الامام السجاد(ع).. وموقفه من ثورات زمانه
جميل ظاهري
رغم أن الامام علي بن الحسين (ع) كان ابن اثنتين وعشرين سنة عندما حصلت واقعة كربلاء وقتل الامام الحسين (ع) إلاّ أنه نجا من القتل بعناية الله تعالى حيث كان مريضاً طريح الفراش لا يقوى على حمل السلاح، فاستلم زمام الامامة ليكمل مسيرة أبيه الحسين (ع) في مواجهة الطغاة ونشر تعاليم الاسلام الحنيف.
امتاز الامام علي بن الحسين (ع) بقوة الشخصية وبعد النظر فضلاً عن العلم والتقوى حتى عرف بـ"زين العابدين"، حيث كرس حياته لإبراز خصائص الثورة الحسينية وتحقيق أهدافها في مواجهة المشروع الأموي الذي كان يشكل الخطر الأكبر على الاسلام.
تجرع الإمام زين العابدين (ع) الكثير من الآلام بسبب ما أصابه من غم وهم الحوادث التي جرت على جده أمير المؤمنين وعلى أبيه الإمام الحسين وعلى عمه الإمام الحسن (عليهم السّلام)، وقد رأى خذلان الناس عن نصرة أبيه وحيداً، فريداً، عطشاناً على شط الفرات هذه التجربة أثرت في نفسه وتعلم منها دروساً واقعية مؤلمة واستخلص عبراً كثيرة في معرفة نفوس الناس وأحوالهم وأسلوبهم، ولم يكن للأئمة المعصومين: علي والحسن والحسين (عليهم السّلام) من سبيل أفضل مما فعلوه مع هذه الأمة، فالأساليب التي اتبعوها والمواقف التي اتخذوها مع الناس لم يكن أمامهم غيرها…
لم يستجب الامام زين العابدين(ع) لدعوة أهل العراق أو غيرهم بالثورة منها ثورة المدينة بقيادة عبد الله بن حنظلة الأنصاري الذي طرد آل أمية من المدينة. وبعدها ثورة مكة بقيادة عبد الله بن الزبير التي لم تنتهِ إلاّ بعد محاصرة مكة ورميها بالمنجنيق، ثم انفجرت ثورة التوابين بقيادة سليمان بن صرد الخزاعي تحت شعار "وجوب التكفير عن ذنبهم لعدم نصرتهم الامام الحسين (ع)".
وأخيراً جاءت ثورة المختار الثقفي الذي تتبَّع قتلة الامام الحسين (ع) فقتل منهم مائتين وثمانين رجلاً منهم عبيد الله بن زياد وعمر بن سعد والشمر بن ذي الجوشن.
لقد بيّن الامام السجاد (ع) ذلك واتخذ موقفاً حاسماً واضحاً تجاه كل هذه الثورات التي قامت ضد طغيان وانحراف بني أمية، خلال خطبته (عليه السّلام) أمام أهل الكوفة بعد استشهاد أبيه الإمام الحسين (عليه السّلام) قال: (رحم الله امرئً قبل نصيحتي وحفظ وصيتي في الله ورسوله وأهل بيته فإن لنا في رسول الله أسوة حسنة. فقالوا بأجمعهم: نحن كلنا سامعون، ومطيعون، حافظون لذمامك غير زاهدين فيك، ولا راغبين عنك، فمرنا بأمرنا يرحمك الله فإنَّا حرب لحربك وسلم لسلمك لنأخذن يزيد ونبرأ ممن ظلمك وظلمنا، فقال (عليه السّلام): هيهات هيهات أيها الغدرة المكرة حيل بينكم وبين شهوات أنفسكم أتريدون أن تأتوا أليّ كما أتيتم إلى آبائي من قبل؟! كلا! فإن الجرح لما يندمل، قتل أبي بالأمس وأهل بيتي معه، ولم ينسني ثكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وثكل أبي وبني أبي، وجده بين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي، وغصصه تجري في فراش صدري ومسألتي أن لا يكونوا لنا ولا علينا....
كما نرى في عبارات الإمام السجاد (عليه السّلام): (ولم ينسني ثكل رسول الله (صلى الله عليه وآله) وثكل أبي وبني أبي، وجده بين لهاتي ومرارته بين حناجري وحلقي وغصصه تجري في فراش صدري).
هذه الكلمات تحمل بين طياتها المرارة والألم الشديد في كل قطعة من جسم الإمام (عليه السّلام) والغصة ما برحت باقية في حلقه حزناً وكمداً من هذه التجربة المرة جعلته يتخذ موقفاً حاسماً لا مهادنة فيه بأن لا يكرر التجربة التي مرت على آبائه وأهل بيته يرفض الاستجابة لم يدعوه القيام بالثورة على الحكم الأموي دون أن يطمئن لأسباب الانتصار.
لقد كان الملوك الأمويون وولاتهم في عصر الامام زين العابدين(عليه السّلام) في أوج قوتهم في ملكهم ويشهد التاريخ بأنهم أشد الناس قسوة وانحرافاً عن الإسلام حيث وصل بهم الأمر إلى رمي الكعبة بالمجانيق وسبي المدينة وقتل ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله). وملوك عصره هم: يزيد بن معاوية ومعاوية بن يزيد ومروان بن الحكم، وعبد الملك بن مروان والوليد بن عبد الملك. وولاة عصره هم: الحجاج بن يوسف الثقفي وعبيد الله بن زياد وهشام بن إسماعيل والي المدينة.
وشهدت فترة حكم عبد الملك بن مروان نوعاً من الراحة القليلة لأهل البيت (ع) لأن عبد الملك حاول تجنّب دماء بني عبد المطلب كما يشير كتابه إلى الحجاج بن يوسف الثقفي إلاَّ أنه سرعان ما تبرَّم من وجود الإمام (ع) في المدينة المنورة بسبب تنامي خط المعارضة في الأمة، فأرسل إلى واليه على المدينة أمراً باعتقاله وإرساله مثقلاً بالحديد إلى دمشق لارغامه على التخلي عن مهمته الرسالية ولكن قوة الإمام ونفوذه حالت دون تنفيذ خطَّة عبد الملك فعاد الامام (ع) إلى حرم الرسول (ص).
وبعد ان توفى عبد الملك استلم الخلافة ابنه الوليد وتوّج أعماله بتدبير خطَّة قتل الامام (ع) ونُفذت هذه الخطة الاجرامية على يد سليمان بن عبد الملك في عهد الوليد من خلال سمّ دسَّه الى الامام السجَّاد (ع) حيث انتقل اثرها إلى جوار ربه ودفن الى جانب عمه الامام الحسن بن علي (ع) في مقبرة البقيع بالمدينة المنورة.