عالم ما بعد الانتخابات الأميركية.. ماذا عن ايران وكوريا والصين؟
شارل ابي نادر
ليس بالضرورة اننا نتكلم عن نتيجة حتمية لخسارة الرئيس الاميركي الحالي دونالد ترامب وفوز منافسه الديمقراطي جو بايدن، فالأمور مختلطة بنسبة متقاربة بالرغم من أن الإحصائيات تؤشر لاحتمال فوز بايدن بنسبة أكبر، مع ما ينتظر المشهد الاميركي من توترات وتجاذبات دستورية وقانونية، بوجود اعتراضات الرئيس ترامب القضائية على مسار التصويت. ولكن، مع احتمال تحقق فوز بايدن وخسارة الرئيس الأكثر غرابة بين رؤساء الولايات المتحدة الاميركية دونالد ترامب، والذي طبع السياسة الدولية في الأربع سنوات الأخيرة من حكمه، بطابع غير مسبوق من التناقض وعدم التوازن، يبقى السؤال الذي يراود كثيرين: أي عالم سيكون بعد خسارة ترامب؟
في الواقع، هناك الكثير من العناوين التي يمكن مقاربتها، عند محاولة استشراف كيف سيكون العالم ما بعد ترامب، وحيث تتزاحم وتتعدد الملفات الدولية، طبعا مع الاميركية الداخلية، والتي يؤثر فيها بنسبة مهمة الرئيس الأميركي. وحيث من الصعوبة بمكان مقاربة كل هذه العناوين بشكل مفصل ودقيق، لا بد من تحديد أهم النقاط والتطرق اليها، وهي:
العلاقة مع الصين
ربما يكون ملف العلاقة الاميركية - الصينية هو الأكثر أهمية على الساحة الدولية حاليًا، والذي سبق بحماوته تداعيات فيروس كورونا واتهامات الرئيس الاميركي للصين بالتسبب به أو بعدم معالجته كما هو مطلوب، مما ساهم بتفشيه على ما هو عليه اليوم، وأصاب بذلك من الولايات المتحدة الاميركية مقتلا، حيث كان قد بدأ الصراع مع الصين وهجوم ترامب عليها في الموضوعين التجاري والاقتصادي، بعد أن انتبه الرئيس الاميركي لعدم توازن الميزان التجاري بين الدولتين، لصالح الصين طبعا، الامر الذي أسس لحالة متوترة من المواجهة الاقتصادية، امتدت الى السياسة وتطورت الى التهديدات العسكرية، فزادت حركة البوارج والمدمرات الاميركية في بحر الصين الجنوبي وفي شمال المحيط الهادي، وانخرطت واشنطن أكثر وأكثر في مشاكل الصين مع جيرانها التاريخيين عبر التحريض وتسعير الخلافات الموجودة أساسًا، من هونغ كونغ الى اليابان فماليزيا والفيليبن وفيتنام وغيرها من دول شرق آسيا.
بعد الرئيس ترامب، لا بد لهذه العلاقة الصينية الاميركية أن تعود الى ما قبل الحقبة الترامبية، ليس بالضرورة أن تختفي هذه الخلافات الاقتصادية من جهة، أو السياسية المرتبطة بالنفوذ في شرق آسيا وبحر الصين الجنوبي، فالسعي لفرض النفوذ والسيطرة ما وراء البحار، سوف يبقى أساسيًا في استراتيجية الدولة العميقة الاميركية، وطبعا لن يختفي خوف واشنطن المحق من مشروع الحزام والطريق (أو طريق الحرير الصيني الجديد)، لكن سيعود حتمًا التوازن الى تلك العلاقة، بمعزل عن مزاجية الرئيس الاميركي وتعنته أمام أحقية الدول ومنها الصين بالأساس، في البحث عن مصالحها والعمل على تأمينها، في جو من المنافسة التقليدية، بعيدًا عن التهديدات والعنتريات وما شابه.
العلاقة مع كوريا الشمالية
قد تكون العلاقة الأميركية مع كوريا الشمالية غير مهمة على الصعيد السياسي أو الاقتصادي، حيث الأخيرة بعيدة كل البعد عن مستوى القدرة على منافسة واشنطن في أغلب المجالات، ولكن حساسية هذه العلاقة انها وصلت أخيرًا، وبسبب توتيرها المقصود والمفاجىء من قبل الرئيس ترامب، الى درجة التهديد المتبادل بالمواجهة غير التقليدية (النووية والصاروخية الباليستية)، والجميع يذكر مقارنة الرئيس ترامب وتهكمه على الرئيس الكوري الشمالي، حين قال انه (اي ترامب) يملك زرًا نوويًا أكبر بكثير من الزر النووي الذي يملكه نظيره الكوري الشمالي، (الزر النووي هو مفتاح التحكم واطلاق القدرات النووية الباليستية).
صحيح أن التوتر الذي اعترى تلك العلاقة قد انخفض بعد القمة بين الرئيسين، ولكن بقي التشنج على حاله بعد رفض الرئيس الاميركي رفع العقوبات القاسية عن كوريا الشمالية، قبل قيامها بتدمير كامل قدراتها الباليستية والصاروخية والنووية، الأمر الذي اعتبره الرئيس الكوري الشمالي مستحيلاً، كونه يؤدي الى خسارته قدرة الردع وضمانة المواجهة، والتي سوف تؤدي بدولته نحو الاستسلام.
حتى الآن، من غير الواضح كيف ستكون سياسة بايدن لو فاز في موضع كوريا الشمالية، حيث إن العقوبات والضغوط الاميركية على بيونغ يونغ ، لم تتغير بتاتا خلال جميع الحقبات الرئاسية بين الديمقراطيين او الجمهوريين.
العلاقة مع إيران
قد تكون نقطة الارتكاز الأساسية التي سوف تحدد مسار التحول في العلاقة الايرانية الاميريكة فيما لو فاز بايدن، هي الاتفاق النووي، وامكانية عودة الادارة الاميركية الجديدة الى الالتزام به.، وصحيح أن ايحاءات الديمقراطيين حول الموضوع، قبل الانتخابات، كانت تشير الى تلك العودة، خاصة أن الالتزام الاميركي بالاتفاق حصل على عهد الديمقراطي الرئيس السابق باراك اوباما وكان بايدن نائبا له، ولكن، ليس بالضرورة ان تلتزم ادارة الأخير فيما لو فاز بتلك الايحاءات، أولًا لأن هناك تغييرات جذرية حدثت وأهمها انطلاق مسار التطبيع مع "اسرائيل"، حيث سيكون هناك ضغط كبير، اسرائيلي وخليجي على الادارة الاميركية، لعدم العودة الى الاتفاق وحرمان ايران من فوائده وخاصة المالية، وثانيا لأن السياسة الاميركية العميقة لم تكن يوما واضحة أو شفافة أو صادقة.
من جهة ايران، فقد قال الرئيس الإيراني حسن روحاني "إن نتيجة الانتخابات الأميركية لا تهم حكام بلاده"، ودعاهم الى احترام القوانين والمعاهدات الدولية، مؤكدًا أن "الحكومة الأميركية أياً كانت ستذعن للشعب الايراني ولا سبيل لديها سوى الاذعان للقانون والقرارات وضغوطات الرأي العام، حيال صبر ومقاومة الشعب الايراني العظيم".
في النهاية، وكما قال الرئيس الايراني، لن يكون مهما من هو الرئيس الاميركي، المهم كيف ستكون سياسته، وهل سوف يلتزم بالقانون الدولي وباحترام حرية وسيادة الشعوب والدول؟ وهل سوف يعيد الولايات المتحدة الاميركية الى مربع التوازن الدولي والمتعلق بضرورة احترام تعهداتها والتزاماتها أمام المجتمع الدولي ومؤسساته أو أمام الدول الشريكة لها في تلك الالتزامات؟