اذا فاز بايدن ماذا يتغير في السياسة الخارجية؟
سركيس ابوزيد
راقب جو بايدن سياسات ترامب الخارجية، فدخل السباق الرئاسي متوعدًا بإعادة الانضباط والثبات إلى السياسة الخارجية الأميركية، ورسم ملامح عهده اذا فاز على الشكل التالي:
* استعادة ثقة حلفاء الولايات المتحدة وترميم العلاقة بحلف شمالي الأطلسي "الناتو"، وتعهد بمساعدة أي حليف يتعرض للهجوم. كما وعد بعقد "قمة عالمية للديمقراطية" تهدف إلى استعادة الولايات المتحدة زمام قيادة العالم، في حملة جديدة لتعزيز حقوق الإنسان ومكافحة الفساد والاستبداد. وتعهد ايضا بعقد قمة عالمية للمناخ خلال الـ 100 يوم الأولى من توليه الرئاسة، وتقديم تعهدات وطنية أكثر طموحا لحماية البيئة. وسوف يسعى إلى تمديد معاهدة الحد من التسلح الجديدة مع روسيا للحد من الرؤوس الحربية النووية من دون مشاركة الصين، وهو مطلب كانت تقدمت به إدارة ترامب، حيث ستنتهي صلاحية الاتفاق الأصلي في شباط المقبل.
* إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران من خلال التنسيق مع الحلفاء بشرط "تعهد إيران باحترام شروط الاتفاق مجددا". يدرك بايدن أن التوصل إلى صيغة جديدة ومعدلة للاتفاق النووي مع إيران لن يكون سهلا. فعلى رغم تمسكه بالاتفاق النووي، يعتقد بضرورة أن يستكمل بجملة من الترتيبات تتيح قيام ما يشبه المنظومة الإقليمية الضامنة للاستقرار. وأبرز العروض السخية:
- تحويل الاتفاق النووي إلى معاهدة تحظى بموافقة الكونغرس، بما يمنع أي رئيس أميركي في المستقبل من الانسحاب منها كما فعل ترامب.
- انفتاح اقتصادي وتجاري أميركي وغربي على إيران يؤدي إلى نمو شبكة مصالح مشتركة معها.
- التشجيع على حوار إيراني - خليجي بإشرافه، يفضي إلى إزالة أسباب التوتر بين الطرفين وإلى "تطبيع العلاقات بينهما".
- خيار الحرب على إيران لن يكون على الطاولة.
* من المستبعد أن تتغير السياسات الأميركية تجاه الصين. فتوجه بايدن مشابه لتوجه ترامب في هذا الملف، كما أنه توعد بزيادة الضغوط الدولية على الصين عبر إحياء العلاقات مع حلفاء الولايات المتحدة، إضافة إلى فرض عقوبات إضافية عليها بسبب انتهاكات حقوق الإنسان ضد أقلية الأويغور المسلمة هناك. فهو يعتبر أن الأسلوب الأفعل لمواجهة هذا التحدي هو بناء جبهة موحدة مع حلفاء الولايات المتحدة وشركائها للتصدي لسلوك الصين التعسفي وانتهاكاتها لحقوق الإنسان. ما يعني أن الأولوية التي ستحكم سياسة بلاده الخارجية و"أم معاركها" ستكون مع بكين.
* مواجهة بوتين إذا ما تأكدت الأنباء عن تقديم روسيا مكافآت مالية لعناصر من "طالبان" مقابل قتل جنود أميركيين. كما تعهد بعدم لقاء زعيم كوريا الشمالية من دون شروط مسبقة وفرض عقوبات جديدة على نظام بيونغ يانغ.
* الإبقاء على عدد محدود من القوات في العراق لهزيمة تنظيم "داعش"، والإبقاء على وحدة "لمكافحة الإرهاب" في سوريا، وسحب القوات الأميركية من أفغانستان.
* دعم تغيير النظام في تركيا في حال فوزه، معربا عن انفتاحه للحديث مع زعماء المعارضة لهزيمة اردوغان.
* بما يتعلق بحظر السفر عن الدول المسلمة الذي فرضه الرئيس الأميركي، فإن بايدن سيعيد الولايات المتحدة إلى ما كانت عليه كبلد يستقبل من يسعى إلى الدخول إليه لتحقيق الحلم الأميركي، بمن فيهم المهاجرون من العالم العربي.
* ثبات علاقة واشنطن بدول أميركا اللاتينية. وبعدما شنت إدارة ترامب حملة عقوبات اقتصادية ودبلوماسية مكثفة على نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو بأمل دفعه خارج السلطة، وهي السياسة نفسها التي اتبعتها إدارة أوباما لكن بمزيد من التحفظ. إلا أن الإدارتين اختلفتا على ملف كوبا، إذ قرر ترامب إلغاء سياسة الانفتاح على كوبا التي أقرتها إدارة أوباما، وذلك إرضاء لداعميه في فلوريدا، وهو قرار أعلن بايدن أنه سينقضه في حال فوزه.
* في الملف الفلسطيني - "الإسرائيلي" تأييد الاعتراف بالقدس عاصمة للكيان "الإسرائيلي"، والإبقاء على السفارة الأميركية في القدس وإعادة فتح القنصلية الأميركية في القدس الشرقية للتواصل مع الفلسطينيين، والتعهد بالحفاظ على أمن "إسرائيل" وعلى تفوقها العسكري النوعي. كما التعهد باتخاذ خطوات فورية لإعادة المساعدات الاقتصادية والإنسانية للشعب الفلسطيني، والعمل على معالجة الأزمة الإنسانية في غزة، والعمل على إعادة فتح مكاتب السلطة الفلسطينية في واشنطن التي أغلقتها إدارة ترامب. ولكن بايدن، الذي كرر التزامه الصارم بأمن "اسرائيل"، لن يتورط في عملية تفاوضية غير ذات جدوى قد تفضي إلى استعداء "إسرائيل" والمنظومة الداعمة لها في الولايات المتحدة.
* لم تتضح حتى اللحظة مقاربة فريق بايدن للوضع في سوريا. فالعديد من الأعضاء الديمقراطيين في الكونغرس كانوا من أشد المتحمسين لـ"قانون قيصر" الذي يفرض حصارا خانقا عليها، يهدف إلى تسريع انهيار الدولة وتفكيك المجتمع. لكن هناك من يحذر من مغبة اتباع مثل هذه السياسة ومن تبعاتها على استقرار المنطقة.
* خصصت حملة بايدن جزءا للبنان في أجندتها، حيث "تعهد" بالعمل مع المجتمع المدني والمواطنين اللبنانيين "لمساعدتهم على تطوير مستقبل سياسي واقتصادي في بلادهم والعمل على إحقاقه"، وسيحرص على أن يكون مستقبل البلاد "خاليا من الفساد"، وفق ما يقول. كذلك أكد "دعم" إدارته للجيش اللبناني، متماشيا مع سياسة الإدارة الحالية.
في الختام، من يقرأ أجندة الحزب الديمقراطي يعلم أن سياسة بايدن التقليدية ستختلف في حال فوزه بالرئاسة. وتبدو بصمات "اليسار التقدمي" واضحة على الأجندة بطريقة لم تشهدها إدارة أوباما، إذ تمكن "التقدميون" من دفع قيادات الحزب التقليدية باتجاه اعتماد سياسة خارجية تتناسب وحياة الأميركيين اليومية. فمصلحة الأميركيين من الطبقة الوسطى يجب أن تكون المحرك الذي يدفع بسياسات بايدن الخارجية. وقد تعلم الديمقراطيون من أخطائهم السابقة.
من جهة أخرى، قلما تتغير السياسة الخارجية الأميركية بشكل جذري مع تغير الإدارات سواء أكانت ديمقراطية أم جمهورية، إذ إن الحلفاء والخصوم هم أنفسهم، وقد جرت العادة أن يقود الجهود الدبلوماسية الأميركية جسم دبلوماسي غير مسيس يبقى من إدارة إلى أخرى بهدف خدمة المصالح الأميركية. لكن خبرة بايدن قد تساعد "الرئيس الديمقراطي" على تنفيذ التغييرات التي وعد فيها بسرعة أكبر وتصحح ما فعله ترامب.