kayhan.ir

رمز الخبر: 110827
تأريخ النشر : 2020April14 - 21:10

هل حقا تعلمنا من التجربة ؟

غالب قنديل

يتباهى بعض اللبنانيين ويتفاخرون بحفظ دروس الحرب الأهلية مرة في السنة بمناسبة ذكرى نيسان الدامية من العام 1975 ويرددون معا عبارة "تنذكر وما تنعاد " ولتأكيد المظهر الاحتفالي اختارت مجموعة من التجمعات الأهلية موقعا شهيرا على خطوط التماس السابقة هو المتحف الوطني لتطلق نداء الوحدة الوطنية على ألسنة حشد من رجال الدين ووجوه المجتمع الأهلي وهذه السنة تردد النداء عبر وسائل الإعلام المرئية والمسموعة الإلكترونية.

اولا من المعبر ان يجري الاحتفال التقليدي منذ التسعينيات حيث عصارة التاريخ الحديث والقديم وتذكارات الغزوات المتلاحقة مجردة من شواهد المقاومة الشعبية وشواهد الوحدة الوطنية العابرة وفق الرواية الرسمية بسرديتها المعقمة والمعلبة بينما تستمر معلقة جميع محاولات صياغة رواية واحدة عن التاريخ في المناهج التعليمية لصالح تلفيق مرويات عديدة تسووية منذ انفراط عقد اللجنة التي كلفت بصياغة المناهج التعليمية بعد اتفاق الطائف في حين قاد تقاسم التراخيص الإعلامية مع خصخصة التعليم والاستشفاء منذ نهاية حرب السنتين إلى قيام منظومات تعبوية وخدماتية متعددة المستويات تسهم في تثبيت الهويات والمرجعيات الطائفية والمذهبية في حين جرى تدمير مفهوم الخدمة العامة لصالح الشركات في حمى الخصخصة التي تلونت بهويات طائفية ومذهبية وفق مرجعيات التقاسم السياسي والمحاصة المتمادية في الشاردة والواردة وقد عطلت بالتوازي بنود اتفاق الوفاق المتضمنة آلية محددة لإلغاء الطائفية السياسية خلافا لأحكام الدستور ونصوصه الواضحة.

ثانيا يجري كل ذلك في ظل ضمور الأحزاب والتيارات الوطنية العابرة للطوائف والمذاهب ووهن صيغ الائتلاف المتعدد طائفيا ومذهبيا بين اكثر من كتلة سياسية وشعبية فما زال كل شيء في الحياة العامة قابلا للتأويل والتجيير الطائفي.

ورغم كل ذلك ما زالت حياة اللبنانيين تزخر يوميا بشواهد المصير المشترك وتوحي لهم الوقائع بضرورة بلورة إرادة مشتركة في الدفاع عن وجودهم ومصالحهم وآخرها مقاومة جائحة كورونا ومعضلة الانهيار الاقتصادي والمالي ومضاعفاته المؤلمة وحتى الساعة لا وجود لمبادرات جدية لكسر الجدران والحواجز الطائفية بحثا عن تجسيد المصالح المشتركة والدفاع عن الوجود وحتى المبادرات الجريئة والشجاعة التي اتخذتها المقاومة في الدفاع عن الوطن والشعب ظلت عرضة للطعن والتواطؤ والتعامل الكيدي سياسيا وحتى مبادراتها المميزة في التصدي لجائحة وبائية ما زالت تحاصر بالنكران والطعن.

ثالثا ظهرت المقاومة بمفردها كظاهرة جدية تجسد الوطنية اللبنانية وكمؤسسة حزبية لاتخضع في حسابات حركتها ومساهماتها في الحياة الوطنية لمنطق الخنادق والمتاريس والعصبيات بينما نجت نسبيا من بطش التقاسم الطائفي هياكل ومؤسسات وطنية منها الجيش اللبناني والمؤسسات الأمنية رغم ما لحق بها من تأثيرات الاستغلال الطائفي والسياسي ومن محاولات الهيمنة على دورها لتوظيفها في النزاع الطائفي والمذهبي على الحصص والمغانم بينما عاشت النقابات العمالية حالة من التكلس البيرقراطي والانفصال عن الجمهور بفعل التحولات الاجتماعية التي طالت القوى العاملة الفعلية واعتماد الإقتصاد الوطني في معظم انشطته على مئات الآلاف من العمال الوافدين من جنسيات متعددة عربية واجنبية على السواء وفي معظم القطاعات الاقتصادية.

رابعا قليلة هي الأعمال الفنية والثقافية الجدية التي انتجت لبلورة وعي نقدي لتجربة الحرب وحقبتها الممتدة في لبنان بجميع فصولها وتدخلاتها وسياقاتها وبما تعكسه من حقائق ودروس إنسانية واجتماعية وربما إن الدرس الوحيد الطاغي سياسيا وشعبيا هو رفض العودة إليها وإلى ويلاتها وما حفلت به من تدمير ومذابح وتهجير في جميع المناطق اللبنانية وبقدر ما اوحت التجربة الشعبية خلال الحرب برفض سلطات الأمر الواقع وحروبها المتنقلة وخواتها وممارساتها اللصوصية القهرية فإن معظم الجهات الحزبية والسياسية والميليشيوية التي انشات ذلك الواقع ما زالت تتفاخر بما انجزته وقدمته باسم الدفاع عن طائفة او مذهب او جمهور بما في ذلك تبرير حقب سوداء من التعامل مع العدو الصهيوني والانخراط في خططه وجرائمه ضد لبنان والبلدان العربية الشقيقة والشعب الفلسطيني الشقيق.

من المنطقي طرح السؤال القديم المتكرر عن جدوى فرضية الوطن النهائي والمعزول عن التشابك الطبيعي مع محيطه القومي وعن جدوى تبني تصور للنهوض اللبناني من خارج الإطار القومي المشترك الذي يجمع لبنان بسورية والعراق وفلسطين على الأقل بعدما أثبتت تجربة خمسين عاما استحالة فك ذلك التشابك العضوي اقتصاديا وتاريخيا وجغرافيا وسياسيا ومصيريا وهو ما يعيد كشفه سقوط ما سمي بالمعجزة اللبنانية بعد الانهيار الاقتصادي والمالي الذي أصاب النموذج الريعي التابع وخرافته المصرفية المزعومة وحيث يستحيل التفكير بأي مخرج مفترض دون التحرر من الهيمنة ورسم الخطط المستقبلية ضمن المجال الحيوي الطبيعي للبلد وبالتحرر من ركام الفرضيات التي سقطت بقوة التجربة المكلفة.