لماذا الان بالذات؟!
بمجرد ان يسمع المرء وفي اية بقعة من العالم بوكالة المخابرات المركزية الاميركية يرتعش وتتمثل امامه صورة وحش كاسر جهنم لاتطاق لما تدور في زنزاناتها الموحشة والمظلمة من اساليب تعذيب وقمع وفضائح قد لا تخطر على بال بني بشر واقلها هو ماظهر في سجن ابو غريب في العراق وغوانتينامو وما اشير اليه من جرائم في سجون اوروبا السرية التي تديرها هذه الوكالة الجهنمية واطلع عليها العالم جميعا، اذن فنشر مثل هذا التقرير لايقدم ولا يؤخر لكنه يبقى سندا ووثيقة دامغة في التاريخ تدين الولايات المتحدة الاميركية رسميا.
ومسرحية الكونغرس الاميركي بشقه الديمقراطي المتواطئ مع البيت الابيض في نشر هذا التقرير وفي هذا الوقت بالذات، لم تنطل على احد بانها جاءت بدوافع انسانية او قانونية او صحوة ضمير، بل هي في الواقع كان وراءها دوافع سياسية وانتخابية حتى وان اضرت بسمعة الولايات المتحدة الاميركية فان ذلك تعتبره امرا عاديا وترتكبه جميع دول العالم.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويؤكد ان هذا الموضوع مسيس من اساسه هو لماذا تأخرت لجنة الكونغرس نشر هذا التقرير من 499 صفحة والذي كلف ميزانية الدولة اربعين مليون دولار طيلة الاربع سنوات الماضية وفي كل مرة تتحجج بعدم نشره لاسباب غير واضحة واليوم اقدمت على ذلك خاصة بعد خسارة الحزب الديمقراطي للانتخابات التشريعية وفيما الانتخابات الرئاسية قد لا تفصلنا عنها الكثير، لذلك ارادت اللجنة تسويد وتشويه وجه الحزب الجمهوري حقبة رئاسة بوش الابن الذي وقعت فيها هذه الانتهاكات الفظيعة التي يندى لها جبين البشر بدءا من الاعتداءات الجنسية وانتهاءا بتقنية "الاغراق" وربما امور اخرى قد تجاوزها التقرير لانها لم تبق شيئا لبلد يسمى مهد "الديمقراطية والحضارة"!!
والامر الاخر والمصيري الذي دفع بالادارة الاميركية لنشر هذا التقرير هو التغطية على ما تشهده اميركا من حراك شعبي ضد السياسة العنصرية المتبعة والتي اساءت هي الاخرى لسمعة هذا البلد بغية حرف الانظار عن ما يجري في شوارع اميركا وتداعياتها القادمة.
ومن الامور اللافتة في هذا التقرير المسيس كما قلنا هو عدم الاشارة الى أي مسؤول اميركي او شخصية بالاسم ذات صلة بهذه الجرائم والانتهاكات المريعة التي وقعت في زنزانات وكالة المخابرات المركزية الاميركية بل اكتفى بسرد العموميات بوقوع مثل هذه الجرائم متناسية انه من غير المعقول ان يتجرأ ضباط ومنتسبو هذه الوكالة للاقدام على اقتراف مثل هذه العمليات الوحشية دون اوامر من الكبار؟!
وهنا يطرح السؤال نفسه وعلى الادارة الاميركية الحالية الاجابة عليه من هم المسؤولون الذين اصدروا الاوامر بارتكاب أفظع الجرائم والانتهاكات ضد المعتقلين وملاحقتهم قانونيا؟!
لان وقوع هذه الفظائع والجرائم وبهذا الشكل الواسع والمريع من غير الممكن ان يحدث دون تنسيق عال ومباشر من ادارة بوش الابن. لذلك فادارة الرئيس اوباما التي كانت وراء نشر هذا التقرير قد احرجت نفسها ايضا ووضعتها تحت طائلة التساؤل داخليا وخارجيا في ملاحقة المسؤولين الاميركيين عن الجرائم التي ارتكبت وتسليمهم للعدالة لطمأنة الداخل الاميركي بعدم تكراره واما على الصعيد الخارجي فان الولايات المتحدة الاميركية ملزمة باحالة المتهمين الى العدالة وفقا للقانون الدولي.
ومع، هذا سيبقى التساؤل المطروح يلاحق الادارة الحالية هل انها ستقدم على تلبية طلبات الداخل والخارج في احترام نظام العدالة وتعويض حقوق المتضررين، ام تتركه للتسويف مع مرور الزمن، لكن ما نعرفه عن السياسة الاميركية وروحها الاستكبارية وممارساتها على ارض الواقع فان الاحتمال الثاني هو الارجح!!