kayhan.ir

رمز الخبر: 115157
تأريخ النشر : 2020July05 - 19:48

العالم يتغيّر، الولايات المتحدة تلملم خيباتها، والصين تملأ الفراغ، ولبنان الجديد قادم

د.طارق عبود

الولايات المتحدة اليوم هي كالرجل الشرير الحاقد والعصبي، يخسر منزله على طاولة القمار، وفي اللحظات الأخيرة قبل خروجه أراد أن يحطّم كل ما يصادفه من أثاث وتحف، وحتى أطفال قد يصادفهم.ولكن في النهاية يحمل حقيبته ويخرج غير ملتفتٍ إلى الوراء، مسدلًا الستار على مرحلة أصبحت من الماضي. قد يفعل ترامب ذلك أيضًا عند خروجه من البيت الأبيض.

الكل متفق على أننا نعيش الظرف الأخطر والأقسى في تاريخ لبنان.

الأميركيون يضغطون بكل ما أوتوا من قوة على لبنان وإيران وسوريا، لتحصيل المكتسبات في لحظة مفصلية دولية، يتجه فيها النظام الدولي إلى تموضعات جديدة، تفقد فيه الولايات المتحدة مركز الصدارة منفردة، ويتبلور نظام جديد تحكمه التوازنات الدقيقة. وهذا ما عمل على تسريع وتيرته بشكل غير متوقع فايروس كوفيد 19.

حلفاء الولايات المتحدة في المنطقة يعانون الأمرّين، واستمرار أنظمتهم مهدّد بشكل فعلي.

-هل يريد الأميركيون حربًا؟

لا يريد الأميركيون حرباً جديدة لا في الشرق الأوسط ولا فيه غيره، لأنّ المحصّلة الأميركية السياسية من حروب الشرق الأوسط، (أفغانستان، العراق، اليمن، سوريا ، لبنان)، تكاد تساوي صفراً، إلا من حيث الارتفاع في عدد الضحايا من أهل المنطقة، وعدد القتلى من الأميركيين، والفاتورة الاقتصادية الهائلة التي دفعوها في العراق وأفغانستان.

بدأت القوى الآسيوية الصاعدة بتعبئة الفراغ الذي سيتركه الأميركيون عنوةً، فسوريا لم تسقط، رغم كل ما بذل الأميركيون وحلفاؤهم من جهد خرافي لإسقاطها. تقدّم الروس، وحوّلوا التهديد إلى فرصة، ليشكّلوا قوة دولية لا يستطيع الغرب زحزحتها من سوريا، وحجزت لها مكانًا في النظام الدولي الجديد.

كان اليمن حديقة خلفية للسعودية، وكان مبتلى بالحرب الداخلية، وكان الحوثيون يشكلون مجموعات من الثوار إمكانياتهم قليلة، واليوم أصبحوا قوة معتبرة تسيطر على أحد أهم الممرات المائية في العالم. وتستطيع تهديد الاقتصاد العالمي مثلما فعلت في أيلول الماضي.

العراق في الحد الأدنى يتقاسم فيه الأميركيون والإيرانيون النفوذ.والحشد الشعبي أصبح ورقة مهمة في الحياة السياسية فيه.

وفي أفغانستان لإيران كلمة مسموعة بقوة اليوم، من دون الدخول في التفاصيل.

لبنان بعد حرب تموز أصبحت فيه المقاوم قوة فعلية تهدّد إسرائيل وجيشها وبنيتها التحتية ومطاراتها وطائراتها، وحتى يهددون مستوطناتها بالاحتلال.

أما إيران، ورغم الحصار القاسي عليها، فهي أصبحت تشكّل قوة إقليمية وازنة، تتحدى الأميركيين في الخليج الفارسي وصولًا الى فنزويلا، ودخلت في نادي الدول النووية، إضافة إلى إطلاقها قمرًا صناعيًا عسكريًا الى الفضاء..

-ماذا عن لبنان؟

لقد حاول الأميركيون وفي كل الوسائل إخضاع لبنان، عبر نزع قوته المتمثّلة في المقاومة. بدءًا من القرار 1559 مرورًا بالحرب العسكرية الطاحنة في 2006، ومن ثم بالحرب الناعمة، وصولًا إلى محاصرة لبنان عبر التكفيريين في سوريا، وانتهاءً بالحرب الاقتصادية والمالية الهائلة، ولكن ماذا في النتائج؟

- أسهم الحصار الأميركي والفساد في تدمير الاقتصاد اللبناني، المترنّح أصلًا على يد الطبقة السياسية الحليفة للولايات المتحدة.

- القضاء على النموذج الاقتصادي اللبناني، والنظام المصرفي الذي يمثّل درة تاج النظام اللبناني.

- دفعُ اللبنانيين عنوةً إلى التوجه نحو الشرق، الصين روسيا إيران.

- فتح الباب اللبناني للصين وروسيا للولوج إلى لبنان، بعد منع الغربيين والعرب من المساهمة في أي حل يخفف من الإحتقان الاقتصادي والانهيار المالي.

- فتح الباب لإيران لمساعدة لبنان، وإحراج القوى السياسية الحليفة للولايات المتحدة التي كانت تعترض على أي إعانة تأتي من إيران.

- الإسهام بقوة في تقويض النظام السياسي اللبناني القائم منذ تأسيس الكيان، والتفكير جدّيًا في تعديل اتفاق الطائف أو تغييره كليًا.

- تهشيم الطبقة السياسية والاقتصادية وطبقة المحتكرين.

- لبنان اليوم يعيش فترة المخاض، والشهور القادمة تمثّل الذروة في الضغط الذي لن يؤدي بطبيعة الحال إلى تقديم المقاومة في لبنان تنازلات، لا في السياسة ولا في القوة العسكرية ولا في أي ملف آخر.والنتيجة هي خسارة الأميركي وأدواته في لبنان المعركة المصيرية.

- هل تكون الحرب العسكرية هي الحل؟

معظم المؤشرات تشير إلى أنّ خيار الحرب مستبعد، ومن الطرفين لأنّ موازين القوى متقاربة جداً، ولن يستطيع أحدٌ أن يحسم بنتيجة الحرب القادمة، وبالضرر الذي ستلحقه بالطرفين، لذلك ستكون هي آخر الدواء بالنسبة إليهما..

- الفترة الفاصلة عن الانتخابات الأميركية حاسمة في تحديد المنتصرين من الخاسرين، وفي الخروج من عنق الزجاجة، وفي حالتي فوز ترامب أو خسارته فإنّ الأميركيين سيخرجون من المنطقة، وسيركزون جهدهم في اتجاهين، الأول في الارتداد إلى الداخل لترميم الاقتصاد الأميركي، والثاني التفرّغ للحرب الباردة مع الصين، التي ستشغل المشهد السياسي العالمي للقادم من السنين.