنة قبل إقرار ميزانية للدولة. كما انتهت الشراكة بين رئيس حزب "كحول لفان" رئيس الحكومة البديل بيني غانتس، ونتنياهو الذي يرفض تنفيذ أهم ما في الاتفاق بينهما، وهو التناوب على رئاسة الوزراء، ما يفقد غانتس سبب شراكته مع شخص نتنياهو الذي وصفه بـ"الكاذب". والمعروف أن الاتفاق الائتلافي للحكومة ينص على أن يصبح غانتس رئيسا للحكومة في شهر تشرين الثاني القادم. وهناك إجماع على أن نتنياهو لا ينوي تنفيذ التزامه، وهذا هو السبب الأساس للأزمة بينهما. ويفضل نتنياهو الذهاب للانتخابات على تنفيذ الاتفاق، لكنه يحاول تأجيلها بضعة أشهر حتى يتمكن من حل مشكلة "كورونا".
من جهة أخرى، بات قانون حل الكنيست نافذا، إذ إن التصويت الذي حصل مؤخرًا هو تصويت تمهيدي، يجب أن تتبعه ثلاث عمليات تصويت معروفة بـ"القراءات الثلاث". وعليه، فإن نتنياهو قادر، إن اراد، على إيجاد تسوية ما مع "أزرق أبيض"، يفرمل من خلالها حل "الكنيست". لكن ذلك لا يتوافق مع مصلحته الشخصية، خاصة أن في نيته إسقاط الحكومة قبل انتقالها إلى غانتس وفقًا لاتفاق التناوب على رئاستها.
كل المؤشرات والتطورات والحسابات السياسية الدقيقة على الساحة السياسية الإسرائيلية تدل على أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بات في مرحلة "بداية النهاية" بعد سقوط حليفه الرئيس دونالد ترامب، والمسألة مسألة وقت في ظل الأزمة الكبيرة التي يواجهها، ومع اتساع دائرة المعارضة والتظاهرات الصاخبة المطالبة برحيله، وضرورة محاكمته على جرائم الفساد المتورط بها.
أما استطلاعات الرأي فتشير الى أنه في حال صمم نتنياهو على إجراء انتخابات جديدة مبكرة (رابعة)، فإنه لن يعود إلى كرسي رئيس الوزراء. وقد دلت نتائج الاستطلاعات على أن نحو نصف الإسرائيليين يؤيدون محاكمته بالفساد، وأن عدد مقاعد "الليكود" سينخفض من 36 حاليا إلى 26، ويرتفع "يمينا" (تكتل أحزاب اليمين المتطرف برئاسة نفتالي بنيت)، من 6 إلى 22 مقعدا، وحزب المعارضة "ييش عتيد ـ تيلم" برئاسة يائير
لبيد من 14 حاليا إلى 17 مقعدًا. ولذلك، فإن احتمالات عودته إلى رئاسة الحكومة بعد إجراء انتخابات جديدة في الأشهر المقبلة، لن تساعده.
يستطيع نتنياهو تشكيل حكومة من أحزاب ائتلافه اليميني التقليدي مع "يمينا" والمتدينين، إذ يكون لديه 65 من مجموع 120 نائبا، ولكن مكانته ستكون أضعف. لكن الاعتقاد السائد أن هذه التطورات لن تؤثر على نتنياهو لأسباب كثيرة، أبرزها:
- الصراع بين رئيس تحالف أحزاب اليمين المتطرف "يمينا" نفتالي بنيت، الذي بات أقوى المنافسين، وبين قادة المعارضة من أحزاب الوسط .
- تشكيك الجمهور الإسرائيلي في القرارات العسكرية للجيش حاليا، بسبب ترشح عدد من كبار الجنرالات الإسرائيليين إلى الانتخابات، عبر تأسيس حزب الجنرالات بقيادة بيني غانتس وغابي أشكنازي، واعتبروا خوضه الانتخابات محاولة انقلاب عسكري أبيض ضد نتنياهو.
- استعداد نتنياهو لوضع خطة لتقريب موعد الانتخابات العامة، في الربع الثاني من السنة المقبلة. وقد اختار هذا الموعد لأنه يتوقع أن تكون قد وصلت الدفعة الأولى من اللقاح ضد "كورونا". ويمكن أن تتغير وتنقلب لصالحه في حال تمكنه من إدخال اللقاح.
لكن التوقعات تشير الى أن نتائج الانتخابات، إن حصلت، سترسم خريطة سياسية جديدة داخل "الكنيست"، وتبعاً لها في الحكومة. والأهم، هل تنهي هذه الخطوة حقبة نتنياهو الذي تجاوز إلى الآن كل الصعوبات التي واجهته، من دون أن ينجح خصومه في إسقاطه؟
هذا على الجبهة الاسرائيلية، ماذا يحصل على الجبهة الفلسطينية؟
من الواضح أن فوز جو بايدن في الانتخابات الرئاسية الأميركية عزز الآمال على الساحة الفلسطينية بعودة العلاقات الأميركية ـ الفلسطينية الى ما قبل الرئيس دونالد ترامب، ما دفع الرئيس الفلسطيني محمود عباس (أبو مازن) الى تغيير الاتجاهات التي لم تكن متوقعة على الإطلاق. فقد بادر الى إعادة العلاقات التنسيقية مع "إسرائيل" إلى ما كانت عليه قبل نحو ستة أشهر، وإلى إعادة السفيرين الفلسطينيين إلى كل من أبو ظبي والمنامة، واللذين كانا قد تم سحبهما بعد تبادل العلاقات الدبلوماسية بين الإمارات والبحرين مع "إسرائيل". كما أن الرئيس عباس، الذي زار القاهرة وعمان بعد طول انقطاع، لم يعد مهتما بحركة "حماس" وبالمصالحة معها، وبات اهتمامه في هذه المرحلة يتركز على الإدارة الأميركية الجديدة.
فوز جو بايدن وضع مستقبل العلاقة بين "فتح" و"حماس" على المحك، خصوصًا أن أبو مازن يدرك أن متطلبات العلاقة الإيجابية مع واشنطن والتخلص من الضرر الناجم عن سياسة ترامب، تتمثل في تعليق المصالحة مع "حماس" وإهمالها، خصوصًا أنها كانت خطوة تكتيكية ولم تكن نابعة من قناعات راسخة، إذ اتخذتها الحركة كرد غاضب على سياسة ترامب، وعلى التقارب الأخير بين الدول العربية و"إسرائيل".
في الواقع، لا يثق "أبو مازن" بحركة "حماس"، ويخشى أن تكون بصدد التحضير لما يسميه "انقلابا" في الضفة على غرار احداث العام 2007 في قطاع غزة.
كما أن جهات عربية ودولية حذرت عباس من أن الذهاب إلى المصالحة سيجلب مزيدًا من الضغط والعزلة الاقتصادية على السلطة، ما يمثل "تهديدًا" حقيقيا لها، حسب زعمهم، وفي المقابل، فإن إعادة العلاقات ومسايرة التطبيع العربي سيؤدي إلى تجاوز السلطة أزماتها المالية خلال وقت قصير، حسب ادعائهم. وقد وصلت اتصالات الى عباس من مصر والإمارات والبحرين فحواها أن مسؤولي هذه الدول لا يسعون إلى استبدال دحلان به وأنهم سيضغطون من أجل تفعيل "عملية السلام"، كما سيقدمون له دعمًا كبيرًا قريبًا. وكشفت صحيفة "يسرائيل هيوم"، المقربة من نتنياهو، أن البحرين عرضت استضافة قمة فلسطينية ـ اسرائيلية لتحريك المفاوضات و"عملية السلام".
بين أزمة نتنياهو وأزمة ابو مازن يتقرر مصير العلاقة بين الكيان الاسرائيلي والسلطة الفلسطينية. هل انتهت حقبة نتنياهو - ابو مازن؟ الأول قد يسقط بالانتخابات المبكرة، أما الثاني فقد يزاح بالصراع على سلطة من ورق.