نيرون واشنطن وهزيمة القرن
شوقي عواضة
خطوة الرّئيس المهزوم دونالد ترامب بإقالة وزير دفاعه مارك إسبر بشكلٍ مفاجئ وتعيين كريستوفر ميلر رئيس المركز الوطني لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي بالوكالة خلفاً له لم تأتِ من فراغ، لا سيّما في ظلّ الهزيمة النكراء التي تلقاها ترامب في الانتخابات الرئاسيّة والتي لم يعترف بنتائجها لغاية الآن، وعدم الاعتراف بفوز خصمه جو بايدن.
جاءت خطوة ترامب كردٍّ أوّلي وسريع بالرّغم من وجود خلافات سابقةٍ بينه وبين وزير الدفاع إسبر، التي لم يكن آخرها رفض إسبر إنزال الجيش إلى الشّوارع لقمع المظاهرات الاحتجاجية على قتل جورج فلويد. هذه الإقالة طرحت علامات استفهام كبيرة لا سيما في ظلّ إعلان الحزب الديمقراطي فوزه الكاسح لمرشحه جو بايدن، إضافة إلى توقيت الإقالة وتعيين كريستوفر ميلر صاحب التاريخ الدموي والإجرامي الحافل بالاغتيالات، والذي كان له الدّور الأكبر في عملية اغتيال اللواء قاسم سليماني قائد فيلق القدس ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي الحاج أبو مهدي المهندس ورفاقهما، إضافة إلى مشاركته في حرب أفغانستان 2001، وفي غزو العراق في 2003، ودوره البارز في عدّة عمليات انتشار للقوّات الأميركية وعناصر عمليات دعم المعلومات العسكريّة في الحروب غير التقليديّة وغير النّظامية والعمليات الخاصّة الحسّاسة وعمليات استعادة الرهائن من قبل وزير الدفاع. إلى جانب ذلك فقد شغل ميلر منذ العام 2018 إلى كانون الأول/ ديسيمبر 2019 منصب مساعد خاص للرئيس ترامب والمدير الأوّل لمكافحة الإرهاب في مجلس الأمن القومي وكان مسؤولاً عن وضع السياسات على المستوى الاستراتيجي وتنفيذها، وهذا يعني أنّ ترشيحه من قبل ترامب يندرج في إطار التصعيد العسكري في الزمن الضّائع تجاه محور المقاومة وعلى رأسها إيران وسورية واليمن ولبنان في محاولةٍ لتسجيل انتصارٍ عجز عن تحقيقه ترامب على مدى السّنوات الأربعة.
كلام أعلنه مسؤولون في البنتاغون كما نقلت صحيفة «نيويورك تايمز» عن وجود خطّة لدى ترامب لشنّ عمليّات سريّةٍ أو علنيةٍ تستهدف، إيران وحزب الله في الفترة المتبقية من ولايته في سدّة الرئاسة، والهدف من ذلك إغراق أميركا بالمزيد من الفوضى وتأخير عملية تسليم بايدن سدة الحكم في البلاد.
فـنيرون واشنطن والمقاتل الأشوس من أجل الحرية والديمقراطية يتمرّد اليوم على كلّ القيم والقوانين والدساتير يهتك الديمقراطية بعنجهيته ويعلّق مشنقة للحرية التي رفعها شعاراً لرسم شرق أوسط جديد ويظهر كزعيم عصاباتٍ في تكساس أو بطل فيلم هوليودي لينقلب على الدولة العميقة ويدعو لفضح أسرارها ويضع الولايات المتحدة أمام مواجهة داخلية ليرضي غروره بمغامراتٍ يُقدم عليها، وهذا الأمر قد يستدعي الذهاب بالدّولة العميقة إلى اتخاذ قرارٍ يحسم الجدل وذلك من خلال ما أكّدته صحيفة «واشنطن بوست» التي قالت إنّ ترامب يعتقد بأنّ الدولة العميقة تآمرت عليه.. وهناك تخوّف من جنونه بعدما اطلع على أسرارٍ خطيرة للدولة في ظلّ مخاوف من إمكانية إقدام الرئيس الخاسر على إفشاء أسرار خطيرةٍ اطلع عليها خلال فترة حكمه للولايات المتحدة، مشيرةً إلى أنّ مسؤولين سابقين وحاليين عبّروا عن مخاوفهم العميقة من هذا الأمر.
ومن تلك الأسرار ما يتعلّق بإجراءات إطلاق الأسلحة النووية، وقدرات جمع المعلومات الاستخبارية، بما في ذلك هوية عملاء أميركا في عمق أنظمة الدول الأخرى، فضلاً عن برامج تطوير أسلحةٍ جديدة ومتقدّمة فهل ستقوم الدولة العميقة بقتل ترامب إذا لم تجد حلّاً لوضع حدٍّ لتجاوزاته وتهديداته ذلك ما ستجيب عنه الأيام المقبلة من فترة حكمه التي تنتهي في العشرين من شهر كانون الثاني 2020…!؟
على ضوء ذلك يمكن القول إنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تعد متحدة في ظلّ الانقسام الحادّ الذي قد يأخذ وجوهاً متعدّدة من الصّراع الداخلي والمواجهة بين الجمهوريين والدّيمقراطيين وقد يؤدّي ذلك إلى ضعضعة الوضع الداخلي أكثر ممّا كان عليه سابقاً.
أمّا على المستوى الخارجي فيبدو أنّ ترامب لم يدخل في حساباته جهوزية محور المقاومة ومدى استعداده للردّ السريع والفوري في حال إقدامه على ارتكاب أيّة حماقة ضدّ ايران أو سورية ودول المحور التي وضعت كلّ القواعد الأميركية في الخليج الفارسي وفي مقدّمتها القاعدة الأميركيّة الأكبر في الشرق الأوسط وهي (الكيان الصّهيوني) تحت مرمى صواريخها البالستيّة، كلام أكّده مسؤولون إيرانيون وحسمه الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته في يوم الشهيد.
وإزاء كلّ ذلك يمكن القول بأنّ المرحلة المتبقية من ولاية نيرون واشنطن هي من أدقّ المراحل وأخطرها على الولايات المتحدة الأميركية والكيان الصهيوني قبل الخارج، وقد تحمل المزيد من المفاجآت على المستويين الدّاخلي والخارجي لأميركا، وما بين تعدّد سيناريوات التمرّد على الدولة العميقة والانقلاب عليها والمغامرات التي يخطّط لها هناك حقيقة واحدة أكدها قادة محور المقاومة برسالةٍ وصلت عبر الروس والألمان وهي بمثابة إنذارٍ إيراني لترامب يقول «الدّم بالدّم والضّربة بعشرة والبادي أظلم»