الكاظمي قد تطيح به واشنطن
ماجد الشويلي
قد يظن البعض أن أميركا تبحث عن حلفاء لها في منطقتنا لتعزز من فرض هيمنتها أكثر فأكثر إلا أن الحقيقة غير ذلك تماما فأميركا لاتفهم معنى للشريك أو الحليف ذاك لأنها لو أقرَّت لجهة ما بالشراكة أو الحلف وجب عليها حينئذ أن تراعي مصالحه وبما أنها ليست مستعدة لدفع فاتورة الوفاء لأحد ايًّا كان ومهما كانت تلك الفاتورة زهيدة باستثناء (إسرائيل)
فان علينا أن نفهم بان أميركا لاتريد من العراق أن يكون حليفًا لها وإنما عدوًا لإيران
نعم هذا هو غاية ماتريده أميركا من العراق.
أما السعودية فهي ليست أقل شر وخبثًا من أميركا لأنها تبحث عن (قادسية جديدة) تخلصها من العراق وإيران معًا
وهي عين الرؤية التي ينتهجها صناع القرار الأميركي من الشهود يهوى حين عبر هنري كيسنجر عن الحرب التي فرضها المجرم صدام على الجمهورية الإسلامية بأنها "الحرب الوحيدة التي يجب ان يكون فيها الطرفان خاسرين"
فكم من زيارةٍ قام بها رؤساء الوزراء ممن تعاقبوا على حكم البلاد اندفعوا فيها بكل ثقلهم لاسترضاء المملكة السعودية إلا أنها ذهبت أدراج الرياح بدءًا بزيارة المالكي 2007/7/3 ومرورًا بزيارة العبادي 2017/7/20 التي اختارها كأولى محطات جولته مدفوعًا برغباتٍ عدة تتقدمها الملفات الشائكة بين البلدين وفي مقدمتها قضية الإرهابيين الذين ترسلهم المملكة لتنفيذ العمليات الإرهابية في العراق
انتهاءً بالزيارة الأبرز للسيد عادل عبد المهدي في 2019/9/25
و التي اصطحب فيها أحد عشر وزيرًا من أعضاء كابينته، ونحو 60 مسؤولًا رفيعا في مختلفِ المجالات، فضلا عن وفد كبير جدًا من رجالِ الأعمال، قارب عدد أعضائه الـ80.
وقد توجت هذه الزيارة فيما بعد بسلسلة من الزيارات المتبادلة بين مسؤولي البلدين، جرى خلالها وضع خارطة طريق لتوقيع أكثر من 20 اتفاقية تعاون ومذكرة تفاهم في تسعة مجالات، تغطي جانبًا واسعًا من اهتمامات البلدين.
إلا أن كل ذلك لم يكن ليرضي غرور السعوديين فيكفوا عن تدخلاتهم ومحاولاتهم المريضة لتقويض مسار العملية السياسية في العراق !
ولذا فإنني أجد أن السيد الكاظمي ليس بوسعه إلا أن يترسم خطى من كان قبله من رؤساء الوزراء بخصوص محاولاته لحفظ التوازن في العلاقات مابين واشنطن والرياض من جهة وطهران من جهة أُخرى .
وهو اقصى مايمكن له فعله رغم عدم امكان المساواة بينهما وجدانًا فشتان بين ما قدمته الجمهورية الاسلامية للعراق ومافعلته أميركا والسعودية ومحورهما فيه
انطلاقا من الاحتلال الأميركي وصناعة داعش الى الارهاب الذي سوقته وغذته السعودية فحصد مئات الآلاف من أرواح الأبرياء .
ولذلك فان أغلب الظن بأن إرجاء زيارة الكاظمي للسعودية بحجة مرض الملك سلمان هو مجرد عذر واهن بعد أن أدركت المملكة أن الكاظمي ليس بمقدوره أن يكون مخلبها ليفقأ عين إيران في العراق
ولها دليلها على ذلك حين اخفق باستهداف الحشد وأثبت عجزه عن مجابهته وهو مؤشر واضح وجلي على عدم قدرة الرجل على تحقيق مبدأ حصر السلاح بيد الدولة
وكأنها أرادت أن تقول له (أي السعودية)
أنا لايهمني أن ينعم العراق بالكهرباء أو لا مايهمني هو أن لايكون لإيران موطئ قدم ولا أي دور في مساعدة العراق ولذلك؛
وجدنا أن المملكة قد صرحت بأن ربط العراق بمنظومة الكهرباء الخليجية بحاجة إلى خمسة أعوام وهو اسلوب لوضع حكومة الكاظمي تحت الاختبار ورهن مساعدتهم له وللعراق بمدى قدرته على إنهاء النفوذ الإيراني في العراق والاجهاز عليه بالمرة .
وهذا عين منطق الولايات المتحدة التي أخذت تتربص بالكاظمي ما أن يخفق حتى تأذن بتأليب الأوضاع عليه وتحرك التيار الجوكري مرة أُخرى لإرباك الوضع من جديد، ولكن هذه المرة بمنى أشد خطورة
قد يصل للتدخل العسكري الأميركي المباشر وإجبار مجلس الأمن للإذعان للأمر الواقع .
إيران من جهتها أثبتت وعلى لسان كبار المسؤولين فيها وعلى رأسهم الامام الخامنئي أنها مع عراق قوي مقتدر لايضرها أن تكون له علاقة مع أميركا شريطة أن يكون يقظًا لها.
لكنها في ذات الوقت أرادت للعراق أن يلتفت إلى مصالحه القومية الحقيقية فخارطة التحولات الاقتصادية والسياسية الكبرى في المنطقة والعالم باتت تتبلور شيئا فشيئا والعراق يقع في قلب هذا التحول
إذ بامكانه أن يكون همزة الوصل في طريق الحرير وصولا لاوربا عبر المتوسط،
فبعد ميثاق التعاون الايراني الصيني وتجديد عقد التعاون الإيراني الروسي لعشرين سنة جديدة وإبداء الهند لرغبتها في الالتحاق بهذا المشروع عبر تأهيل ميناء جابهار ازدادت أهمية التحاق العراق بهذا المشروع وبرزت الأهمية الكبرى لضرورة تفعيل الاتفاقية الصينية العراقية التي أبرمها السيد عادل عبد المهدي
وعلى السيد الكاظمي أن يختار بين الأمرين
بين أن يذهب مع مصلحة العراق وأمنه القومي ويقوم بتشبيك العلاقة شرقًا من دون أن يكون مضطرًا للتفريط بعلاقته مع أميركا والمملكة السعودية ولا أظن أن أحدًا يطلب منه ذلك
وبين أن ينصاع لاملاءات وضغوطات الولايات المتحدة والسعودية وهما لايرضيان له إلا أن يكون عدوًا لإيران بل عدو لمصلحة شعبه وبلده.
هذا ماستقرره زيارة الكاظمي المرتقبة لواشنطن.
نأمل أن لاتكون الأحداث القادمة أسخن من أيام صيفنا اللاهب!