ما كانوا تسلَّقوا سورَ الصين!
حسين شريعتمداري
1 ـ إستعرَّتْ الحربُ الاهلية الاسبانية عام 1936 واستمرت ثلاث سنوات ليحكم الجنرال "فرانسيسكو فرانكو" 36 عاما (1939 ـ 1975)، والذي عرف كدكتاتور دموي. فحين اراد فرانكو مهاجمة مدينة مدريد وانهاء الحكم الجمهوري في اسبانيا، امر احد قادة القوات الزاحفة على مدريد وكانت تتكون من اربعة طوابير، امره ان يكتب رسالة الى الجمهوريين المتحصنين في مدريد، فكتب هذا القائد ويعرف بالجنرال "اميليو مولا" ما نصه: "لقد بدأتُ الزحف على مدريد من جهاتها الاربع، بكامل العدة والعتاد. ولا تظنوا ان قواتي تقتصر على هذه الطوابير الاربعة، بل هناك طابور آخر يستقر داخل المدينة وهو ينتشر بين عناصركم ويعمل لصالحنا! إنهم طابورنا الخامس. فان كنتم لا تهابون الطوابير الاربعة، فمن المستحسن ان تهابوا الطابور الخامس الذي تغلغل في جميع مرافق حياتكم وقد مهد السبيل للطوابير الاربعة كي يقتحموا المدينة"! ومنذ تلك الرسالة تداول المصطلح في ادبيات العلوم السياسية والاجتماعية، لتطلق على الاشخاص او الاحزاب التي تلتحف شعار الملة إلا ان ولاءها للاجنبي، وتحت غطاء القوات الوطنية ينفذون اهداف العدو. وحين وصل جيش "فرانكو" الى مدريد كان الاهالي على استعداد للتسليم، اذ ان الطابور الخامس قد انجز ما عليه بمهارة منذ فترة طويلة، وذلك بالتغلغل داخل المؤسسات الحكومية، لينغصوا الحياة على المواطن بتعميق الهوة بين الحكومة والشعب. فينسبوا كل المشاكل للحكومة فيما هم من يعمل في الخفاء بوضع العصي في دواليب مرافق الدولة. ويرسموا طريق النجاة في الرضوخ لقيادة الجنرال "فرانكو"! وبذلك مهد الطابور الخامس الارضية لحكومة الدكتاتور فرانكو دون اي عناء ليحكم 36 عاما حتى ساعة موته.
2 ـ جاء في مآثر الشعوب الماضية، انه حين ضاقت الارض بالصينيين جراء الغارات المتتالية عليهم، لجأوا لبناء سور الصين العظيم، ظناً منهم ان يصعب على اي عدو تسلق الجدار الشاهق ليدخل المدينة، وكانوا على حق. ولكن بعد قرن من الزمن وبناء ذلك الحصن الحصين تعرضوا لثلاث مرات من اعدائهم لغارات فتمكنت الجيوش الغازية دخول المدينة! فما كانوا ليتسوروا الجدار، فالجدار اعلى من ان يمكن تسلقه وانما لجأ العدو الى شراء ذمم الحراس ودفع الرشى ليتمكنوا من الدخول خلال البوابات و...!
3 ـ وحول المنافقين الذين يلبسون لباس العدو فيما يضمرون العداء للمسلمين، يسجل القرآن هذه الحقيقة:
{ولو نشاء لاريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول...}.
كما وورد عن أمير المؤمنين عليه السلام؛ "ما أضمر أحد شيئاً إلا ظهر في فلتات لسانه وصفحات وجهه..."
ولنلق نظرة الى المطالب الرسمية والعلنية المعلنة من قبل أعداء الاسلام والثورة، وقارنوا بين مطالبهم وما يتداول على ألسن واقلام بعض الاشخاص والتيارات السياسية. إذا التزمنا الاحتياط ولم نقل في جميع الموارد، فمن المؤكد ان نشهد تناسقهم في الغالب باللسان والقلم وأحياناً تضاف الاقدام للسان والقلم، مع اعداء النظام لاسيما اميركا وحلفائها الغربيين والعبريين والعرب.
وفي إطار التفاوض، تسعى اميركا جاهدة لفرض إملاءاتها، فيما يصر التيار المذكور على ضرورة التفاوض مع اميركا! فحين يهاب العدو من صواريخنا البعيدة المدى والدقيقة الاصابة ولا يتجرأ على التصادم، يكرر التيار نفسه سمفونية وما حاجتنا بالصواريخ؟!
وعندما يتم اعتقال احد الجواسيس يتعالى صراخهم المشمئز بانه لم يرتكب اي ذنب! و... ألم يحن الوقت كي نخرج هذه الجرذان من عنابير حنطة النظام؟ وكما قال مولوي:
هلمي يا روح اولاً بطرد الشر
ثم ابذلي الجهد بجمع البُر