التطبيع بين لهاث الحكام ورفض الشعوب في خطاب السيد نصر الله
محمود ريا
يسير قطار التطبيع بين الأنظمة العربية والكيان الصهيوني من محطة إلى محطة، ويجرف معه كل مرة نظاماً جديداً باتجاه ارتكاب الجرم الأعظم، جرم التخلي عن موقف الرفض لوجود الكيان الغاصب أولاً ثم موقف "الحد الأدنى" المتمثل في المطالبة بقيام دولة فلسطينية مستقلة على حدود عام 1967، والانسياق في خط الاستسلام المطلق أمام العدو، ما دفعه إلى الشعور بالانتصار وتسجيل لحظات الانهزام العربية هذه كلحظات تاريخية لا يمكن نسيانها.
ولكن لا بد من الالتفات إلى أن هذا التطبيع هو "تطبيع من فوق" فقط، أي أنه تطبيع بين الأنظمة وكيان العدو، في حيت أن الشعوب ما تزال على موقفها الرافض لقيام علاقة طبيعية مع الكيان الصهيوني، البعض بانتظار قيام الدولة الفلسطينية المستقلة، والأغلب بسبب عدم الاعتراف بشرعية هذا الكيان من أساسه، والإيمان بضرورة زواله وإلغاء وجوده.
ومع وجود بعض الحالات الاستثنائية التي لا بد من الاعتراف بسوئها، فإن التوجه العام عند المواطنين العرب في مختلف الدول هو الوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني ومطالبه المحقة، ورفض إنهاء حالة العداء مع الصهاينة الغاصبين، مهما كانت الإغراءات المحلية والدولية، وكذلك مهما بلغت الضغوطات والتهديدات.
هذه الحقائق أكد عليها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله في كلمته المتلفزة مساء الثلاثاء، شارحاً كيفية التعاطي مع التطبيع في عدة نقاط:
ـ اندفاع قطار التطبيع هو خسارة ومسألة سيئة، ولكنه ليس آخر الدنيا، وما يحصل من خطوات ليس هو الأساس في المعادلة.
ـ الرهان هو على الشعوب التي لم تنخرط في العملية التطبيعية، بل كان لها مواقف مشرّفة في رفض القبول بإملاء السلطات المختلفة في هذا المجال.
ـ الترحيب بمواقف حكومات وقيادات عربية ما زالت تقف سداً منيعاً في وجه السرطان التطبيعي، ما يعني أن الأمل ما يزال كبيراً في إمكانية تعديل الموقف العربي مع تغيّر الظروف.
ـ التركيز على أهمية الموقف الفلسطيني الذي يمثل ميزاناً حاسماً في هذا المجال، فطالما يتمسك الشعب الفلسطيني بحقوقه، سيجد كل الدعم والتأييد من الشعوب العربية التي تقف معه في معركته ضد الصهاينة الغاصبين.
ـ التأكيد على أن الحكام المطبّعين خسروا بمواقفهم الانهزامية خسارتين أساسيتين:
* خسارة أخروية أكيدة ومحققة، كونهم تنازلوا عن حقوق الأمة وعن كرامتها وشرفها على مذبح المصالح الخاصة.
* خسارة في الدنيا، لأن حساباتهم الدنيوية لن تنطبق على الواقع وسيجدون أن ما يطمعون بتحقيقه على مستوى الدنيا سيكون حسرات عليهم، وسيفقدون كل المكاسب التي كانوا يأملون بها.
لقد حاول الإعلام الغربي، ومعه الإعلام العربي المتصهين، تصوير الخطوات التي قامت بها ـ وقد تقوم بها قريباً ـ بعض الأنظمة العربية في مجال التطبيع والتسليم للصهاينة وكأنه نهاية للقضية الفلسطينية، وانهزام كامل للعرب في مواجهة عدوّهم الصهيوني. ولكن الوقائع تقول غير ذلك، ومواقف الشعوب تعطي الكثير من الأمل بأن ما يحصل هو مجرد حركة في القشور، فيما اللب ما زال على ثباته وموقفه الحاسم والواضح في رفض التعامل مع العدو الصهيوني. وقد جاءت كلمات السيد نصر الله لتؤكد على هذا الأمر، ولتبعث الأمل في نفوس الناس العاديين، الذين تعمل الآلة الدعائية الغربية جاهدة لبث اليأس في نفوسهم ودفعهم إلى الاعتقاد بلاجدوائية المقاومة وبوجوب الاستسلام.
ليس الأمر أبداً على هذه الحال، فالأمة حيّة وتنبض بالعزة والكرامة وبالرفض للأعداء وللمطبّعين معهم، ومهما حاول بعض الحكّام تزييف إرادة الأمة لن يستطيعوا، لأنهم طارئون ومؤقتون، والأمة هي الباقية، ومعها فلسطين، كل فلسطين.