عندما تحكم الجغرافيا .. باكستان مثالاً
الحاج أبو كرم
في ظل التنافس المحموم بين مملكة بني سعود وتركيا ومصر على قيادة العالم الإسلامي كانت وما زالت باكستان هي الرئة والذراع لمملكة بني سعود لتثبيت نفسها زعيمة وقائدة للعالم الإسلامي والذي هو الهدف الأصلي وراء إنشاء كيان بني سعود من قبل جهاز المخابرات الخارجي البريطاني ، وهو نفسه الذي أنشأ تنظيم الإخوان المسلمين والكيان الصهيوني.
وكانت أهم الواجبات المتعلقة بكيان بني سعود هو نشر الوهابية الصهيونية التي تقوم بأساسها على مبدأ التكفير ، وتشرع وتبيح دم كل من يخالفها ، وهو المذهب الأساسي لكل المجموعات التكفيرية والإرهابية المنتشرة بمنطقتنا والعالم اليوم ، والتي يعد أعتى أشكالها تنظيم القاعدة الإرهابي والذي تم إنشاؤه بواسطة جهاز الاستخبارات الأمريكي بالتعاون من جهازي المخابرات السعودي والباكستاني وبتمويل من مملكة بني سعود ,الذي تزعمه المقبور السعودي التابعية أسامة بن لادن وتم تجنيد الكثير ممن أسموهم مجاهدين وخصوصاً من حاملي التابعية السعودية وغيرهم بحجة محاربة الغزو السوفياتي الشيوعي الكافر , وأصبح هذا التنظيم الإرهابي بكل تفرعاته من جبهة النصرة وداعش وبوكو حرام وغيرها من تلك التسميات العفنة هو الذراع الضاربة للتحالف الأمريكي الصهيووهابي لإخضاع و تدمير الدول التي تعارض سياسات أمريكا الاستكبارية وتناهض مصالح الكيان الصهيوني وخصوصا بعد قيام الجمهورية الإسلامية الإيرانية وصعودها الكبير بين الدول الإسلامية ومعاداتها للشيطان الأكبر أمريكا وربيبتها إسرائيل ، وأصبح استخدام هذا السرطان الإرهابي الوهابي المسمى بتنظيم القاعدة أداة أساسية في الحرب على إيران بحجة منع إيران من تصدير الثورة ومواجهة التمدد الشيعي حسب إدعاءات مملكة بني سعود وتحويل بوصلة العداء من تل أبيب إلى طهران , ومن هنا كانت و ما زالت السعودية تحاول جذب باكستان و استخدامها في ذلك المشروع كون باكستان تعد من أكبر الدول الإسلامية في العالم الإسلامي وكونها الدولة الإسلامية النووية الوحيدة وكذلك بسبب قوتها العسكرية والاستخباراتية وقوة رجالها ، وللأسف بسبب تولي بعض الفاسدين الحكم في باكستان و الذين تم شراؤهم بالبترودولار أكبر أداة ضغط تمتلكها مملكة بني سعود والتي حرصت على إنهاك وإشغال الدولة الباكستانية بخوض حروب جانبية لا تهمها عبر غرس التنظيمات الإرهابية فيها وعلى حدودها مع أفغانستان وجعلتها حديقة خلفية لعملياتها الإرهابية التي تنظمها في بقاء الفوضى والإرهاب في الجارة أفغانستان ومنطلقاً للإعمال الإرهابية التي تنظمها ضد إيران انطلاقاً من إقليم بلوشستان ، واستخدمت مملكة بني سعود كل أدوات الضغط من أجل إبقاء باكستان في كنفها حيث تقوم بين الفترة و الأخرى بتقديم المساعدات المالية لها بشكل مدروس و حسب التوقيت التي تحتاجها فيه ، وقامت مملكة بني سعود ودول الخليج الفارسي من الأعراب أيضاً بتجنيس الكثير من الباكستانيين والاستفادة منهم في الأجهزة الأمنية والعسكرية لديها ، والأهم فإن هناك ما يقارب العشرة ملايين باكستاني منتشرين للعمل في دول الخليج الفارسي من الأعراب وهو سلاح ذو حدين يمكن أن تمارس به تلك الحكومات الضغط على الحكومة الباكستانية بإبعادهم في أي وقت تخرج به باكستان عن مشروعهم.
ولذلك كانت باكستان في كثير من الأوقات تُجاري الأنظمة الأعرابية هذه وكانت مرات عديدة تقف على الحياد ولا تنخرط في تلك المشاريع ، فلا هي دعمت الحرب الإجرامية على اليمن كما كانت تتمنى مملكة بني سعود بأخذ الغطاء الإسلامي لحربها الإرهابية عبر أقوى دولة إسلامية وهي باكستان ، ولا هي دعمت الحصار على قطر لا بل رفعت مستوى التبادل التجاري معها ، ولا ساهمت في الحرب على سوريا والعراق.
ولكن ما هو أكثر أهمية هو الدور الباكستاني الحاسم في منع قيام الفتنة السنية الشيعية حلم أحلام التحالف الصهيووهابي ، حيث أن باكستان لم تنخرط في هذا المشروع رسمياً ، ولكي يعلم الجميع إن تعداد سكان باكستان ما يقارب ال 250 مليون نسمة ، ومنهم ما يقارب الـ 65 مليون مسلم شيعي ولو كانت ستقوم هذه الفتنة فإن بذرتها الأكثر خصوبة هي باكستان ، إلا أن باكستان انتبهت إلى خطورة هذا الوضع وقامت بمنعه بشكل نهائي , ورفضت بشكل قاطع أن تكون مقراً أو ممراً للهجوم على إيران مدركة أن هذه الفتنة لن تبقي ولن تذر ، وأن المستفيد الوحيد منها هو المشروع الصهيووهابي الأمريكي الذي يحاول تفتيت دول العالمين العربي والإسلامي والسيطرة على مقداراته ومحاصرة كل من الصين وروسيا وإحكام القبضة الحديدية لعالم أحادي القطب تسيطر عليه أمريكا ودول الاستكبار الاستعمارية ، وكان التركيز دوماً على باكستان بسببب موقعها الجغرافي الاستثنائي و الهام لتنفيذ هذه المشاريع حيث أن موقع باكستان يعطيها أهمية جيوسياسية كبرى فهي تحادد أفغانستان بحدود طولها 2643 كم والصين بـ 510 كم والهند بـ2910 كم وإيران بـ 912 كم وكذلك إشرافها على الخليج الفارسي حيث يقع ميناء جوادر وهو أحد الموانئ الأكثر أهمية في مشروع " الحزام الواحد والطريق الواحد " الذي يمتد من الصين إلى البحر الأبيض المتوسط والذي يعد من أهم نقاط خطوط أنابيب الطاقة وشبكة الخطوط الحديدية.
أهمية باكستان على طريق الحرير الذي يشكل أكبر كوابيس أمريكا الإقتصادية في مواجهة العملاق الصيني ، وهنا نجد أهمية باكستان البالغة للصين و التي تتمثل في الكثير من النقاط على الرغم من عدم وجود أي معاهدات أو مواثيق بين هذين البلدين مكتوبة أو موثقة إلا أن حكم الجيوسياسة كان هو الأساس في تلك العلاقة الأكثر جدلاً في العالم ، ونأتي على أهم جوانب العلاقة بين الصين و باكستان من حيث الفائدة للطرفين:
فالصين ترى أنه بإنشاء تحالف عسكري بينها وبين باكستان فإنها تحد من طموحات العملاق الآسيوي الآخر وهو الهند والذي ترى فيه الصين أكبر منافس لها في هذا المجال ، ولايخفى على أحد الدور الصيني البارز في المشروع النووي الباكستاني في مواجهة الهند النووية , وكذلك فإن لباكستان أهمية كبيرة لا يراها البعض بشكل واضح وهي الأهمية الأمنية حيث تلعب باكستان دوراً كبيراً جداً في السيطرة على الجماعات الإسلامية المتطرفة و التي كان لها دور كبير في إثارة القلاقل في الداخل الصيني وخصوصاً في إقليم كسنجيانغ ذو الأغلبية الإسلامية.
وكنا قد شرحنا أهمية باكستان إقتصادياً بالنسبة للصين ، فهي كذلك بالنسبة لروسيا من حيث وقوعها على نقاط أنابيب نقل الطاقة وخطوط الإمداد التجاري الحديدية ، ولكن أيضاً الأمر الأكثر أهمية لروسيا هو جلب باكستان لتحالف شنغهاي العسكري حيث ترى أهمية من ذلك عبر إزاحة النفوذ العسكري الأمريكي على مفاصل الأمن والجيش الباكستانيين ، وكذلك بنفس الأهمية دور باكستان العالمي في الحد من نشاطات المجموعات الإرهابية الوهابية التي تضرب في دول القوقاز والمرتبطة فكريا وتنظيمياً بتنظيم القاعدة.
وكذلك و فضلاً عن الأهمية الأمنية و العسكرية لباكستان بالنسبة لإيران فإن أهميتها الإقتصادية كذلك بنفس الحجم حيث كانت دولة مهمة في كسر الحصار الأمريكي على إيران ، وخصوصاً في ظل وصول عمران خان إلى سدة الحكومة في باكستان والذي أعلن عن استمرار باكستان بشراء النفط من إيران ومشاركتها أنابيب النفط والغاز عبر أراضيه إلى الصين.
وتمر باكستان في هذه الأيام في وضع سياسي فيه الكثير من التعقيدات وخصوصاً في زمن الإنبطاح الأعرابي أمام الكيان الصهيوني و سيدها الأمريكي ، حيث أن المنظومات الرجعية الأعرابية الحاكمة في شبه جزيرة العرب تمارس الضغوط الكبرى على باكستان لتعلن التطبيع مع الكيان الصهيوني ولتكون هذه هي الجائزة الكبرى للكيان الصهيوني الذي سيحصل على غطاء الشرعية من الدول " السنية " وربما يتم ضمه لاحقاً إلى منظومة الناتو العربي ليتم توسيع مسماه فيصبح الناتو الإسلامي.
ولكن تواجد الرئيس عمران خان على رأس منظومة الحكم في باكستان منع حدوث هذا الإنهيار وبحنكة سياسية استطاع الموازنة ، فلم يفرط بالدعم الإقتصادي من حكام شبه جزيرة العرب ، وأكد بموقف حاسم لا تطاله الشبهات بإن باكستان لن تعترف بالكيان الصهيوني حتى لو تم توقيع صفقة حل الدولتين ، وأكد على ثبات الموقف الباكستاني في هذه القضية.
مما سبق نرى أن الجغرافية هي أم السياسة والأمن والاقتصاد والعلاقات الدولية والاستراتيجيا ، وهي التي تكون سلاحاً ذو حدين على أي دولة ذات أهمية جيوسياسية في العالم حيث يجعل موقعها الجغرافي منها هدفاً ومطمعاً لدول الاستكبار الإستعماري للإفادة منها اقتصادياً واتخاذها قاعدة لمحاربة الخصوم ، وكذلك يكون هذا الموقع نعمةً عندما تقود هذه الدول حكوماتٍ و قياداتٍ وطنية تستطيع حماية هذه البلاد و الاستفادة من مقدراتها والارتقاء بها إلى مصافي الدول المتقدمة في العالم وجعلها كابوساً لأعدائها وملاذاً وأمناً لأصدقائها ، ومنفعةً للإنسانية جمعاء.