kayhan.ir

رمز الخبر: 111036
تأريخ النشر : 2020April18 - 20:47

ترامب وحظر التمويل عن الصحة العالمية.. ماذا عن الأمم المتحدة؟


شارل ابي نادر

قد يكون المبدأ الذي تكلم به الرئيس الأميركي دونالد ترامب يحتمل بعض الحقيقة فيما خص الملاحظات المتعلقة بتقصير ما في عمل منظمة الصحة العالمية بمواجهة وباء كورونا، مما ساهم بتمدد انتشاره بشكل أوسع وأخطر، الأمر الذي تذرّع به لوقف تمويل واشنطن للمنظمة، والبالغ حوالي 400 مليون دولار أميركي سنويًا، بما يعادل عشرة أضعاف مساهمة الصين السنوية.

فحسب ترامب، رفضت المنظمة في يوم 23 يناير/كانون الثاني إعلان حالة الطوارئ العالمية، ما جعل عدد الوفيات والإصابات يتضاعف خمس مرات في ظرف خمسة أيام، ولم تعلن المنظمة حالة الطوارئ الصحية العامة إلّا يوم 30 يناير/كانون الثاني، كما لم تصف انتشار الفيروس بالجائحة إلّا يوم 11 مارس/ آذار، وقبل هذا التاريخ، وتحديدًا في 14 يناير/كانون الثاني، ذكرت المنظمة إن التحقيقات الأولية تبيّن أن السلطات الصينية لم تعثر على أدلة كافية لتأكيد أن الفيروس ينتقل عبر البشر.

صحيح أن ترامب يتكلم الآن من منطلق رئيس دولة "عظمى" أصيبت بالوباء بشكل صادم، حيث تتزايد الاصابات وحالات الوفاة بطريقة جنونية خرجت عن السيطرة، وصحيح أنه يدور ويتنقل بين الصين وبين المنظمة العالمية للصحة وبين حكام الولايات الفدرالية الاميركية، لتحميلهم مسؤولية هذه الكارثة الطبية والصحية في اميركا، ويرفعها عن ادراته الفاشلة للازمة، بعد أن استهتر بداية بوجوب المواجهة الباكرة والتصرف السريع، ولكن اين هي المعطيات العملية المرتبطة بموقفه من المنظمة الدولية؟

عمليًا، منظمة الصحة العالمية هي سلطة التوجيه والتنسيق في منظمة الأمم المتحدة فيما يتعلق بالصحة على المستوى الدولي. بدأ عملها مع بدايات انبثاق منظمة الأمم المتحدة ودخول دستورها حيز النفاذ في 7 نيسان/أبريل 1948، ويحدد دورها بتقديم الدعم إلى البلدان لتنسيق جهود القطاعات المتعددة للحكومات، بهدف مواجهة الأوبئة والأمراض المعدية وتقديم النصح والارشادات، مع تنفيذ بعض المهمات الطبية العملانية في الدول النامية، وأغلبها في افريقيا كقارة فقيرة، تنتشر فيها الأوبئة والأمراض المعدية بشكل أوسع من مناطق أخرى، مثل الطاعون والايبولا والملاريا وجدري الاطفال وغيرها.

اذًا، منظمة الصحة العالمية هي فرع من منظومة عمل منظمة الامم المتحدة، متخصص بالصحة الدولية، وحيث دور المنظمة الام (الامم المتحدة) هو حفظ السلم والأمن الدوليين، وقمع أعمال العدوان وغيرها عبر الوسائل السلمية وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، فهل يرى الرئيس ترامب أن الأمم المتحدة تقوم بدورها على أكمل وجه لناحية الأمن والسلم العالميين، وبشكل لا يتطلب اعادة النظر في تمويلها وطريقة ادارتها لدورها كضامن للأمن والسلام وللقانون الدولي عبر العالم؟

اذا كان تفكير الرئيس الاميركي بأداء منظمة الصحة العالمية ووجوب مراجعته وتصحيحه، لناحية تحسين الأداء وتفعيل الدور نحو رفع مستوى الصحة العالمية بشكل عام، فربما هذا الموضوع يحتمل النظر فيه، اذا ما تمت مقاربته من ناحية وجوب رفع مستوى التدخل في الدول الفقيرة، أو في مواجهة الامراض والاوبئة التي تأخذ طابع الوباء او الجائحة العالمية.

لكن من ناحية أخرى، ألا يُفترض اعادة النظر بالدور المشبوه لمجلس الامن، وبالتأثير السلبي لعمل منظمة الأمم المتحدة المنحاز وغير العادل في عدة ملفات وقضايا، وذلك في أغلب الدول التي تحضن نزاعات وحروبا، حيث دور واشنطن وتدخلها في تحريك أو توجيه هذه النزاعات معروف وواضح؟

ماذا عن أداء منظمة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لناحية الصراع مع "اسرائيل" وتجاوز الأخيرة لقراراتها المتعلقة بالحقوق العربية والاسلامية في لبنان وفلسطين وسوريا؟

ماذا عن دور الأمم المتحدة في مقاربتها لتجاوز الرئيس ترامب شخصيًا لقراراتها المتعلقة بالحقوق العربية في القدس وفي الجولان المحتل؟

ماذا عن دور مجلس الأمن وضمانته المفترضة في احترام كل الدول الموقعة على الاتفاق النووي مع ايران، مع ما يترتب على الأخيرة من حقوق مالية واقتصادية وسياسية، تجاوزتها الأمم المتحدة في مخالفة لأصول القانون الدولي، وذلك بعد انسحاب واشنطن غير القانوني من الاتفاق المذكور ؟

أين كان دور الأمم المتحدة من غزو وتدمير العراق على يد كوكبة من الدول الغربية بقيادة واشنطن، بعد خلق أسباب وتبريرات واهية ومخادعة عن أسلحة دمار شامل؟

هل تقوم منظمة الأمم المتحدة بدورها الكامل والصحيح في اليمن مثلًا؟ وماذا عن تغاضيها أو تواطؤها سكوتًا عن استعمال أسلحة محرمة دوليًا في صعدة وصنعاء وغيرها من المناطق اليمنية؟ وهل أجرى المجتمع الدولي مقارنة حسابية بسيطة بين ما سببته الحرب التي شنها التحالف العربي على اليمن برعاية مباشرة من واشنطن وتحت أعين مؤسسات المنظمة الاممية، وبين ما سببته حتى الآن كورونا عبر العالم، حيث سيجد الفارق البعيد في الأرقام والتي لم تصل اليها حتى الآن الأرقام التي سببها الوباء.

من هنا، فإن هذه الحروب والنزاعات التي تخلقها واشنطن بسياساتها عبر العالم، وتغطيها منظمة الأمم المتحدة بانصياعها للاميركيين، والتي تسبب من المآسي والقتل والتدمير أضعاف أضعاف ما تسببه الأوبئة والأمراض المعدية، أصبحت تتطلب وتفترض اعادة النظر وبشكل كامل وجذري بدور وبآداء المنظمات الدولية كافة وليس فقط بدور وبآداء منظمة الصحة العالمية، وأصبح من الضروري اعادة النظر بتركيبة النظام العالمي برمته، والمسؤول بشكل أو بآخر عن نسبة كبيرة من المآسي التي تطال العالم وخاصة الدول الفقيرة والضعيفة منه.