kayhan.ir

رمز الخبر: 110426
تأريخ النشر : 2020March09 - 21:41

هدنة إدلب والظنون الآثمة: ألم تكن طريق دمشق أقرب؟


ايهاب زكي

ظنَّ أردوغان - وكل ظنّه إثم كما عادته - أنّ التحشيد العسكري وانتفاخ الأوداج الخطابي، سيشكل ضغطاً على أعصاب القيادة السياسية السورية ومعنويات القيادة العسكرية، وأنّ هذا أكثر من كافٍ للزهو بالنصر دون تجشم وعثاء المعارك، وذهب بالتهديد والوعيد حتى المدى الأقصى، حتى ظنّ أنصاره أنّ قواته ستلاحق الجيش السوري حتى أعتاب دمشق. ولم أعرف حتى اللحظة، كيف للقيادات العسكرية أن تلاحق تهديدات أردوغان الشعبوية، فأنا الفقيرة معارفي العسكرية، كنت على يقينٍ بانعدام حظوظ الجيش التركي ميدانياً، فكيف لقيادات أردوغان العسكرية أن تجاريه وهي تراه يعبث بهيبة الجيش ويضع سمعته في أتون السخرية؟ وهذا التساؤل إن لم يدفع أردوغان ثمنه عاجلاً، ستدفع تركيا كلها ثمنه آجلاً، فالجيش الذي يُعدّ ثاني أكبر جيوش "الناتو" بعد الجيش الأمريكي، أصبح أولاً في انكشاف هشاشته القتالية في أول اختبارٍ حقيقي، وهي ليست هشاشة العديد والعتاد، بل هشاشة الروح القتالية والرؤية الاستراتيجية.

قبل قمة موسكو بين الرئيسين الروسي والتركي، كان مقياس البطولة هو إجبار الجيش السوري على العودة إلى حدود سوتشي بالنار، وبعد القمة أصبحت البطولة هي الحصول على وقفٍ لإطلاق النار، حتى أنّه مع الخطاب الأردوغاني الشعبويّ بطبعه، لم يعد من خطوطٍ تفصل الهزائم عن النصر، فالهزائم المتلاحقة التي تلقاها الجيش التركي على عدة محاور، أصبحت انتصارات لمجرد التوصل لاتفاق الهدنة. كذلك النقاط التركية المحاصرة من الجهات الأربع بالقوات السورية والقوات الحليفة، اعتبر أردوغان مجرد بقائها في مواضعها انتصاراً، رغم أنّه بهذا السلوك المتهور، جعل من جنوده في هذه النقاط مجرد أسرى يعتمد بقاؤهم على قيد الحياة على أخلاق السوريين وحلفائهم، فبيان المركز العسكري الاستشاري الإيراني كان شديد الوضوح بوجود هؤلاء الأسرى في مرمى النيران. لكن أردوغان يرى في إجبار جنوده على البقاء في الأسر أو بالأحرى في حقل الرماية نصراً، ولكن يبدو أنّ الرئيس التركي لا زال يعتقد أنّ الغوغائية سياسة ناجعة، ويظنّ إثماً كعادته أيضاً، أنّ الإفراج عن أسراه وإخلاء حقول الرماية منهم وإطلاق أرجلهم للريح في وقتٍ معلوم، يتطلب أثماناً سياسية سورية، وهذا ظنٌّ يتخطى مرحلة الإثم.

يعتقد الكثيرون من أصحاب النوايا الحسنة أنّ عدم حضور الحكومة السورية للمباحثات الثلاثية الروسية الإيرانية التركية هو خطأ إجرائي، فيما يعتقد ذوو النوايا السيئة بانحلال السيادة السورية وتفرق دمها بين القبائل، بينما الحقيقة أنّها استراتيجية دقيقة ودبلوماسية معقدة، فالدولة السورية بسيادتها وكامل هيئتها ومضمونها لم تغب عن أيّ جلسة حوارية، ولم تكن غائبة عند أيّ توقيع، ولكن الغياب شكلاً يمنحها هامشاً بل مساحة واسعة من مروحة الخيارات، فما أتاها موافقاً لمصالحها العليا أخذته وألزمت نفسها به، وما أتاها مخالفاً لمصالحها انتهت عنه، فهي في حلٍ من الالتزام بأي توقيعٍ لأيّ طرفٍ إلّا ما ألزمت نفسها هي به.

وللمفارقة فإنّ أردوغان يدرك ذلك، بعيداً عن الغوغائية الخطابية الموجهة للمغيبين من محتشديه، فقد التقطته الكاميرا وهو يوجه تساؤلاً لوزير الخارجية الروسي بلهفة، بعد الانتهاء من الاجتماع مع الرئيس فلاديمير بوتين: "قد تم الاتصال بالأسد. أليس كذلك؟"، وعدم موافقة الرئيس الأسد تعني يقيناً بالنسبة لأردوغان أنّ هذا الاتفاق سيظل مجرد حبرٍ على ورق، وسيظل الجيش التركي على قارعة النار وسيفقد آخر أستار الهيبة، ولكن من حُسن حظّ أردوغان، أنّ المصالح الروسية مع تركيا والمصالح الإيرانية مع تركيا، والمصالح السورية مع روسيا ومع إيران، كذلك المصالح السورية مع تركيا لاأردوغانية، تتطلب أنّ يُمدّ السلم لأردوغان لهبوطٍ آمن، ولا بأس بسفح بعض ماء وجهه لا كله.

إنّ هذه الهدنة هي مجرد اتفاقٍ مؤقت، وهي تتماشى مع استراتيجية الحلف السوري منذ بدء اجتماعات أستنة، حيث إنّه سيناريو لكاتبٍ يبدو أنّه فقد قريحته الإبداعية، وخلاصته تقدم ميداني للجيش السوري وحلفائه، ثم وقفٌ للنار مع تكرير ذات الشروط على الأتراك، عدم خرق الهدنة وفصل الإرهاب عن الاعتدال إلى آخره من ذات الدفتر، ثم انهيار الهدنة فتقدم سوري ميداني فاتفاق هدنة مع دفتر الشروط ذاته. ورغم هذا التكرار لا زال الشخص الوحيد على هذه البسيطة الذي يشعر بالمفاجأة هو أردوغان، ويظنّ إثماً أنّها كَرةٌ غير كل مرة، ومن شدة المفاجأة هذه المرة عجز بالأمس عن الاستنتاج فتساءل" توجيه النظام كافة قواته إلى إدلب في وقت يخضع ثلث أرضه لاحتلال تنظيم (ي ب ك) الإرهابي يشير إلى غايات أخرى"، وهي ليست كافة قواته بالمناسبة، ولكن هذا دليل على أنّ جيشه شعر بالمفاجأة أيضاً، فالجيوش على دين ملوكها، كما أنّ السياسة السورية معلنة وليست بحاجة لاستنتاجات وتساؤلات، ففي كثيرٍ من المناسبات قال الرئيس الأسد "إنّ الأولوية لتطهير إدلب من الإرهاب، والخطوة التالية هي شرق الفرات"، ولكن بعيداً عن ظنون أردوغان الآثمة دوماً، ألم يكن من حُسن الفطن أن يوافق على الاتفاق-شروط حلف دمشق- أثناء المفاوضات بين الوفود في تركيا أو روسيا دون الحاجة لسفك بعض ماء الوجه في موسكو؟ أوليس رأس الحكمة الذهاب إلى دمشق مباشرة دون الحاجة لسلالم من موسكو أو طهران عند كل شجرة؟