kayhan.ir

رمز الخبر: 121152
تأريخ النشر : 2020October21 - 19:47

تراكمات خلافيه بين "الناتو" وتركيا.. وعلاقات أنقرة الإقليمية تتدهور

عبير بسام

يزداد الوضع التركي دولياً وإقليمياً حرجاً منذ التحرير الذي شهدته سوريا. ووصل الصلف التركي حدّاً لم يعد يطيقه حلفاء تركيا في الحلف الأطلسي "الناتو". اذ بدأ الكونغرس اتخاذ إجراءات لاستبعاد تركيا من حلف شمال الأطلسي "الناتو" على خلفية إجراء تجارب لمنظومة السلاح الروسي S400. وتقدم عضو مجلس النواب الأميركي تولسي جابارد بطلب للكونغرس باستبعاد تركيا من الحلف الأطلسي، وقد ابتدأت كندا في العشرين من الشهر الجاري وقف إمداد تركيا بالسلاح. وطرح جابارد مسألة العقوبات على تركيا للتداول في 17 تموز/ يوليو الماضي، بعد سلسلة من القرارات التركية التي وجدت فيها اميركا تجاوزاً كبيراً لمصالحها وخاصة في صفقة شراء صواريخ S400 روسية الصنع.

صفقة استغلتها تركيا للعب على التناقضات الإقليمية والدولية، وأوقعها بين براثنها دهاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، لتخرج بها تركيا الخاسر الأكبر على الساحة الدولية والإقليمية. اذ إن مشكلة تركيا الكبرى عجز رئيسها رجب طيب أردوغان عن قراءة التحولات الجيوسياسية العالمية بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، اذ فاته فهم تراجع أهمية موقع تركيا الجغرافي ما قبل العام 1989 على حدود الاتحاد السوفيتي بعد تفككه، وأنّ الأوراق الأميركية قد أعيد ترتيبها في أوروبا الشرقية على حدود الدولة الروسية.

لكن الأحلام الاستعمارية التي دغدغت مخيلة رجب طيب أردوغان منذ أن وصل للحكم كرئيس للوزراء في تركيا في العام 2003 بعد الاحتلال الأميركي للعراق، والذي قدم نفسه كحليف لإقليمه ومناصر للحق الفلسطيني، وأبدى سياسة منفتحة نحو كل من سوريا ولبنان، قد ملأت رأسه بالغرور، فابتدأت محاولات أردوغان من أجل زعامة العالم الإسلامي والعربي بجولة من الصراع مع السعودية، فاختار بذلك الحليف المطلق لأميركا والكيان الصهيوني.

لكنّ التركي مني بخيبة الأمل بعدم قبول عضويته في الاتحاد الأوروبي، خاصة بعد وصول أردوغان إلى السلطة. فابتدأ الحالم بالتغول في التدخلات العسكرية في الدول المجاورة له في شرق المتوسط ولعب دوره المريب في سوريا والمنطقة، في محاولة لتحسين شروط تفاوضه كدولة فاعلة فيها، حتى وصل إلى التدخل في الحرب الدائرة ما بين أذربيجان وأرمينيا، ضارباً عرض الحائط بطلب حلفائه في "الناتو" وحتى الروس بالبقاء على الحياد في الحرب الدائرة، مما وضع تركيا اليوم في موقع لا تحسد عليه إقليمياً ودولياً، خاصة بعد تجاوزه طلب حلفائه الأوروبيين بالرحيل عن ليبيا ووقف الخلاف مع اليونان وعودته عن التنقيب عن النفط والغاز في شرق المتوسط.

أما العلاقات الأميركية - التركية فبدأت بالتراجع بعد محاولة الانقلاب الفاشلة التي دعمها الأميركيون في العام 2016. تلا ذلك الموقف الأميركي المتذبذب والداعم لمحمد بن سلمان في عملية اغتيال الخاشقجي في تركيا في العام 2018. وأخيرا وليس آخراً، الدعم الأميركي لليونان والاتحاد الأوروبي ضد تركيا في الصراع على غاز شرق المتوسط، الذي أثار الأسئلة حول مصير تركيا في حلف "الناتو".

ثم جاءت صفقة شراء منظومة الصواريخ S400 من روسيا مما زاد عمق الخلاف وقلة الثقة ما بين تركيا وأعضاء "الناتو"، وأدى بالتالي إلى فشل صفقة بيع طائرات F35 لتركيا، والتي صوت ضدها مجلس الشيوخ الأميركي بتوافق جمهوري وديمقراطي. وقد نبهت دراسة نشرتها مؤسسة كارنيغي في آذار/ مارس العام الماضي، أنّ إتمام صفقة S400 بين تركيا وروسيا ستؤدي حتماً "الى خروج تركيا من حلف "الناتو". كما نشر موقع "دويتشه فيله" تعدد نقاط الخلاف مع أنقرة والتي تتعلق بتعاونها مع الشرطة العسكرية الروسية بتركيا، وبالتالي تقوية موقعها في سوريا، بحسب رأيهم، وتقويض بناء دولة كردية من خلال عملية نبع السلام التي شنتها. وبحسب الموقع فإن 58% من الألمان مع استبعاد تركيا من "الناتو"، بينما عارضه 18% فقط.

مشروع القانون، الذي يفرض عقوبات على تركيا، تقدم به مجموعة من أعضاء الكونغرس الأميركي، وقال العضو الجمهوري آدم كينزينغر إن "تركيا أمعنت في اتخاذ قرارات مثيرة للريبة، ولا تحترم الالتزامات والواجبات المترتبة عليها كعضو في حلف شمال الأطلسي "الناتو"". وأضاف إنه "ينبغي التوضيح بما لا يدع مجالا للشك أن تصرفات تركيا غير مقبولة البتة، وستترتب عليها عواقب وخيمة على أنقرة". ووفقًا لبعض التحليلات فإنّه: "إذا اتخذت الولايات المتحدة قرارًا إيجابيًا في هذا الصدد، قد تنتهي عضوية تركيا في "الناتو" في بداية العام المقبل".

الملفت أن تصويت الكونغرس على العقوبات على تركيا جاء في وقت أعلن فيه عن زيارات مخابراتية أميركية إلى سوريا. وفي وقت رفضت خلالها سوريا التعامل مع الأميركي في كشف مصير الصحفي الأميركي المختفي في الغوطة الشرقية، إلّا عند الخروج الأميركي النهائي من سوريا. ويأتي ذلك في وقت تتحضر فيه اميركا لإخراج جنودها من العراق، مما يوحي بأن الولايات المتحدة تعيد ترتيب أوراقها في المنطقة.

دخول تركيا كطرف في الحرب ما بين أذربيجان وأرمينيا، أثار حفيظة الأوروبيين والأميركيين، وحفيظة حلفائها الإقليميين في إيران وروسيا على حد سواء. فالاصطفافات المتناقضة التي أفرزتها هذه الحرب اقليمياً ودولياً وضعت تركيا في موقف لا تحسد عليه وأدخلتها في عزلة أكبر. اذ تكمن أزمة تركيا في الحرب الدائرة، بقلقها حول مصير خط باكو - تبليسي - جيهان، الذي تحدثنا عنه في موقع "العهد" منذ آذار / مارس 2019، وحول دوره في خلق صراع جديد في المنطقة ولبنان، حيث يقع ميناء جيهان في تركيا على الساحل المتوسط، والذي من المفترض أن يرتبط بخط الغاز "الإسرائيلي" إلى أوروبا. ولكن المطلوب هو تسوية تمكن "اسرائيل" من تمرير هذا الخط عبر مياه لبنان الإقليمية. وهو الخط، الذي هددت اميركا بفرض العقوبات الاقتصادية عليه في حال اشترت تركيا منظومة إس 400، مما سيبقي تركيا أسيرة مصالحها الاقتصادية المرتبطة بخط السيل الشمالي الذي يحمل الغاز الروسي عبرها إلى أوروبا.

زادت الحرب الأذربيجانية - الأرمنية والمطالبة باستقلال إقليم ناغوري قرباخ ذات الأغلبية الأرمنية عن أذربيجان الطينة بلة، اذ إن فتح ممر عبر أذربيجان إلى أرمينيا سيجعل خطوط النفط التي تمر عبر الممر المفتوح عرضة لتناقضات المصالح الدولية. وهذا ليس في مصلحة تركيا التي ترى نفسها طرفاً في الصراع الدائر من أجل حماية مصالحها المهددة. وفي الوقت نفسه، تدعم تركيا حرباً تتداخل فيها المصالح الأميركية- "الإسرائيلية" قرب حدود حليفتها إيران، وتهدد بذلك استقرار منطقة بحر قزوين، وبالتالي ستتأثر كلّ من إيران وروسيا بشكل مباشر أو غير مباشر، عبر إعادة نشر الإرهابيين قريباً من أراضيهما، وهو أمر يبعث على الشك بموقف تركيا من حلفائها الإقليميين.

وأما القشة التي قصمت ظهر البعير بالنسبة للأميركي فتتعلق بالدور الذي تلعبه تركيا منذ أكثر من شهر في شرق البحر، وعملية التنقيب التي ابتدأتها عن الغاز والنفط. وما أن أعلنت عن اكتشاف احتياطي كبير منه في مناطق التنقيب، حتى بدا وكأنها قد "لامست المحرمات". فكلّ من الولايات المتحدة و"اسرائيل" لا يمكن أن تسمحا لتركيا بالعبث بثروات البحر المتوسط أو التنافس في السوق الأوربي دون التنسيق الكامل مع "اسرائيل"، اذ تحاول الأخيرة الاستئثار به، ومنافسة روسيا فيه، أي إنّ تركيا وجدت نفسها غير قادرة على الاستفادة من تحالفها مع "الناتو"، والانتفاع من عوائد الحروب التي خاضتها معه ومع الولايات المتحدة في أفغانستان والعراق وسوريا وحتى في ليبيا، إضافة إلى تضعضع علاقتها مع الدول المجاورة.

ولكن، هناك معضلتان تتعلقان بخروج تركيا من "الناتو"، الأولى أميركية تتعلق بالقواعد العسكرية ومصانع السلاح الأميركي والإسرائيلي فيها والمعضلة الثانية تتعلق بقوة "الناتو" العسكرية، اذ إن تركيا تمثل القوة العسكرية الثانية فيه. ولكن الأمر عند الأميركي يتعلق بأن الدور التركي بات مستنفداً، اضف إلى ذلك محاولات تفلته من الضوابط المرسومة له. ولذا قد يفرض ذلك العودة نحو إعادة تقسيم الشرق الأوسط الجديد، والذي يحكم المصالح الأميركية والغربية في المنطقة، فتبقى القواعد ولكن يحجم دور تركيا بتقسيمها إلى قسمين، قسم آسيوي إسلامي، وقسم أوروبي يرتبط بالقارة العجوز. فأوروبا بعد تجربة تمرير المهاجرين إلى أراضيها باتت بحاجة إلى ترتيبات تحميها من تجاوزات العثمانيين الجدد.