kayhan.ir

رمز الخبر: 11184
تأريخ النشر : 2014December02 - 21:02

الغرب وأساليب الحرب الروسية الغامضة: اخفاق في الفهم وتردد في القرار

عبد الحسين شبيب

تشكل الأساليب الروسية في إدارة الازمات التي تخصها مباشرة او التي تتعلق بمصالح خارجية لها محل اهتمام الخبراء والسياسيين في الغرب لمحاولة فهم كيف تتصرف هذه الدولة التي كانت ذات يوم ترأس امبراطورية ضخمة نافست الإمبراطورية الأميركية وأوروبا لعشرات السنين.

ويحظى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بحيز كبير في اهتمام هؤلاء باعتبار انه رأس القرار او صانعه الحقيقي او الوحيد في بعض الأحيان، والذي يعود اليه الفضل في انتشال روسيا من براثن بوريس يلتسين والمسار الانحداري والمذل التي ادخل بلده فيه امام الغرب وتحديداً امام الولايات المتحدة، بعد انهيار الاتحاد السوفياتي.

في بضع سنوات تمكن بوتين من إعادة روسيا الى سكة الدول المؤثرة في السياسات الدولية والمعطلة لمشاريع أميركية عديدة، وتصاعد تدريجياً الى ان أصبحت موسكو عقبة مهمة تقف موقف الند من واشنطن.

الان روسيا في مواجهة مع الغرب حول أوكرانيا بعدما تمكن بوتين بدهائه من تقسيم هذا البلد، والحاق جزء منه بادارته المباشرة بعد نجاح استفتاء الانفصال في شبه جمهورية القرم. ورغم ان الولايات المتحدة تقود حملة عقوبات على روسيا لاخضاعها في الملف الاوكراني، الا ان بوتين يتصرف وكأن شيئاً لم يحدث، وآخر مواقفه التي يُظهر فيها عدم خضوعه لتلك التهديدات مغادرته قمة مجموعة العشرين في برزبين في شرق استراليا قبل نشر البيان الختامي وتعمد القول للصحفيين انه "بحاجة الى النوم"، في وقت كان التلويح بمزيد من العقوبات الغربية على موسكو هو سيد الموقف.

عن رغبة

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين

وفي عملية حسابية بسيطة قال الرئيس الروسي للصحافيين المرافقين:"لنصل إلى فلاديفوستوك نحتاج إلى تسع ساعات من الطيران ثم تسع ساعات أخرى لنصل إلى موسكو، بعد ذلك علينا العودة إلى البيت لننام أربع أو خمس ساعات على الأقل".

لكن عند وصوله إلى مدرج المطار صافح بوتين، الذي كان مبتسماً ولم يبدُ أنه كان متعباً، اثنين من عناصر المواكبة على الدراجات النارية ووقف إلى جانب أفراد من رجال الأمن لالتقاط صور معهم، ثم صعد إلى الطائرة.

هكذا أراد "الدب الروسي" التهكم على خصومه الذين يعيدون أجواء الحرب الباردة الى الساحة الدولية، وهم اتهموا موسكو في ختام قمة برزبين انها "تشكل تهديداً للعالم" وترغب في إعادة الأمجاد الضائعة لروسيا القيصرية والاتحاد السوفياتي".

وبسبب هذا "التهديد" الذي يراه الغرب حقيقياً، لا سيما وانه يتواجه معه في اكثر من ساحة، واعنفها اليوم في سوريا، فقد خصصت وكالة رويترز تقريرا تحليلياً لأحد مراسليها في واشنطن بيتر آبس تحدث فيه عن كيفية مكافحة الغرب لفهم أساليب الحرب الروسية الغامضة. واستعرض كاتب التقرير عدداً من الوقائع التي تستدعي القلق. فعندما عبر الروس الحدود للقتال في صفوف من اسماهم "المتمردين" شرق أوكرانيا خلال العام الحالي قالت موسكو إن الجنود لم تصدر لهم أوامر بذلك بل ذهبوا من تلقاء أنفسهم في إجازاتهم.

وعندما كانت استونيا "ضحية" هجوم الكتروني عام 2007 واتهمت موسكو بأنها وراءه رد الكرملين قائلا إنه لا يمكنه السيطرة دائما على مرتكبي مثل هذه الهجمات من الروس الذين يتصرفون بدافع شعورهم الوطني.

وبعد أن سيطر جنود لا يحملون أي علامات توضح هويتهم على شبه جزيرة القرم في اذار/ مارس الماضي ابتكر المسؤولون العسكريون الغربيون اسماً للجنود الروس الذين يرتدون زياً بلا علامات أو ملابس عادية فسموهم "الرجال الصغار الخضر".

ان المخططين الغربيين الذين بنوا دفاعاتهم للتصدي لغزو واسع النطاق أو صواريخ نووية أو الارهاب ما زلوا يحاولون التوصل لكيفية مجاراة مثل هذا الخطر الذي يخرب ويخلق حالة من عدم الاستقرار وراء قناع من الإنكار.

تسعى موسكو لتذكير الغرب بمدى فداحة العواقب إذا استخدم القوة العسكرية ضدها

هكذا وبحسب "بيتر آبس" يدرس حلف شمال الاطلسي سبل التصدي لأساليب "الحرب الغامضة" في حال محاولة بوتين أن يفعل شيئاً مشابهاً في دول البلطيق الاعضاء في الحلف ليتوانيا ولاتفيا واستونيا.

لكن ماذا يستطيع الغرب ان يفعل في مواجهة استراتيجية روسية فعالة؟ هل يكفي رد تقليدي مثل نشر الحلف الاطلسي بعض دبابات وطائرات في المنطقة لابداء عزمه على الدفاع عن كل أعضائه بالقوة، او التفكير في تعزيز وجود الشرطة هناك ربما بضباط من دول شمال أوروبا وذلك لرصد أي محاولة تسلل روسية؟

ينقل مراسل رويترز في واشنطن عن خبراء عسكريين تقديرهم "أن الاستراتيجية غير التقليدية لروسيا على جناحها الغربي لا سيما في أوكرانيا التي لا تتمتع بعضوية حلف الأطلسي ثبتت فعاليتها بشكل ملحوظ"، كما أنها اقترنت في الآونة الأخيرة باستعراض عالمي للقوة على نطاق لم يحدث منذ الحرب الباردة.

فقد سعت سفن حربية روسية لاستكشاف حدود المياه الاقليمية الاسترالية قبل قمة مجموعة العشرين الأخيرة، وقالت موسكو إن دوريات قاذفاتها النووية التي تطير فوق غرب أوروبا ستصل إلى خليج المكسيك. يعني ببساطة على تخوم الولايات المتحدة.

برأي محللين غربيين استمزجت رويترز آراءهم فإن الهدف الروسي وراء ذلك جلي: موسكو تعمل على إعادة تأكيد نفوذها على الدول المتاخمة لها، وتسعى لتذكير الغرب بمدى فداحة العواقب إذا استخدمت القوة العسكرية لمنعها.

هكذا يعتبر نيكولاس فوسديف أستاذ دراسات الأمن القومي بكلية الحرب البحرية الأمريكية في نيوبورت برود ايلاند أن "بوتين يقيس مدى استعداد الغرب لمواصلة فرض الضغوط فيما يتعلق بأوكرانيا".

اما الخلاصة التي ينتهي اليها كثير من المسؤولين والخبراء بصفة غير رسمية فهي أن الغرب والحكومة القائمة في كييف سيضطران في نهاية الأمر لقبول قدر أكبر من نظام الحكم الاتحادي والنفوذ الروسي في شرق أوكرانيا.

هل سيفسر بوتين ذلك على أنه علامة على الضعف وضوء أخضر للتفكير في استخدام أساليب مماثلة ضد دول أعضاء في الحلف الاطلسي مثل دول البلطيق؟ يطرح بيتر آبس في تقريره هذا السؤال ليبحث في استراتيجية الغرب للرد على الاستراتيجية الروسية، ليقول على لسان إلبريدج كولبي المسؤول السابق في البنتاغون والذي يعمل حالياً باحثاً في "مركز الأمن الأمريكي الجديد "ان الغرب لم يقم حتى الآن بصياغة استراتيجية مناسبة للتعامل مع التحديات الروسية"، في حين ان أكبر رد من جانب الغرب على أفعال موسكو تمثل حتى الان بفرض عقوبات مالية على شركات وأفراد من روسيا.

هل تذهب الأمور نحو الحرب؟ هناك تصريح سابق هذا العام للقائد الأمريكي الأعلى للتحالف فيليب بريدلاف لصحيفة "دي فيلت" الالمانية قال فيه بلغة غير حاسمة "إن أي عملية تسلل سرية من روسيا يجوز أن تقابل برد عسكري بمقتضى البند الخامس من معاهدة تأسيس الحلف الذي يعتبر الهجوم على دولة عضو هجوما على الحلف كله". هذه "الـ "يجوز" حمالة أوجه، فقد تكون حقيقية، وقد تكون استعراضية للحفاظ على الاعتبار فقط. لكن الحقيقة التي ختمت بها رويترز تقريرها أوجزها مسؤول سابق مشترطاً عدم نشر اسمه قال للمراسل بيتر آبس:"عليك أن تتذكر أنه لا يوجد ببساطة خيار لحرب تقليدية مع روسيا. فهي إما غير تقليدية مثل هذه أو يرجح أن تصبح شيئاً أسوأ كثيراً".

الزمن لن يعود الى الوراء، وما فعلته روسيا خلال عقد ونيف من الزمن وضع الولايات المتحدة وحلفاءها الغربيين امام تحديات ومخاطر جديدة اقلها العودة الى التوازنات الدولية، وتقلصت فعالية نظام القطب الواحد، فكيف اذا كان في ساحة العمل لاعبون كثر طامحون لاداء أدوار فعالة في الشؤون الإقليمية والدولية مثل الصين وايران، ولديها علاقات وتحالفات مع روسيا؟