kayhan.ir

رمز الخبر: 121682
تأريخ النشر : 2020November03 - 19:18

صدمت «إسرائيل»! فهل تنسف مفاوضات ترسيم الحدود البحرية؟

العميد د. أمين محمد حطيط

من أجل قطع الطريق على المفاوض اللبناني الذي يجري في الناقورة مفاوضات غير مباشرة من أجل ترسيم الحدود البحرية للبنان مع فلسطين المحتلة التي تغتصبها «إسرائيل»، ورغم ما قيل عنه إنه متفق عليه من إحاطة المفاوضات بسرية تامة وكتمان شديد، واستباقاً لجولة المفاوضات اللاحقة المقرّرة في 11/11/2020، اتخذت وزارة الطاقة الإسرائيلية في كيان العدو موقفاً لافتاً يمسّ بجوهر المفاوضات وموضوعها عندما أعلنت أنّ «إسرائيل لن تجري مفاوضات مع لبنان على حقلي الغاز «كاريش» و«تنين» أو «التمساح»)، وانّ وفدها في الناقورة غير مخوّل بالبحث بأكثر من موضوع ملكية المساحة المتنازع عليها مع لبنان والبالغة 860 كلم2 نشأت نتيجة خطأ في مقاربة لبنان للموضوع مع قبرص في العام 2007، وبالتالي فإنّ الموقف الإسرائيلي العلني يعني بكلّ بساطة بأنّ المفاوضات هي لحلّ نزاع وليس لترسيم حدود ما يعني أنه نسف أو تحوير للمفاوضات من ترسيم حدود بحرية غير موجودة إلى فضّ خلاف على ملكية مساحة يتنازع الطرفان ملكيتها. فكيف سيردّ لبنان وما هو مصير المفاوضات في هذا الوضع؟

بداية يجب الإقرار بأنّ لبنان راكم الأخطاء في تداول ملف ترسيم حدوده البحرية منذ أن تداولت الملف أيدي غير مختصة وغير متخصّصة فكان الخطأ الأول في مشروع الاتفاق الذي أعدّه مع قبرص وتمثل في وضع النقطة (1) لتكون النقطة الأساس التي تمثل الزاوية الجنوبية الغربية من المنطقة الاقتصادية اللبنانية، ثم كان الخطأ الثاني في التعامل مع العدوان الإسرائيلي على نقاط رأس الناقورة والـ B1 والجزر الفلسطينية وتأثيرها على خط الحدود خلافاً لقواعد حاكمة ينصّ عليها قانون البحار للعام 1982، ثم كان الخطأ الثالث في ما أسمي «اتفاق الإطار للتفاوض غير المباشر» (وهو حقيقة تفاهم وليس اتفاقاً)، هذا التفاهم الذي أرسى التفاوض على مرجعيات واهنة لا علاقة لها بترسيم الحدود (تفاهم نيسان والخط الأزرق والقرار 1701) وأهمل المرجعيات الأساسية الثلاث التي لا يمكن ان ترسم حدود بحرية بدونها ولا يمكن ان تحفظ حقوق لبنان في أرضه وبحره وثرواته من غيرها وهي اتفاقية «بوليه –نيوكمب» التي رسمت بموجبها الحدود البرية بين لبنان وفلسطين و«اتفاقية الهدنة» بين لبنان والعدو الاسرائيلي التي أكدت على تلك الحدود البرية، واتفاقية قانون البحار التي ترسم الحدود البحرية بين الدول بمقتضاها فضلاً عن القرار 425.

بيد انّ لبنان وقبل ان يدخل الى المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية، او يرتضي أصلاً بها عمد الى معالجة تلك الأخطاء والتفلت من مفاعيلها بالشكل القانوني ثم جهّز ملفّه بأحكام تامّ يمكنه من إثبات حقوقه في البحر وفيما يختزن من ثروات. ولهذا جنّدت أجهزة الدولة المختصة بالشأن ووضعت إمكاناتها بتصرف قيادة الجيش ورئيس الجمهورية المعني الأول والوحيد دستورياً بالتفاوض والموجه لقيادة الجيش بوصفه القائد العام للقوات المسلحة، جندت لتصحيح الأخطاء التي تسبّب بها تداول الملف من قبل أيدي غير مختصة ولا تملك المؤهّلات الكافية للتعامل مع ملف بهذا الخطورة في مواجهة عدو من طبيعة العدو الصهيوني الذي يمتهن اقتناص الفرص واغتصاب الحقوق وتجاوز القانون.

وعليه فإنّ رئيس الجمهورية ومعه قائد الجيش وعبر مجموعات متخصصة من رجال القانون والخبرة بترسيم الحدود تمكنوا من كشف الأخطاء تلك وسدّوا الثغرات في «تفاهم الإطار» ما عطل مفاعيلها التي كانت ضيّعت على لبنان في نظرة أولى 860 كلم2 نشأت نتيجة الخطأ الأول، ثم 1430 كلم2 نتيجة الخطأ الثاني والعدوان الإسرائيلي معه، ثم منعت من تجريد لبنان من السلاح القانوني المرجعي الذي يحمي الحقوق اللبنانية.

وفي 14 /10/2020 انطلقت المفاوضات غير المباشرة في الناقورة وأطرافها الرئيسيون ينطلقون كما يبدو من قواعد مختلفة تحدوهم أهداف متنافرة، حيث انّ الوفد اللبناني يتجاوز ما ارتكب من أخطاء ويصحّح مفاعيلها عبر المرجعيات القانونية الثابتة والتي لا يمكن لأحد ان يتجاوزها (اتفاقية الحدود والهدنة وقانون البحار) وهدفه ترسيم الحدود البحرية، أما الوفد الإسرائيلي فقد بنى موقفه على الأخطاء اللبنانية وما يسمّيه «السوابق الدولية» هدفه المحافظة على ما اغتصب من حقول.

وكان واضحاً انّ اختلاف قواعد الانطلاق والأهداف سيقود الى تباين في اتجاه المفاوضات ونتائجها، واشتدّت المسألة خطورة عندما كشف أمر آخر في نظرة الطرفين المتفاوضين الى وظيفة المفاوضات، ففي حين يريد لبنان من المفاوضات ان تحدّد أولاً خط حدود المنطقة الاقتصادية التابعة له وبعدها تحدّد ملكية حقول النفط والغاز على أساس هذا الخط، تبيّن انّ «إسرائيل» تريد ان ترسم الخط بما يُراعي تمسكها بحقول الغاز الثلاثة كاريش والتنين وليفتان، وتنطلق من مقولة انّ «السوابق الدولية» و«اتفاق الإطار» أخرجا هذه الحقول من دائرة النقاش وأنها غير مستعدة لفتح الملف مجدّداً وانّ جلّ مهمة وفدها في الناقورة اليوم هو البحث في كيفية تقاسم مساحة الـ 860 كلم2 المتنازع عليها والتي قدّم هوف للرئيس نبيه بري مشروع قسمتها بمعدل 500 كلم للبنان و360 كلم لـ «إسرائيل».

أما لبنان وبعد أن وضع رئيس الجمهورية يده على الموضوع فقد أظهر نفسه في وضع آخر خارج التصوّر الإسرائيلي وانّ الوفد اللبناني جهّز نفسه خلافاً للموقف الإسرائيلي والتزم بالعمل وفقاً للقانون حرصاً على الحقوق التي تكرّسها قواعده للبنان، وقام وبجدارة عالية بطرح ملفه وفقاً لهذه القواعد دون ان يتوقف عند أخطاء ارتكبت من قبل من لا يملكون صلاحية التفاوض بشأن دولي حسب الدستور، وأكد لبنان انه يفاوض الآن وللمرة الأولى ممثلاً بالسلطة الدستورية المخوّلة بالتفاوض الدولي وينتدب لتمثيله في المفاوضات عسكريين وخبراء متخصصين بالشأن وبالتالي لا يمكن أن يسأل عن أيّ خطأ من الأخطاء الثلاثة التي من شأنها ان تفقد لبنان مساحة 2290 كلم2 من منطقته الاقتصادية وهذا ما صدم «إسرائيل» وحملها على المناورة او الخروج عن الموضوع التفاوضي.

فـ «إسرائيل» ألحّت على هذه المفاوضات وبهذا التوقيت بالذات لأنها ظنّت بأنّ لبنان المتناحر سياسياً والمنهار اقتصادياً والمفكّك اجتماعياً والذي يمرّ بأسوأ أيامه منذ تأسيسه في العام 1920 انّ لبنان هذا سيكون واهناً ضعيفاً أمامها، وسيكون خاضعاً منصاعاً لإملاءات الوسيط الأميركي «النزيه» العامل أولاً وأخيراً لمصلحتها، لكنها فوجئت بأنّ الوفد العسكري – التقني اللبناني في الناقورة أقوى بكثير مما توقعت وحجته أقوى بكثير مما تصوّرت، وانه يتمسك بالقانون ولا تقيّده أخطاء سواه من غير ذوي الصلاحية والاختصاص، ولهذا كانت صدمتها التي دفعتها إلى التهديد بوقف التفاوض فهل تفعل؟

بيد انّ «إسرائيل» وقبل ان تتخذ قرارها بمتابعة التفاوض او وقفه عليها ان تتذكر او تدرك او أن يبلغها لبنان عبر الوسيط «النزيه» و«الراعي الأممي» بالحقائق – المسلمات التالية:

1 ـ انّ موضوع التفاوض غير المباشر هو ترسيم حدود غير موجودة قبلاً، وليس فضّ نزاع على حدود قائمة عبث بها، فمنطق التعامل مع الحدود البحرية مختلف كلياً عن منطق التعامل مع الحدود البرية. حيث انّ الأخيرة موجودة وثابتة وقائمة منذ العام 1923 وعبثت بها «إسرائيل»، أما الأولى فهي غير موجودة أصلاً وغير مرسّمة وبحاجة الى ترسيم.

2 ـ انّ الأخطاء التي ارتكبت من قبل لبنانيين غير ذوي صلاحية لا تفقد لبنان حقوقه وليس من شأنها أن تنشئ لـ «إسرائيل» حقوقاً مكتسبة خاصة أنّ أيّاً من هذه التصرفات الخطأ لم تكن «إسرائيل» أصلاً طرفاً مباشراً فيها، كما انها لم تصل الى النهائية نتيجة توقيع او إبرام.

3 ـ انّ لبنان يفاوض انطلاقاً من قواعد دولية معتمدة لترسيم الحدود البحرية (اتفاقيات الحدود والهدنة وقانون البحار) وهو لا يرى ولا يعترف بأيّ مرجعية غير ذلك، وانّ هدف المفاوضات هو رسم الخط الحدودي البحري، وبعد رسم الخط ينظر بملكية حقول النفط والغاز أيضاً وفقاً لقانون البحار ولا يمكن للبنان ان يضع العربة أمام الحصان ويفاوض عل الحقل قبل ان يرسم خط الحدود.

4 ـ إذا توقفت المفاوضات بقرار «إسرائيلي» وتعطل الترسيم فعلى «إسرائيل» ان تتمنّع عن التنقيب في كامل مساحة الـ 2290 التي يعتبرها لبنان حقاً له وانْ دخلت اليها فإنّ فعلها يشكل عدواناً وانتهاكاً لسيادة لبنان وحقوقه ما يستوجب الردّ المناسب وبكلّ الوسائل المتاحة.