أميركا وتفتيت العراق
منذ الوهلة الاولى التي احتل فيها الجناة الاميركان العراق بدت تظهر في الافق السياسي العراقي صورة من انهم لايريدون لهذا البلد العيش في أمن واستقرار وان يبقى بلدا قلقا تتقاذفه الامواج المختلفة من الافكار الجهنمية التي تنتجها مصادر القرار في الولايات المتحدة.
وخير دليل الى ماذهبنا اليه هو الصيغة التي قامت عليها العملية السياسية في هذا البلد والتي جاءت على اساس المكونات بحيث وضحت رياح التقسيم التي تعمل واشنطن على تحقيقها ولو على المدى البعيد. وقد بدت الصورة واضحة ومن دون غموض عندما اعلن نائب الرئيس الاميركي بايدين في عام 2004 عن مشروعه المدمر لهذا البلد وهو القائم على تقسيمه الى ثلاث دويلات شيعية وسنية وكردية، اذن فان المسار الاميركي يتجه وبصورة متسارعة بهذا الاتجاه وهو يعمل المستحيل من اجل ذلك دون الاعتناء او الالتفات الى مايريده العراقيون.
ولما كان العراقيون وبكل طوائفهم وتوجهاتهم رفضوا هذا المشروع جملة وتفصيلا وعملوا على افشاله في مهده من خلال رفضهم لهذا المشروع لانهم يدركون جيدا ان الهدف منه هو اضعاف قدرة العراق أمام الدول الاخرى ويضع الشعب العراقي امام صورة مأساوية كبيرة من خلال الصراع الطائفي والعرقي الذي سيتركه هذا التقسيم المشؤوم.
ولكن وللاسف الشديد ان بعض القوى السياسية التي عارضت العملية السياسية برمتها ومنذ الوهلة الاولى الا انهم دخلوا فيها من اجل القضاء عليها من الداخل بما تتيح لهم مساحة من الحركة تمكنهم من تحقيق اهدافهم المشؤومة وبالتنسيق مع المحتل الاميركي ولذلك فانهم وقفوا بوجه الحكومة العراقية عندما ارادت اخراج القوات الاميركية من هذا البلد.
وفي الوقت الذي يواجه العراق اليوم اشرس هجمة منظمة ومدعومة اميركيا واقليميا وداخليا خاصة من الساسة الداعشيون المرتبطين بالنظام السابق والتي دفعت بجميع العراقيين الحريصين على وحدة بلدهم وارضهم ان يوحدوا ويجمعوا قواهم من اجل دحر المجموعات الارهابية واعادتها الى من حيث اتت، خاصة بعد الفتوى التاريخية للمرجعية العليا التي تمكنت من تحشيد الطاقات الشابة ضمن مجاميع الحشد الشعبي التي ساندت الجيش العراقي وسطرت الملاحم البطولية في مواجهة الارهاب بحيث تمكنت ان تحرر المناطق الواحدة تلو الاخرى من ايدي هؤلاء القتلة المجرمين بالاضافة الى اضعاف هذه المجاميع من خلال قتل العديد منهم واسر العدد الاخر مما شكل هذا الامر انتكاسة كبيرة لكل الداعمين للارهاب .
ولما كان دحر الارهاب والارهابيين للعراق سوف يبقي هذا البلد موحدا ارضا وشعبا ويضع أي مشروع لتقسيم العراق في دائرة الفشل، لذلك تداعت اميركا الى دفع عملائها من الساسة الداعشيين الذين سهل بعضهم لهذا التنظيم الارهابي باحتلال بعض المدن كالموصل وغيرها بالالتفاف على هذه الانتصارات بحيث دعت الى عقد مؤتمر في اربيل ضم كل الداعمين للا رهاب والمطلوبين قضائيا للحكومة العراقية لتلطخ ايديهم بدماء الشعب العراقي من اجل تحقيق الهدف الاميركي الانف الذكر وهو تقسيم العراق لان هذا المؤتمر قد ضم مكونا واحدا ادعى المظلومية والتهميش كشعار من اجل الضغط على الحكومة العراقية من جهة والحصول على الدعم الاقليمي محاولة منهم لتغيير الخريطة السياسية القائمة.
ومن الطبيعي ولما يتمتع به العراقيون من وعي كامل لما يخطط له اعداءهم فقد واجه هذا المؤتمر رفضا قاطعا خاصة من العشائر السنية بالذات والتي اعتبرته مظلة للتقسيم تحت عباءة اميركا .
وفي نهاية المطاف لابد من الاشارة الى ان العراقيين لايمكن ان يسمحوا لمثل هذه المشاريع التي تستهدف وحدتهم واستقلال بلدهم ان تمر مرور الكرام بل انهم سيقفون صفا واحدا من اجل افشالها وابقاء بلدهم موحدا ارضا وشعبا ، وكذلك فان المسؤولية الكبرى تقع على عاتق الحكومة العراقية التي ينبغي ان تقف وبصورة قاطعة من اقامة مثل هذه المؤتمرات المشبوهة والتي لاتمثل تطلعات وامال العراقيين. وبنفس الوقت فعلى اميركا ان تغير من سياستها في التعامل مع قضايا العراق وان تتعامل مع الشعب العراقي كشعب واحد لا مع مكونات، لان الراي في النهاية هي لهذا الشعب وهو الوحيد القادر الذي يقرر مصيره بيده ولن يخضع للاملاءات والضغوط مهما اختلفت الوانها واشكالها.