مناورة جيش العدو لمواجهة قوات الرضوان على أرض فلسطين!
جهاد حيدر
تزامن انتهاء المناورة الكبرى لجيش العدو مع مضي 100 يوم على اجراء "إجر ونصف" الذي يضطر جيش العدو الى الالتزام به، في مواجهة قرار حزب الله الرد على استشهاد أحد مقاوميه في محيط مطار دمشق الدولي في 20 تموز/ يوليو الماضي.
أتت المناورة التي حاكت اندلاع حرب على ساحات عدة، في البر والبحر والجو، وبشكل خاص في مواجهة الجبهة الشمالية، وحملت اسم "السهم القاتل"، في ظل سياق اقليمي أدركت فيه تل ابيب فشل رهاناتها في أكثر من ساحة اقليمية، وأدى ذلك الى تغيير تقديراتها لمخاطر تصاعد محور المقاومة.
مع أن اجراء المناورات هو جزء من برنامج روتيني في جيش العدو، لكن لو لم تكن قيادة العدو تعتقد بضرورة اجرائها في هذا التوقيت، لما بادرت الى اجرائها، خاصة وأن آخر مناورة حربية واسعة أجرتها كانت قبل أكثر من سنتين. وبالتالي كان يفترض أنه يمكن لها تأجيلها عدة اشهر اضافية. لكن تطورات البيئة الاقليمية، وتحديدا على الحدود الشمالية فرضت على رئيس الاركان الاصرار على اجرائها، حتى لو أدى ذلك الى اصابة 1000 جندي بوباء كورونا، بحسب ما نقلت عنه صحيفة "يديعوت احرونوت". والسبب كما أوضحه بنفسه، لأنه لا يوجد خيار بديل انطلاقا من أي تطور موضعي تكتيكي قد يتدحرج نحو مواجهة ايام قتالية.
لوهلة قد يوحي اجراء المناورة، لدى الكثيرين من الرأي العام، كما لو أن "اسرائيل" تتحضر لشن هجوم واسع على لبنان. إلا أن معرفة السيناريو الذي انطلقت المناورة في مواجهته والذي هو اقتحام قوات الرضوان للجليل يزيل هذا التوقع من البال. وقد عمد الجيش في مقابل سيناريو هذا الاقتحام إلى مواجهته، ومن ثم "تحقيق إنجازات برية في الطرف الثاني (لبنان)"، كما عبر عن ذلك المعلق العسكري للقناة (13) في التلفزيون الاسرائيلي.
في نفس السياق، عمل سلاح الجو وفق المناورة، على "مواجهة أسراب من الصواريخ الجوالة والطائرات المسيرة الإيرانية التي هاجمتنا من سوريا ومن لبنان ومن دولتين لا أستطيع ذكر اسميهما، ومشابه للهجوم الذي تعرضت له منشآت أرامكو في السعودية لكن مضروباً بألف". بمعنى أن اسرائيل تعرضت كما يضيف بن ديفيد، الى "الاف الصواريخ الجوالة والطائرات المسيرة".
يكشف هذا السيناريو، عن تقدير القيادة العسكرية أن حزب الله يملك التوجه والتصميم والقدرة على تنفيذ هذا السيناريو. ويؤكد على المفاعيل الردعية التي نجح حزب الله في اجتراحها في وعي قادة المؤسستين السياسية والعسكرية، وأن على مؤسسة القرار أن تدرس خياراتها العملانية الابتدائية أو من موقع الرد، تحت هذا السيف المصلت وهي تعلم أن الطرف المقابل لها، (حزب الله)، يملك القدرة على اقتحام "اراضيها السيادية" مع ما ينطوي عليه ذلك من رسائل وتداعيات سياسية وأمنية وردعية ومعنوية في كل الكيان.
مع ذلك، فإن "اسرائيل" تجد نفسها ملزمة باجراء هذه المناورة كي تكون على جهوزية لمواجهة هذا التهديد الذي قد يبادر اليه حزب الله، ردا على عدوان اسرائيلي ما واسع أو متدحرج.
في ضوء ما تقدم، من الواضح أن قرار اجراء مناورة بهذا الحجم ووفق هذه السيناريوهات المرجعية، تكشف ايضا أن قرار اجرائها انطلق من تقدير وضع استراتيجي لمستقبل الاوضاع في المنطقة، وما تنطوي عليه من تهديدات متعاظمة على كيان العدو.
في نفس السياق، يصبح جلياً ايضا، أنه من المتعذر الفصل بين قرار اجراء مناورة الحرب المتعددة الساحات، وبين تقدير وضع يتصل بالمسارات التي أدت الى تشكل الواقع الاقليمي الحالي. وهو مفهوم حضر بقوة في تقدير معهد ابحاث الامن القومي عن العام 2020، بالاشارة الى فشل الرهان الاسرائيلي على ادارة ترامب في اخضاع ايران أو اسقاطها، ومن خلالها الى احداث تغيير جذري في المعادلة الاقليمية، لمصلحة "اسرائيل". وايضا، فشل الرهان على المسار الداخلي اللبناني الذي انطلق بقوة قبل أكثر من سنة، وراهنت "اسرائيل" من خلاله على تجريد حزب الله من جمهوره وفرض قيود عليه وعلى تطور قدراته.
بالموازاة، يؤشر اجراء مناورة الحرب ايضا الى أن "اسرائيل" سلمت بحقيقة فشلها في ردع حزب الله عن مساعيه في تثبيت معادلة الردع التي حمت لبنان والمقاومة منذ أكثر من 14 عاما. وتكشف عن حقيقة أنه منذ نحو 100 يوم، تبلورت وقائع فَرضت على جيش العدو أن يقيم حزاما أمنيا داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة، وتبددت رهانات كانت موضع أمل قادة العدو، وتبدّدت تقديرات في أكثر من محطة خابت فيها رهاناتهم.
تبقى مسألة حاسمة ينبغي التأكيد عليها وهي أن تصميم حزب الله على تثبيت معادلة الردع تهدف الى منع العدو من إحداث اختراق يؤسِّس عليه لبلورة خيارات عدوانية تهدف وفق رهاناته الى تغير الواقع الأمني والسياسي في لبنان بشكل جذري. ولأنها كذلك، يحاول العدو أن يفرض معادلة تمنحه هامشاً أوسع من الاعتداء استنادا الى تقديرات ورهانات تتصل بتطورات البيئة الاقليمية، وايضا، بالاستناد الى الواقع المستجد في الساحة الداخلية اللبنانية. هذا من دون أن نغفل ايضا، التداعيات الاقليمية للمعادلة التي تحكم الوضع القائم على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، بالاتجاهين الايجابي والسلبي.