kayhan.ir

رمز الخبر: 111363
تأريخ النشر : 2020April24 - 20:23

حلف الاطلسي ما بعد كورونا اما التعاون او الموت المحتم...!



محمد صادق الحسيني

ان التهديدات التي كان يعيشها العالم، قبل انتشار وباء كورونا، وبغض النظر عن طبيعتها، قد اختلفت تماماً بعد ظهور هذا الوباء القاتل والخطير جداً، على البشرية جمعاء وليس على شعب بعينه .

وعليه فان منطلقات الدفاع الأورواطلسية، التي أقيم على اساسها حلف شمال الأطلسي ( الناتو ) قد انقلبت رأساً على عقب، لا بل انتفى وجودها من الاساس . فمن المعلوم ان امين عام حلف شمال الأطلسي كان قد لخص مهمات الحلف بالكلمات التالية :

To keep Russia out , Americans in , German down .

اي:

•ابعاد روسيا .

•تمكين اميركا .

•قمع المانيا .

لكن الظروف التي كانت سائدة آنذاك قد انتهت تماماً، بعد تفكك الاتحاد السوفييتي وكتلة الدول الاشتراكية وضعف قدراتها العسكرية بشكل عام، وتمدد حلف شمال الأطلسي شرقاً، وضمه جميع الدول التي كانت أعضاء في حلف وارسو للدول الاشتراكية الى عضويته، ووصول قوات الناتو الى حدود جمهورية روسيا الشمالية الغربية، بحيث اصبحت مدينة لينينغراد الروسية في مرمى مدفعية قوات الحلف الأطلسي، وذلك على عكس الضمانات التي أعطيت لآخر رئيس للاتحاد السوفييتي، ميخائيل غورباتشوف، عند توقيع اتفاقية سحب القوات السوفيتية من المانيا دول أوروبا الشرقية .

هذاو قداختفى التهديد السوفييتي المزعوم، من قبل الناتو والولايات المتحدة واذنابها الاوروبيين، مما جعل الناتو، بقيادة واشنطن، يبدأ بالبحث عن أعداء جدد، ومنذ بداية تسعينيات القرن الماضي، لتبرير وجود هذا الحلف العدواني، الذي هدد السلم العالمي منذ نشأته . وقد ترجمت هذه السياسة العدوانية، الاميركية الاطلسية، في خطوات الحلف التالية :

1. الحرب العدوانية، التي شنتها قوات الحلف والجيش الاميركي، ضد العراق سنة ١٩٩١ .

2. حروب البلقان، التي هندستها ومولتها وسلمت لاعبيها، بهدف تفكيك جمهورية يوغوسلافيا، صديقة العرب والقضية الفلسطينية، وتدمير قدراتها العسكرية، وذلك عبر حرب بدأتها سنة ١٩٩٢ واستمرت حتى ١٩٩٦ .

3. الحرب الشاملة، التي شنتها الولايات المتحدة وقوات حلف شمال الأطلسي، ضد جمهورية صربيا، اليوغوسلافية السابقة، سنة ١٩٩٩، والتي ادت الى تدمير شبه كامل للبنى التحتية الصربية واقتطاع اقليم كوسوفو وفصله عن الدولة الصربية، بحجة ان أغلبية سكانه من القومية الالبانية .

4. الحرب الاميركية الاطلسية ضد العراق سنة ٢٠٠٣ واحتلاله وتدمير الدولة العراقية بالكامل اضافة الى تدمير البنى التحتية المدنية والتي لا زالت تعاني من آثار تلك الجريمة حتى يومنا هذا .

٥)الحرب على ليبيا، سنة ٢٠١١، والمستمرة حتى اليوم، والتي دمرت ليس فقط الدولة الليبية وانما كل بناها التحتية وجميع مقومات الحياة في هذا البلد العربي المنكوب .

6. كما لا بد من الاشارة باللون الأحمر الى الحرب العدوانية على الشعب اليمني والتي بدأها محمد بن سلمان سنة ٢٠١٥ بدعم أميركي اوروبي غربي واسرائيلي مباشر .

وما ان استنفذت مبررات وجود هذا الحلف من جديد، مع بداية الألفية الثالثة، حتى تفتق عقل المخططين الاستراتيجيين الأميركيين والأوروبيين عن اختراع عدو جديد، يمتد وجوده المزعوم على امتداد العالم، اطلق عليه اسم: الارهاب .

فكان ان شنت واشنطن، بالتعاون مع الحلف ودول اخرى، اثر هجمات ١١ أيلول ٢٠٠١ في نيويورك، حربها على افغانستان إبتداءً من شهر ١٠/٢٠٠١، والتي لا زالت مستمرة حتى اليوم .ثم تبع ذلك خلق وتفقيس تنظيمات ارهابية أميركية، تحت مسميات مختلفة، ونشرها في عدة دول عربية، مستخدمة إياها لذات الاسباب المذكورة اعلاه . حيث قام تنظيم داعش بالاستيلاء على اجزاء واسعة من سورية والعراق وأعلن ما اسماه " دولة الخلافة الاسلامية " سنة ٢٠١٤، كمقدمة لتفكيك الدولة السورية والعراقية .

وقد سارعت واشنطن آنذاك لتشكيل " تحالف دولي "، بحجة محاربة الارهاب، زجت به من جديد بقوات حلف شمال الأطلسي، في مسرحية عسكرية، هدفت الى تمديد عمر حلف شمال الأطلسي الافتراضي، الذي كان قد انتهى بزوال الاتحاد السوفييتي . ذلك التحالف الذي لم يكن له اي دور يذكر، في محاربة وجود التنظيمات الارهابية، مثل داعش والقاعدة، وانما اقتصرت محاربة هذه التنظيمات على الجيش العربي السوري، مدعوماً بقوات ايرانية واُخرى من حزب الله اللبناني، الى جانب قوى المقاومة العراقية ومن ثم الجيش وقوات الحشد الشعبي العراقي، التي تشكلت اثر اجتياح الارهاب الأميركي الأسود لمناطق واسعة من سورية والعراق، سنة ٢٠١٤ .

هذا الصمود، الذي كان لايران دوراً أساسياً وفاعلاً في تحقيقه، والذي ادى الى شعور القيادة الروسية بخطر الارهاب، واحتمال تمدده الى داخل الاراضي الروسية، من خلال مقاتلين من دول الاتحاد السوفييتي السابق في آسيا الوسطى، مما جعلها، وانطلاقاً من اهداف استراتيجية دولية، الى التدخل العسكري المباشر ،في شهر أيلول ٢٠١٥، لدعم الدولة السورية ومنع اسقاطها، من قبل الولايات المتحدة وحلفاؤها الغربيين ( دول الناتو ) .

وهو الامر الذي ادى الى فشل حلف الناتو وسيد البيت الابيض في المهمة، ما يعني افراغ هذا الحلف من محتواه مجدداً، وطرح السؤال الحاسم حول جدوى استمرار وجوده ومبررات ذلك الوجود . علماً ان الإجابة على هذا السؤال اصبحت اكثر الحاحاً، بعد اجتياح وباء كورونا معظم دول العالم وتسببه في موت وإصابة الملايين من البشر، على امتداد العالم .

من هنا، وفي ظل استحالة تمكن اي دولة بمفردها من مواجهة هذا الوباء، وغيره من الأوبئة المحتملة في المستقبل، وفي ظل العجز المرعب والنقص المخيف في التجهيزات الطبية اللازمة، الذي أظهرته الولايات المتحدة والدول الأوروبية جميعها، في مواجهة هذا البلاد الذي حل بالعالم، وبالنظر الى التداعيات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الكارثية، التي ستنجم عن انتشار هذا الوباء، فاننا نرى ان من من الضرورة بمكان ان نؤكد على النقاط التالية، كمخرج آمن وحيد من الأزمة الحاليّة وأي ازمات مستقبلية :

أولاً: الحل الفوري لحلف شمال الأطلسي، بفروعه السياسية والعسكرية والتنظيمية وغير ذلك، وانهاء وتصفية وجوده بشكل نهائي ودائم، وتوجيه الاموال التي تنفق على الحلف حالياً، الى مجالات الاستثمار في البنى التحتية والنشاطات الاقتصادية الإنتاجية في دول الحلف نفسها .

ثانياً: في ظل الهدر المتزايد لثروات الكرة الارضية واستغلالها بشكل مجحف، من قبل القوى الرأسمالية الليبرالية المتوحشة جنياً لمزيد من الأرباح وتركيزاً للثروة العالمية في ايدي بضع عائلات فقط، فقد اصبح من الملح جداً، على جميع دول العالم ،ان تتداعى للبحث في آليات جديدة تكون ناظمة للعلاقات الدولية، عوضاً عن سياسات التهديد العسكري المباشر والعقوبات المالية والاقتصادية، التي تمارسها الولايات المتحدة والدول الغربية، ضد العديد من دول العالم من ايران، الى جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية، وصولاً الى خلق قاعدةٍ دولية للتعاون الاقتصادي الدولي المتوازن والمستند الى خطط علمية دقيقة، عوضاً عن سياسات النهب الشامل لثروات الارض، من قبل قوى خفية تفتقر الى وجود اية روادع اخلاقية او انسانية وتحكمها الأنانية المطلقة، التي لا تتوانى عن شن الحروب وتدمير الدول وقتل شعوبها، حفاظاً على المصالح الذاتية لهذه القوى .

ثالثاً: من هنا فان الحل الشامل والناجع، لمشاكل البشرية بشكل عام، لا يكمن في مواصلة سياسة اللعب بالنار، التي تمارسها الولايات المتحدة ودول الناتو الاخرى، على حدود روسيا الشمالية الغربية ( لينينغراد )، ولا في مواصلة التحرشات العسكرية، التي تنفذها البحرية الأميركية، في بحر الصين الجنوبي والشرقي، وفي غرب المحيط الهادئ، ومحاولات اختلاق " عدو جديد " للولايات المتحدة وحلف الناتو، الذي تواصل واشنطن استخدامه، في تنفيذ عمليات ألعاب نارية، هنا وهناك، مرة ضد ايران واخرى في مواصلة توجيه التهديدات للصين الشعبية والعمل على دق اسفين بين روسيا والصين، من خلال اغراء روسيا بمعاملة تفضيلية، اذا ما ابتعدت عن الصين الشعبية وأوقفت التعاون معها، وانما الحل لا يمكن الا في التعاون الدولي، لمواجهة التحدي المشترك، المتمثل في وباء كورونا وغيره من الأوبئة .

رابعاً: ولعل اقرب الطرق للوصول الى تصور مشترك وخطة عمل مشتركة لمواجهة تحديات المستقبل، على الصعيد الكوني، هو العودة الى اقتراح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الداعي الى عقد اجتماع طارئ لرؤساء الدول الدائمة العضوية في مجلس الامن، لتدارس امكانيات ايجاد آليات لمواجهة التحديات المستقبلية التي تواجه البشرية جمعاء . ذلك الاقتراح او المبادرة، التي اطلقها الرئيس الروسي بتاريخ ٢٧/١/٢٠٢٠، في مناسبة الذكرى ٧٥ لتحرير قوات الجيش الأحمر السوفييتي لمعسكر الاعتقال في بلدة أوشفيتس، الواقعة جنوب غرب بولندا، بتاريخ ٢٧/١/١٩٤٥ .

وهذا يعني، من الناحية الواقعية وانطلاقاً من من المبدأ السياسي، الذي أسسه المستشار الألماني السابق ويللي براندت بداية سبعينيات القرن الماضي، ويطلق عليه اسم " رِيالْ بوليتيك Realpolitik " - وتعني السياسة الواقعية، والتي أسست لبدء سياسة الانفتاح الألماني على دول المعسكر السوفييتي بشكل عام وجمهورية المانيا الديموقراطية ( الشرقية ) آنذاك بشكل خاص، نقول ان هذا يعني :

–ان على الولايات المتحدة، خاصة في ظل انتشار وباء كورونا، العدو المشترك لكل دول العالم، ان تتخلى عن سياسة المواجهة والعدوان العسكري والعقوبات المالية والاقتصادية، وتجلس الى طاولة المفاوضات وتجترح، بالتعاون مع الدول العظمى الاخرى، خريطة حلول دبلوماسية سياسية للمشكلات الدولية، الامر الذي سيساعد واشنطن على البدء بعلاج جنودها المصابين بفيروس كورونا وسحب قواتها، من قواعدها العسكرية التي يزيد عددها عن الف قاعدة منتشرة في العالم، وتصفية هذا الوجود العسكري المكلف وباستثمار الاموال المهدورة في استثمارات داخل الولايات المتحدة او في المشروع الصيني العملاق: طريق واحد ...حزام واحد . خاصة وان التاريخ يُعَلِّم ان سبب انهيار الإمبراطوريات الرئيسي هو انفاقها على حضورها العسكري الواسع في العالم والذي يفوق امكانيات الإمبراطورية المالية والاقتصادية .

ولا بد من الإضافة، الى كل ما تقدم، بان جمهورية الصين الشعبية وروسيا الاتحادية ليستا جمهوريتي موز، او ممالك رملية، كمملكة محمد بن سلمان في السعودية، كي تتمكن واشنطن من ابتزازهما بالتهديدات المستمرة، بإصدار قوانين عقابية ضد الصين، تشبه قانون جاستا الخاص بتعويض " اقرباء ضحايا " ١١ / ايلول ٢٠٠١ . فالدولتان قادرتان، ليس على مقاومة الضغوطات الاميركية فحسب، وانما على الحاق هزيمة عسكرية نكراء، بالولايات المتحدة الاميركية، في حال تجرأت على ارتكاب اي خطأ عسكري تجاه اي من الدولتين.

اما حديث ترامب، عن نيته تدمير الزوارق الايرانية، اذا ما " تحرشت " بسفن البحرية الاميركية في الخليج الفارسي، وحديث وزير خارجيته، مايك بومبيو، عن ضرورة معاقبة ايران على إطلاق الحرس الثوري قمراً صناعياً بنجاح، فلا تنم لا عن سياسة واقعية ولا عقلانية وانما تؤشر الى استمرار السياسة الاميركية العدوانية والعنجهية، التي لن ينتج عنها سوى انهيار الإمبراطورية الاميركية من الداخل، بسبب المشكلات الداخلية، وتفكك الولايات المتحدة وتحولها الى الولايات المتقاتلة بدلاً من المتحدة .

وهي نهاية حتمية لسياسة اعتباطية ومعادية لأصول المنطق والعلم والمنهج والتخطيط الايجابي الخلاق .

انها السنن الكونية التي لا مناص منها.

بعدنا طيبين قولوا الله