عصر هيمنة الدولار يلفظ أنفاسه الأخيرة
في مقال كتبه "ستيفن روتش" في موقع "بلومبرج"، بعنوان "سقوط الدولار قادم"، نقرأ حقائق تجعل القارئ يفكّر في مستقبل العملة الأميركية التي تستخدمها أميركا كأداة ضغط على الدول التي لا تقبل الرضوخ لسياساتها ومشاريعها.
جاء في هذا المقال: إن الدولار الأميركي في مشكلة، اليوم يشكّ العالم بشكل جدّي في فرضية اعتبار أميركا استثناء، والتي كانت مقبولةً على نطاق واسع من قبل، إحدى الحقائق التي يجب التفكير فيها، هي أن العالم يشهد معايير واشنطن المزدوجة في مجالات الجغرافيا السياسية والاقتصاد والتجارة الحرة.
يقول "روتش" إن حقبة الدولار الأميركي "كامتياز كبير للغاية" قد انتهت، مضيفاً: إنّ عصر الدولار الأميركي بوصفه أحد احتياطيات العملات الأجنبية الرائدة في العالم سينتهي، وزير المالية الفرنسي "فاليري جيسكار ديستان" ابتكر مصطلح "هيمنة الدولار" في الستينيات بدافع اليأس، وأعرب عن أسفه لأن أميركا كانت تستغل بحرية بقية العالم لدعم مستوى حياتها المريحة والمرفّهة، والعالم يشكو من ذلك منذ 60 عاماً، ولكن لم يحرك ساكناً، ولكن تلك الأيام قد ولّت.
ويتابع المقال: لم تفشل أميركا الاقتصاد فقط من خلال إنفاق مبالغ ضخمة من المال لن يتم تسديدها أبدًا، ولكنها دعمت أيضًا البرامج الحكومية، وحزم إنقاذ الشركات، واللوائح الحكومية التي كانت من بين الأكثر تكلفةً على دافعي الضرائب حتى الآن، وموَّلت المجمّعات الصناعية العسكرية.
كما زاد ترامب الميزانية العسكرية لإعادة بناء القوات المسلحة ومواصلة الحرب في أفغانستان وسوريا والعراق، وربما بدء حروب جديدة مع إيران وربما فنزويلا، وتحرص واشنطن على إنفاق تريليونات الدولارات لزرع بذور الدمار والفوضى، وإرسال النفط والهيروين إلى شواطئ أميركا.
لقد استخدمت أميركا الدولار الأميركي كوسيلة ضغط ضد أعدائها، بدءاً من منطقة البحر الكاريبي ووصولاً إلى آسيا والمحيط الهادئ لمجرد أنهم لا يطيعون "العم سام". كما فرضت أميركا حظراً على كوبا، وفرضت عقوبات اقتصادية على دول مختلفة لعقود.
سقوط الدولار ليس بعيد المنال
وأردف المقال قائلاً: أميركا اليوم على وشك مواجهة واقع جديد: الدولار، سلاحها المفضل، على حافة الانهيار، متى يحدث هذا؟ لا نعلم. ليس لدينا كرة زجاجية لننظر إليها ونتوقع بالضبط متى سينهار الدولار، ولكن من المؤكّد أن هذا سيحدث.
لقد تأثّرت مستويات المعيشة الأميركية بالفعل بانتشار مرض "كوفيد 19"، وسيواجهون مشكلات أكثر من أي وقت مضى، في الوقت نفسه، يشكّك العالم الآن بشكل جدّي في فرضية كون أميركا استثناءً، والتي كانت مقبولةً على نطاق واسع ذات مرة، عادةً ما تحقق الوحدات النقدية توازناً بين عاملي "القواعد الاقتصادية الداخلية والانطباعات الخارجية من نقاط القوة والضعف في البلاد"، وهذا التوازن يتغيّر، وسقوط الدولار ليس بعيد المنال.
لن يشتري أيّ شخص عاقل الدولار الأميركي
ونقرأ في مقال بعنوان "لماذا لا يرى جيم روجرز الدولار الأميركي كمأوى آمن"، نشر في عام 2019 على موقع "ماركت ووتش": يقول جيم روجرز رئيس شركة روجرز القابضة، إن الوضع الأساسي للدولار "مرعب"، لكنه يقبل ذلك ويستعد لتلفظ هذه الوحدة النقدية أنفاسها الأخيرة.
وفي مقابلة مع "ريل ويجن"، قال روجرز:
"يعتقد الناس أن الدولار الأميركي هو ملاذ آمن، لكنه ليس كذلك. إن أساسه رهيب. لا يوجد شخص عاقل يشتري الدولار الأميركي، لكن لدي الكثير منه ... لأنني فقدت عقلي. أعتقد أن بقية العالم فقدوا عقولهم ويشترون الدولار."
وتوقع جيم روجرز أن الدولار الأميركي لن يكون أكثر من فقاعة خلال العامين المقبلين، قائلاً: "أنا لست بارعاً جدًا في توقيت السوق، ولكن أتوقع أن يحدث ذلك خلال الاضطراب القادم، والذي سيحدث في غضون عامين أو ثلاثة أعوام".
ستنفجر فقاعة الدولار قريباً
يعتقد الكاتب أن روجرز والعديد من الآخرين كانوا على حق، لأن الخوف من كوفيد 19 إلى جانب الاحتجاجات على اغتيال جورج فلويد والاضطراب الاقتصادي، سيؤدي إلى انفجار فقاعة الدولار.
كذلك أشار ستيفن روتش إلى العجز الكبير في الميزانية أيضاً، وقال:
"لقد استفادت الولايات المتحدة، التي تفتقر إلى الاحتياطيات المحلية وتريد الاستثمار والنمو، استفادةً كاملةً من دور الدولار كأول احتياطي للنقد الأجنبي في العالم، واعتمدت بشكل كبير على المدخرات الفائضة في الخارج لإنجاز أمورها.
ولكن هذا الأمر مكلف. لقد عانت الولايات المتحدة من العجز في حسابها الجاري كل عام منذ 1982، من أجل جذب رؤوس الأموال الأجنبية. ويعتبر الحساب الجاري هو المقياس الأكثر شمولاً لقياس التجارة، لأنه ينطوي على الاستثمار.
ويضيف روتش: مرض كوفيد 19 والأزمة الاقتصادية الناتجة منه، يزيدان من التوتر بين حساب التوفير والحساب الجاري، مما يؤدي إلى انهياره. والقصور في ذلك يظهر في العجز المذهل في ميزانية الدولة. وبحسب مكتب الموازنة بالكونغرس والذي له طابع عابر للحزبية، من المرجح أن يصل عجز الموازنة الفيدرالية إلى رقم قياسي هو 17.9 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي بحلول عام 2020، ومن المتوقع أن ينخفض إلى 9.8 في المائة بحلول عام 2021".
ليس لدى الدولار الأميركي أي غطاء قيم
وجاء في جزء آخر من المقال: يكتب روتش في مجلة نشطة في مجال الأخبار المالية معادية لترامب، وربما لإعجاب رب عمله، يلوم ترامب على الانكماش الاقتصادي(لكي نكون منصفين، يجب إلقاء اللوم على ترامب جزئيًا).
ولكن بدأ هذا التباطؤ الاقتصادي في وقت قررت فيه حكومة الولايات المتحدة عام 1933 التخلي عن معيار الذهب، وفي عام 1971 أنهت معيار ذهب رسميًا. ليس للدولار الأميركي أي غطاء قيم، وغطاؤه ببساطة مسألة فرض العقوبات أو الحظر أو التهديدات العسكرية ضد دول مستقلة، تريد الانتقال إلى عملات بديلة لتحرير نفسها من الهيمنة الأميركية.
ويتابع المقال: لنأخذ إدارة ترامب مثالاً. إن السياسات التجارية الداعمة، الانسحاب من أركان العولمة مثل معاهدة باريس للمناخ، الشراكة عبر المحيط الهادئ، منظمة الصحة العالمية، والتحالفات الأطلسية التقليدية، وسوء الإدارة الفاضح في الاستجابة لـ كوفيد 19، إلى جانب الاضطرابات الاجتماعية المؤلمة التي لم يسبق لها مثيل منذ أواخر الستينيات، كلها تمثل بوضوح انخفاضاً حاداً في دور القيادة العالمية للولايات المتحدة.
تتطلع العديد من الدول إلى ضرب كعب أخيل واشنطن
يعتقد موقع "غلوبال ريسيرش" الأميركي: لقد نسي روتش أن يشير إلى أن "تراجع" دور القيادة العالمية للولايات المتحدة لم يبدأ بعد قرار ترامب الانسحاب من الشراكة عبر المحيط الهادئ ومنظمة الصحة العالمية. إنها في الواقع الحروب العدوانية، وتنظيم الانقلابات، والحظر، والعقوبات الاقتصادية، والسياسات التجارية غير العادلة، والتدخل في الانتخابات الأجنبية، واغتيال القادة الأجانب، هي التي أدت إلى "تراجع" قوة واشنطن، وليس انسحاب ترامب من المنظمات المؤيدة للعولمة.
واليوم تتطلع العديد من الدول حول العالم إلى ضرب كعب أخيل واشنطن. وكعب أخيل هذا هو الدولار الأميركي. ويدعي روتش أن انهيار الدولار الأميركي سيؤدي إلى التضخم، ويليه انتعاش اقتصادي ضعيف وركود تضخمي.
ويضيف الموقع: سيكون للانهيار الوشيك للدولار ثلاث نتائج رئيسية: سيكون مولداً للتضخم - على المدى القصير يمنع الانكماش النقدي، ولكن إلى جانب احتمالات التعافي الاقتصادي الضعيف في حقبة ما بعد كوفيد 19، سوف يزيد المخاوف بشأن ركود تضخمي- كما أن الجمع بين ضعف النمو الاقتصادي وارتفاع التضخم، من شأنه أن يدمر الأسواق المالية.
توصية للشعب الأميركي: الأسلحة، الذهب، خطة الهروب
وفي نهاية مقاله، يحذر المؤلف الشعب الأميركي، وينصحه قائلاً: لقد تخلت العديد من الدول، بما في ذلك الصين وروسيا وإيران، عن الدولار في تعاملاتها، وستتبعها دول أخرى. كم أن هيمنة الدولار الأميركي على وشك الانتهاء والعالم يتحرك بسرعة في اتجاه مختلف.
ويتابع المؤلف: يخطر على بالي دائمًا كلام من "جيرالد سالنت" مؤسس معهد "ترندز" للأبحاث ومجلة ترندز، حذر فيه لسنوات عديدة الشعب الأميركي من الاستعداد لمواجهة ما سيحدث لهم مستقبلاً. وفي هذا الصدد، أوصى الشعب الأميركي بثلاثة أشياء: "الأسلحة، الذهب، خطة الهروب". ونصيحتي هي اختيار الفضة إذا لم يكن لديكم إمكانية الوصول إلى الذهب. ويختم بالقول: قوموا بتخزين الأغذية والماء واحصلوا علي الأسلحة لحماية أنفسكم وعائلاتكم. فكروا فيما وراء الأطر ووسعوا عقولكم. فكروا في أنفسكم وعائلاتكم وكونوا مع أولئك الذين يخططون للبقاء. افعلوا شيئًا واعتنوا بأنفسكم، لأنه عاجلاً أم آجلاً سوف ينهار الاقتصاد الأميركي. وهذا أمر لا مفر منه. وبالإضافة إلى ذلك، فإن وسائل الإعلام الرئيسية تدق ناقوس الخطر الآن، وهذا مدعاة للقلق. لا يزال لديكم الوقت للتحضير والاستعداد. ابدأوا حالاً.
الوقت