كلمات من داخل النفق
غالب قنديل
تتقدم جميع هموم الرأي العام اللبناني كارثة الانهيار الزاحفة على جميع وجوه الحياة ومعها جائحة كورونا التي عطلت سائر المرافق الاقتصادية الحية بما ستولده من اختلالات ستظهر لاحقا وتعبر عنها معدلات البطالة المتزايدة وتدهور القدرة الشرائية لليرة اللبنانية امام الدولار وتمادي الدولرة في كل التعاملات والارتفاع الجنوني في الأسعار وازدياد وطأة الفقر.
أولا تبذل الحكومة جهودا كبيرة للتحكم بالنتائج وفي محاولة الحد منها لكن الوقت يمر ومعه مزيد من الكلفة في انتظار اعلان خطتها الإنقاذية الموعودة ناهيك عن مباشرة تنفيذها وهي تؤخر اتخاذ أي تدبير او قرار عملي ربطا بموعد إعلان الخطة بينما تستهدف بحملات وهجمات سياسية ومحاولات لإستنزافها وإرباكها بل وإسقاطها من قبل القوى التي خرجت من السلطة بمحض إرادتها تقربا إلى الأميركيين والحكومات الإقليمية الدائرة في فلكهم وهي سائر الأطراف التي تريد لجم الاندفاع الحكومي في طريق فتح الدفاتر وتقصي مسالك النهب والتنفع خلال ممارسة المسؤولية لعقود متلاحقة.
ثانيا الوصفة الأميركية الغربية لاحتواء الإنهيار هي الترميم المالي بقروض جديدة للنموذج الذي تساقط وتخلع وهذا ما يعول عليه بعض الأطراف والخبراء من معسكر الحكومة ومن خارجه وهم يعتبرون ان تدابير منع الهدر ومنع تقاسم التنفيعات والتعهدات خيار سيكون كفيلا بتدفق القروض والمساعدات لإنعاش النموذج الاقتصادي اللبناني بعد تقليص حجم ونفوذ القوى السياسية التي شكلت محتوى السلطة منذ الطائف بالحد من دورها في رسم الخيارات الاقتصادية والمالية استنادا إلى قسوة نتائج الانهيار وشبهات الفساد والسطو على المال العام.
ثالثا عندما تنادي الدول الغربية الاستعمارية بمكافحة الفساد والهدر فهي تشكو من أتباعها وترد سبب الانهيار في الواقع إلى جشع وتغول الجهات اللبنانية الحاكمة التي كانت مخلصة في ولائها وخضوعها للوصاية الأميركية الفرنسية مع سعيها إلى العمولات والحصص من المال العام الذي تم جمعه بالاستدانة وبوضع اليد على تحويلات المغتربين وجرت المضاربة به لحساب حفنة من أصحاب المليارات في لعبة ربوية متضخمة وهدف الغرب المباشر هو طمس حقيقة ان السيطرة والهيمنة اللصوصية الغربية هي أصل العلة وان ما ارتكبه اتباع الغرب ووصايته هو النتيجة.
رابعا يحتفظ المخططون الأميركيون والغربيون بمنطق تنويع الخيارات السياسية داخل البلدان التابعة وإن سقطت شريحة او جهة او حزب من مواقع السلطة لموها واحتفظوا بها احتياطا في إدارة الصراع وهذا ما يشهد عليه الكثير من الوقائع اللبنانية خلال العقود الماضية ولذلك هم يوظفون الازمات لإحكام القبضة الاستعمارية ومنع الخيارات البديلة وأولويتهم في لبنان محاصرة المقاومة ومنع التوجه شرقا وكبح الانتقال إلى نموذج إنتاجي مستقل ومشبوك بشراكات المحيط القومي التي تزيد من فرص واحتمالات إعادة بناء الثروة والاقتصاد الوطني وسوف يزينون سلة سيدر بكل ما لديهم من قدرة لترجيحها أمام أي خيار بديل محتمل.
خامسا حتى الساعة لم يتبلور واقع سياسي يبشر باحتمال التقدم لفك الاستعصاء والمراوحة بمبادرات هجومية تنطلق من احتضان الحكومة ودعمها ونقدها حيث ينبغي لحثها على التحرك والعمل في الاتجاه الصحيح لشق طريق الإنقاذ الممكن هجوميا بتدابير واجراءت شجاعة لابد منها تأسيسا لنموذج متحرر من الهيمنة يعيد بناء موارد الثروة المدمرة ويؤسس هياكل اقتصادية جديدة تعتمد على الإنتاج وعلى الشراكات الجديدة المنصفة والمتكافئة وتحديد الصيغ الانتقالية المجدية في الحد من النتائج الداهمة للانهيار الاقتصادي والمالي .