حرب النفط “المضادة”
معن بشّور
في معرض تعليقه على سلوك بعض السياسيين اللبنانيين الذين احترفوا "النكاية” في علاقاتهم مع بعضهم بعضاً، يروي الرئيس الدكتور سليم الحص – أطال الله عمره- الطرفة التالية.
اثنان حكم عليهما بالإعدام شنقاً، فحين سأل المنفذون الأول وهو على حبل المشنقة ماذا تريد قبل الإعدام أجاب: أريد رؤية أمي، ولما سألوا المحكوم الثاني، وكان قريباً منه: وأنت ماذا تريد؟، أجاب على الفور: أريد منعه من رؤية أمه.
ويبدو أن عقلية النكاية لم تعد محصورة في بعض سياسيي لبنان، بل باتت تتحكم بالعديد من ساسة المنطقة والعالم وآخر مظاهرها "حرب النفط الجديدة” التي تقودها واشنطن وحلفاؤها ضد روسيا وإيران وفنزويلا من دون الأخذ في الاعتبار تداعياتها السلبية على الاقتصاد الأميركي نفسه، وبالتأكيد على اقتصاد دول الخليج الفارسي النفطية والتي تشكل واردات النفط الجزء الأعظم من وارداتها ومن نفقاتها في آن.
ونبدأ بدول الخليج الفارسي ذاتها،التي بدأت تخفض موازناتها بسرعة تتناسب مع تخفيض سعر النفط نفسه، على رغم أن هذا الانخفاض الكبير ما كان ليتم لولا رفضها تخفيض الإنتاج، بناء لطلب واشنطن، وهو ما يذكرنا بموقف هذه الدول عشية غزو الكويت في مطلع تسعينات القرن الماضي، حين بادرت بعضها إلى زيادة إنتاجها النفطي بما يؤدي إلى انخفاض أسعاره، وبالتالي انخفاض موارد العراق المالية في لحظة كان هو بأشد الحاجة إليها، فكان ما كان من تداعيات ما زلنا ندفع ثمنها حتى الآن.
أما الإدارة الأميركية فلقد بدأت هي الأخرى تعاني من تداعيات انخفاض سعر النفط إذ بدأت هي الأخرى تشرب من الكأس المر الذي أرادت لموسكو وطهران وكراكاس أن تشرب منه.
فلقد امتلأت مواقع التواصل الاجتماعي الأميركية، وهي باتت تمثل "الإعلام البديل” المتعاظم تأثيره في الولايات المتحدة، بالعديد من المقالات والدراسات التي تحذر من عواقب هذا الانخفاض المريع في أسعار النفط، كما بدأت مراكز أبحاث مستقلة، وحتى قريبة من الإدارة، تنحو المنحى ذاته، مشيرة إلى الآثار السلبية لهذا الانخفاض على عدة قطاعات اقتصادية ومالية أميركية لا سيّما قطاع إنتاج النفط الصخري hale Oil وإنتاج النفط الرملي Sand Oil اللذان ما كان لهما أن يزدهرا لولا الارتفاع الكبير في أسعار النفط العالمي الذي سمح بهذا النوع من الإنتاج النفطي ذي الكلفة العالية التي تتراوح قيمته بين 80 إلى 90 دولاراً للبرميل الواحد، بحسب المناطق وظروف الإنتاج.
ولعل من أهم المقالات التي كتبت في هذا المجال ما كتبه أدوار هاريسون في "مجلة السياسة الخارجية” الواسعة التأثير وتحت عنوان "الجانب الآخر لانخفاض أسعار النفط”.
فلقد أشار هاريسون إلى الآثار السلبية لهذا الانخفاض ليس على صناعة – النفط البديل – في أميركا فقط، وإنما أيضاً على مجمل الدورة الاقتصادية والمالية الأميركية التي شهدت انتعاشاً جزئياً في الآونة الأخيرة لا سيّما أن انتكاسة صناعة النفط البديل، الصخري والرملي، سينعكس سلباً على حجم العمالة، كما على سعر الفائدة نفسه مما يهدد بدورة جديدة من الارتباك الاقتصادي والمالي يعكس نفسه على سوق الأسهم الأميركية، بكل متفرعاتها، لا سيّما أن قطاع النفط كان ينظر إليه كالقطاع الأكثر استقراراً في البورصة الأميركية، بل إن الأسهم والسندات المتصلة بهذا القطاع باتت تشكل حوالى 16 في المئة من أصل مجمل قيمة السندات المتداولة في سوق الأسهم والتي تبلغ حوالي 103 تريليونات دولار، أي أن نسبة – الأسهم النفطية – قد ارتعت حوالي 4 في المئة عما كانت عليه في العقد السابق.
من هنا يقترح هاريسون أن يتم تجميد سعر برميل النفط ما بين 75-80 دولاراً أميركياً كي لا تؤدي الأسعار الإضافية إلى انهيار في صناعة النفط تتجاوز إيجابيات الارتفاع في هذه الأسعار.
صديقنا الخبير في الشؤون الاقتصادية كما في الشؤون الأميركية، الدكتور زياد حافظ يعتقد أن لهذا الارتفاع في أسعار النفط أسبابه الاقتصادية أيضاً المتصلة بانخفاض حجم الطلب العالمي، لا سيّما مع انخفاض حجم النمو في الاقتصاد الصيني الضخم من 11 في المئة إلى 7 في المئة، لكنه يعتقد أن انخفاض أسعار السلع المرتبط بانخفاض أسعار النفط سيؤدي إلى زيادة الطلب العالمي مما ينعش الإنتاج العالمي ويجدد الحاجة إلى مستوى أعلى من الإنتاج النفطي، لكن الحافظ لا يقلل من العامل السياسي وراء هذا الانخفاض الذي تريد من وراءه الإدارة الأميركية، والدائرون في فلكها، الضغط على روسيا التي تتقدم في المشهد الدولي، وإيران في المشهد الإقليمي، وفنزويلا في – الحديقة الخلفية – للولايات المتحدة الأميركية.
لكن المفارقة الأخرى التي تتجلى في "حرب النفط المضادة” هذه أن تنفيذها يتم على أيدي دول وحكومات كانت إلى وقت قريب ترفض استخدام "سلاح النفط” كأحد الأسلحة الأهم في صراعنا مع العدو الصهيوني وداعميه.
وكلنا يذكر تصريحات لمسؤولين عرب في هذا المجال.
أما المفارقة الثالثة فهي أن بعض الدول الغربية والعربية التي تتحمس اليوم لاستخدام العقوبات الاقتصادية لأغراض سياسية، والتي تهلل اليوم لانخفاض أسعار النفط كسلاح في مواجهتها لدول خارجة عن هيمنتها هي الجهات ذاتها التي شنت، على مدى عقود، حملات على المقاطعة الاقتصادية للكيان الغاصب، وأدت عملياً إلى تجميد المكتب الدائم لمقاطعة العدو، بذريعة أنه لا يجوز استخدام الاقتصاد لأغراض سياسية فيما هي لا تتورع عن استخدام كل شيء، بما فيه الرياضة والسينما وغيرهما، لأغراض سياسية.