kayhan.ir

رمز الخبر: 122031
تأريخ النشر : 2020November09 - 19:46

أميركا سقطت وثلاثيّ الشرق يراكم الحصاد

محمد صادق الحسيني

يقول فرانكلين روزفلت:

"لا شيء يحصل في السياسة بالصدفة، تأكدوا بأنّ كلّ ما يقع كان مخططاً له أن يقع”.

ونحن إذ لا نؤمن بمقولة الصدفة أصلاً، لكننا أردنا ان نستند الى أحد كبارهم فيما نحن ذاهبون لشرحه.

ما حصل ولا يزال في الانتخابات الأميركية وفي مسار تبلور التركيبة الجديدة للحكم عند حكم الاوليغارشية البيضاء في واشنطن، مثال حيّ على انّ كلّ ما يحصل في السياسة إنما هو مخطط له بعناية في الأروقة الخلفية.

فالقوى الخفية الأميركية العميقة التي أتت بدونالد ترامب ليحقق لها أهدافها وبعد مضي أربع سنوات من التخبّط والانكسارات، أيقنت أن من وضعته في الواجهة فشل فشلاً ذريعاً في ذلك، وصار واجباً عليها تغيير حصانها الأشقر بحصان ملوّن لعله يصلح ما أفسده سلفه الخاسر!

لم تعُد خسارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، من عدمها هو الموضوع، تماماً كما لم يعد فوز جو بايدن هو المهم، وإنما الأهمّ هو المنحى غير المسبوق الذي اتخذته هذه الانتخابات، منذ بدء الحملة الانتخابية حتى هذه اللحظة.

فقد بانت أميركا على حقيقتها كما لم تبَنْ من قبل انحطاط سياسي وأخلاقي عميق وفوضى عارمة وقلق يساور كل المواطنين الأميركيين من محافظين وليبراليين.

لقد اشتدّ رهابهم من الآتي لبلادهم حتى صار البعض منهم يخاف على أصل بقاء أميركا موحّدة..!

فما الذي أوصل الولايات المتحدة الى هذا المستوى من عدم اليقين والانقسامات والخلافات، التي تنتشر بين فئات وطبقات الشعب الأميركيّ والنخبة السياسية،وحتى العسكرية، والتي تجلت في إعداد وزير الحرب الأميركي الحالي، الجنرال مارك إسبر، لرسالة استقالته؟

إنّ أسباب هذا المآل القاتم للهيبة الأميركية، لا بل للدولة نفسها ككيان سياسيّ، كما عرفناه، ليست مرتبطة فقط بشخصية الرئيس الأميركي ترامب، بقدر ما هي مرتبطة بفشل القوى الأميركية العميقة، التي أوصلته الى البيت الأبيض، قبل أربع سنوات. تلك القوى التي اعتقدت، خطأً، أنه رجل أعمال وإعلام ناجح، وأنه قد يكون قادراً على تحقيق أهداف هذه القوى الخفية، أي القوى الرأسمالية الكبرى في العالم، والمتمثلة (الأهداف) في محاولة استعادة السيطرة الأميركية الأحادية القطبية على العالم، ووقف صعود قوى دولية أخرى لتبؤّ قيادة العالم.

لكن الرئيس ترامب، الذي ورث إدارة مهزومة في العراق وأفغانستان، ثم تأكدت هزائم هذه الإدارة في العراق، بهزيمة داعش في الموصل سنة 2017، وباستعادة الدولة السورية السيطرة على معظم أراضيها، نقول إنّ هذا الرئيس قد أثبت انه غير قادر على إصلاح ما أفسدته الإدارات السابقة، حتى لو كان فعلاً ينوي القيام بذلك.

وهكذا فشل ترامب في تحقيق أيّ انتصار أميركي، له طبيعة استراتيجية، وليس فقط له طبيعة إعلامية ديماغوجية لا تغيّر في موازين القوى الميدانية شيئاً.

وإليكم أهمّ مناحي فشله:

فهو فشل فشلاً ذريعاً في إخضاع إيران كقوة صاعدة، رغم كلّ العقوبات القصوى والتهديدات المتواصلة، بالعدوان العسكري عليها. بل إنه صار سبباً في جعلها تضاعف جهودها، مرات عدة، لبناء قواها الذاتية، اقتصادياً وعسكرياً، والاعتماد على نفسها أكثر فأكثر، مما حولها في وقت ليس بالطويل إلى قوة إقليمية عظمى لا يمكن معالجة أيّ موضوع أو أزمة إقليمية بمعزل عنها.

كما أنه فشل في منع القوات المسلحة العراقية من تدمير القوام الأساسي لعصابات داعش، في الموصل وغيرها من المحافظات العراقية نهاية عام 2018، في الوقت الذي كان هو وجيشه يقدّم لتلك العصابات الدعم المتعدّد الأشكال في العراق كما في سورية. وهو ما يعني فشل السياسة الأميركية في تثبيت سيطرة داعش على سورية والعراق وتدمير الدولتين وتقسيمهما وإخراجهما من جميع معادلات الصراع في المنطقة.

يضاف الى ذلك أنه، ورغم قيامه بقصف مواقع ومنشآت سورية أكثر من مرة، وتضافر جهوده مع جهود قاعدته العسكرية على اليابسة الفلسطينية (الكيان الصهيوني)، وكذلك جهود مخلب الناتو في المنطقة، الرئيس التركي أردوغان، قد فشل في وقف تقدّم الجيش السوري وتحرير المزيد من الأراضي السورية. وهو ما يعني فشل مخطط إسقاط الدولة السورية وتفتيتها وإنهاء استقلالها ووحدة أراضيها تمهيداً لنهب ثرواتها الطبيعية.

ولا بدّ طبعاً من إضافة الفشل الأميركي المدوّي في إسقاط اليمن والسيطرة عليه وعلى المداخل البحرية الاستراتيجية، رغم عشرات آلاف الغارات الجوية السعودية الإسرائيلية الإماراتية ومشاركة الولايات المتحده وبريطانيا وفرنسا في دعم قوى العدوان استخبارياً، حيث إنّ اليمن الوطني الصامد يقترب من النصر أكثر من أي وقت مضى، فيما يلملم إبن سلمان وابن زايد وأسيادهما أذيال الهزيمة المنكرة.

ويبقى الفشل الأعظم، في مسيرة وكيل القوى الأميركية الخفية دونالد ترامب، هو فشله في إخضاع الشعب الفلسطيني وإجباره على قبول ما أسماه بصفقة القرن، وفشله حتى في جلب قيادة السلطة الفلسطينية الى حظيرة البيت الأبيض لإعلان استسلام الشعب الفلسطيني لمشاريع تصفية قضيته وإنهاء مطالبته بتحرير وطنه المحتل، فلسطين كاملةً. هذا الاستسلام الذي كان سيمنح الإمبريالية الأميركية وأذنابها المحليين، من صهاينة وعثمانيين جدد وأعراب في الخليج الفارسي، سيطرة كاملة على مقدرات العالم العربي بأسره وفتح الطريق الى عملية استثمارات مالية هائلة، كتلك التي نفذتها الولايات المتحده في اوروبا بعد الحرب العالمية الثانية والتي استمر تأثيرها (سيطرة رأس المال الأميركي على الاقتصاد والسياسة) بشكل مطلق تقريباً حتى وقتنا الحاضر.

كما يجب تأكيد فشل ترامب المدوي، في مواجهة وباء كورونا، رغم اتهاماته الباطلة والمتكررة للصين الشعبية بنشر هذا الوباء، اذ انه والى جانب فشله في ادارة الأزمة الوبائية في بلاده فقد فشل فشلاً ذريعاً في مواجهة صعود الصين الاقتصادي والسياسي والعسكري، كما فشل في خلق شرخ في التحالف او التعاون الروسي الصيني، على صعيد العمل المشترك لإنهاء الهيمنة الأميركية الأحادية على مقدرات العالم.

وهذا يعني أن القوى الخفية الأميركية، التي اختارت ترامب لإنقاذ الولايات المتحدة من حتمية فقدان هيمنتها على العالم، قد أغفلت، بسبب عنجهيتها وعنصريتها وجهلها بفلسفة السياسة وبقوانين التطور الاقتصادي الموضوعية، أن الازمة الأميركية اكثر عمقاً بكثير من ان ينقذها مُقدِّم برامج تهريج تلفزيونية ورجل أعمال فاشل ومفلس، مثل ترامب!

إذ انّ جذور الأزمة الطاحنة، داخلياً ودولياً، التي تواجه الولايات المتحدة، ليست أزمة ايديولوجيات او برامج سياسية او حتى استراتيجيات أميركية متمايزة، بين هذا الحزب او ذاك، وإنما هي ازمة بنيوية، تشمل كل النظام الرأسمالي الدولي، ولا يمكن إصلاحها الا من خلال إجراءات جذرية، ليس لدى واشنطن مجال لتطبيقها لأسباب متعددة لا مجال لشرحها هنا.

لقد أضاعت الولايات المتحده ثلاثين عاماً في شنّ الحروب العدوانية، في أفغانستان والعراق وسورية وليبيا واليمن والصومال وغيرها، بينما ركزت روسيا والصين وإيران كل جهودها وقدراتها المالية،على البحث العلمي وتعميق المعرفة، وخلق قاعدة للتفوّق العلمي والتكنولوجي الهائل، الذي مكّنها من تحقيق تفوق على واشنطن في العديد من المجالات العسكرية وكذلك في تطوير البنى التحتية المحلية لهذه الدول، بما يضمن استمرار تنفيذ مشاريع التنمية الطويلة الامد، سواءً في داخل تلك الدول أو في دول وقارات أخرى بنت معها اواصر تعاون متين، على الصعد كلها.

ولا يحتاج الامر إلا الى إلقاء نظرة على التحرك الإيراني الاخير، المنسق مع بكين وموسكو، في أميركا اللاتينية، والذي تجلى في زيارة وزير الخارجيه الإيراني الاخيرة الى كل من كاراكاس وهاڤانا ولاباز، وما تمّ بحثه بين الوزير الإيراني وبين مسؤولي تلك البلدان من مشاريع تعاون مشتركة طويلة الأمد، بما في ذلك التعاون العسكري التقني، أي تصدير السلاح الإيراني وصناعته في تلك الدول بعد الفشل الذريع الذي مُنيت به أميركا ليس فقط في محاصرة إيران بل وفي وقف عنفوانها الذي تمدد وها هو يستقر في فضائها الاستراتيجي بكل هيبة وسؤدد.

وعليه فإنّ أولى خطوات الإنقاذ، التي يجب ان يتخذها الرئيس الأميركي القادم اذا ما اراد ان يحجز لبلده المتهاوي مقعداً يُعتد به في النظام الدولي الجديد ما بعد ترامب، انما تتمثل في الابتعاد عن سياسات العدوان وشنّ الحروب، واستثمار النسبة الأكبر من موازنة وزارة الحرب الأميركية (750 مليار دولار لهذا العام) في تطوير البنى التحتية الأميركية والبحث العلمي كي يصبح الاقتصاد الأميركي محصناً ضد الانهيار وقادراً على المنافسة وليس على التفوق. وذلك لأن عصر التفوق الأميركي قد ولى الى غير رجعة ومن يحلم بعودة سيطرة الاقتصاد العالمي على عرش العالم، كما كان الوضع منذ نهاية الحرب العالمية الثانية وحتى أواسط الثمانينيات من القرن الماضي، فإنه واهم وحالم بشيء اصبح من الماضي.

التنافس التجاري الحر، مع الاقتصاديات الدولية المتزايدة النمو، هو الطريق الوحيد، لإبعاد شبح الانهيار وتفكك الدولة، ما تبقى من الولايات المتحدة الأميركية، وليس المكابرة والعنجهية والعنصرية التي تمارسها القوى الأميركية الخفية، داخلياً وخارجياً.

في الختام نعود ونؤكد اننا هنا إنما نستعرض أميركا كما هي في الواقع، ولا ننسج عنها صورة من مخيلتنا ابداً هذا هو تاريخها.

راجعوه بالوثائق والأرقام والمستندات والقرائن والبراهين

هم قالوا عن أنفسهم يوم دخلوا مستوطنين قادمين من انجلترا إنهم دخلوا أرض كنعان واقاموا دولة "إسرائيل” يوم بنوا أول 13 مستوطنة في شرق ما يسمّى الولايات المتحدة الأميركية اليوم.

وأخذوا يتوسّعون ويزحفون بكلّ الاتجاهات حتى قضوا على 112 مليون من اللاتينيين أي السكان الأصليين وأظنهم اليوم فقدوا كلّ ما تبقى لهم من قوة اندفاع وبدأ عدهم العكسي للاختفاء

والسبب الأساسي فقدانهم كلّ أخلاقهم و”إنما الأمم الأخلاق ما بقيت فإنْ همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا”.

بعدنا طيبين قولوا الله