خطاب دياب: اعتراف بالواقع وخطة للنهوض
يوسف الريس
أعلن رئيس مجلس الوزراء حسان دياب مساء السبت عن تخلف لبنان عن دفع استحقاق اليوروبوندز. هذا القرار ترافق مع طرح واضح للأزمة وآليات العمل على امتصاصها في المرحلة الأولى وتخطيها فيما بعد.
أشار الرئيس دياب في تصريحه إلى أن الواقع الاقتصادي متأزم وحمّل المسؤولية للنموذج الاقتصادي الريعي، وقال إن الانخفاض باحتياط العملات الأجنبية هو سبب التخلف عن الدفع إذ إن الاحتياطي من العملات ضروري لتأمين الغذاء والمستلزمات الطبية في بلد لا يملك قطاعًا زراعيًا أو صناعيًا يعتمد عليه.
الواقع الذي أشار إليه دياب يلمسه اللبنانيون بمستوى معدلات البطالة والانخفاض بقيمة العملة اللبنانية. فالاقتصاد الذي نمّى المصارف ليصبح حجمها خمسة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني أهمل القطاعات الانتاجية كالزراعة والصناعة والتكنولوجيا. لذلك لا بد من العمل على إعادة هيكلة للقطاع المصرفي من خلال خطة دمج للمصارف تحمي القطاع المصرفي والمودعين من جهة وتقلّص الفقاعة التي بناها النموذج الاقتصادي من تضخيم أرباح المصارف عبر رفع معدلات الفائدة مقابل استحصال الدولة على الدولار.
كانت أسس النموذج السابق الاستحصال على الدولارات من الخارج وخاصة أموال المغتربين اللبنانيين وذلك عبر جذبهم بمعدلات فائدة مرتفعة. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن هجرة اليد العاملة اللبنانية كانت جزءًا أساسيًا من النموذج. يستكمل مصرف لبنان الحلقة بإعطاء المصارف فوائد مرتفعة وهندسات مالية مقابل حصوله على الدولار لسدّ عجز ميزان المدفوعات القائم على استيراد يفوق الصادرات نظرا لبنية الاقتصاد الانتاجي الهشّة.
من هنا، فإن الخطة التي تطرق اليها الرئيس حسان دياب عبر حديثه عن إعادة هيكلة للقطاع المصرفي هي أساس الخروج من الوضع المتأزم إلى برّ الاستقرار المالي والنقدي.
أزمة شحّ الدولار هي أزمة العجز في ميزان المدفوعات، وتخطيها يكون عبر إعادة حركة الانتاج. كما ستساعد الأزمة بخفض مستوى الواردات وخاصة الكمالية وذلك سيجبر اللبنانيين للعودة إلى الاستثمار في القطاع الزراعي والصناعي الى حدّ معين. وهنا سيكون دور الدولة تنظيميًا، فتعمل على تهيئة الظروف المالية والسياسية لتشجيع الاستثمار الخارجي. فرأس المال المعروف بجبنه يعتبر البلدان التي تمرّ بأزمات من هذا النوع فرصة للاستثمار بحيث تكون فرصة لكسب السوق على المدى البعيد. هذا لا بد أن يكون أحد السبل التي سيعمل عليها مجلس الوزراء ولكنه يقف أمام معضلة البنى التحتية والقوانين البالية.
البنى التحتية التي استدان لبنان لتحسينها لا تزال مهترئة. فلا نظام نقل مشترك ولا جسور. كما يشارك قطاع الكهرباء بعجز ميزانية الدولة، لذلك، لا بد من التخلص من عبء قطاع الكهرباء وهذا ما ركّز عليه الرئيس دياب، الذي أكد أن الدولة ستعمد إلى تخفيض النفقات ورفع الايرادات لتقليص العجز في ميزانية الدولة.
هذا التطرق الواضح لأسباب الأزمة الحالية والاعتراف الواضح بالوضع المتردي، سيجعل الوصول إلى حلول واقعية ممكنا. والبداية كانت بقرار التخلف عن دفع مستحقات اليوروبوندز الذي ستلجأ الدولة على اثره الى مفاوضة الدائنين وعلى رأسهم المصارف. أرباح المصارف الهائلة على حساب الدولة يجب أن تكون ثمنا للاستدانة التي استفادت منها المصارف. فالتخلف عن الدفع سيعني ارتفاع قيمة أي استدانة مستقبلية نظرا لازدياد الخطر على الدائنين. من هنا يجب أن تنطلق الدولة في مفاوضاتها أن كلفة هذا القرار مرتفعة جدا فلا بد أن تكون عوائده على الدولة مرتفعة.
لا يمكن المضي في حل الأزمة دون أن يدفع صانعوها ثمنًا، فهم الذين نهبوا المال العام وكوّنوا نموذجًا اقتصاديًا يقضي على الانتاج والطبقة المتوسطة لحساب صانعي القرار وحاشيتهم.