بعدَ نكبة "أرامكو": اليمن ينقل السعودية من مصدّر للنفط إلى مستورد له
اسماعيل المحاقري
هجمات "أرامكو" الأخيرة في حقلي بقيق وخريص، نقطة تحول في الحرب الظالمة المفروضة على اليمن منذ خمس سنوات. ليس لحجم ما خلفته من أضرار في المصفاتين السعوديتين المستهدفتين، بل لأن تأثيراتها على أسواق الخام والمنتجات النفطية لا زالت تتفاعل في العالم ملقية بظلالها على الاقتصاد السعودي المترنح والذي من المستبعد أن يتعافى سريعًا وفق كثير من خبراء السياسة والاقتصاد.
السعودية، ورغم ما تلوكه من ادعاءات وتسوقه من تطمينات خلال الفترة الماضية لحفظ سمعتها والقيمة الحقيقية لشركة "أرامكو"، إلا أنها تعول كثيرًا على ردود الفعل الأمريكية والدولية لتؤكد مجددًا أنها أقل من أن تكون دولة مستقلة وليس قوة اقليمية فاعلة ومؤثرة.
وزير الطاقة السعودي عبد العزيز بن سلمان حاول طمأنة الأسواق العالمية بالقول "إن المملكة ستستعيد ما فقدته من إنتاجها النفطي بنهاية الشهر الجاري، لتعود الإمدادات إلى مستوياتها السابقة قبل الهجوم على منشأتين لأرامكو".
الامر من وجهة نظر كثير من الخبراء ليس واقعيًا، فتأثيرات الهجمات على حقلي بقيق وخريص كبيرة جدًا إذ أوقفت 7.5 مليون برميل من انتاج النفط السعودي اليومي، وهو أمر مهم بالنسبة للطلب العالمي واقتصاد المملكة ما يجعل الأخيرة في سباق مع الزمن لمعالجة الأضرار التي لحقت بحقليها قبل نهاية الشهر الجاري.
يتمتع حقل بقيق بأهمية دولية، كونه يربط السعودية بالبحرين من خلال خط أنابيب النفط الخام الذي أنشئ في عام 1945 وتبلغ سعته 350 ألف برميل يوميًا.
الشفافية في التعاطي السعودي مع الأزمة النفطية تغيب تمامًا. هذا هو الواضح، فالأخبار عن قدرة "أرامكو" على إصلاح الأضرار خلال ثلاثة أسابيع تتضارب مع أخبار أخرى تناقلتها مختلف وسائل الإعلام الغربية تؤكد أن الأضرار كبيرة وقد تستغرق أشهرًا لإصلاحها، وبالتالي فإن أسعار النفط قد ترتفع في أي وقت وإلى معدلات قياسية لعدم تقديم المملكة تقييمًا ملائمًا وخطة واضحة ومزمنة للمعالجة وكون الفائض السعودي لا يلبي احتياجات الأسواق لأكثر من ثلاثة أسابيع.
ويعزو مراقبون تعافي الأسهم السعودية وتراجع أسعار النفط بعد أن سجلت في أعقاب الهجوم على "أرامكو" الارتفاع الأكبر للتعاملات اليومية منذ التسعينيات إلى ثلاثة عوامل رئيسية أولها قدرة المملكة على تعويض ما خسرته من القدرة الانتاجية للنفط من خلال السحب واستنزاف المخزون الاستراتيجي، وذلك لن يدوم طويلًا لأنها بحاجة لما يقارب 120 مليون برميل خلال ثلاثة أسابيع فقط مما يضعف موقفها في المستقبل تجاه حدوث أزمة نفطية وبالتالي ستضطر لأن تصبح مشتريًا كبيرًا للمنتجات المكررة لتغطية تعهداتها وهذا ما يحصل بالفعل.
العامل الآخر في تراجع أسعار النفط هو "التخمة" في الأسواق العالمية والوفرة في المعروض، في ظل ارتفاع مخزونات الخام وتباطؤ الطلب عليه وفق تحذيرات وكالة الطاقة الدولية في الأسابيع التي سبقت الهجوم مع اتفاق بعض الدول المصدرة للنفط بخفض الانتاج أكثر من المتفق عليه للحفاظ على مستويات أسعار مناسبة.
وأخيرًا، كان إعطاء الرئيس الأمريكي الضوء الأخضر لتغطية النقص في السوق العالمية من مخزون الولايات المتحدة الاستراتيجي عاملًا مهمًا في تراجع الأسعار، وهي مسألة مرتبطة بحسابات ترامب الانتخابية ولا علاقة لها بالسعودية التي التزمت مرارًا وتكرارًا بتخفيض أسعار النفط كي تحظى بالحماية الأمريكية.
الخيارات المطروحة لمواجهة المخاطر المحدقة بعصب الاقتصاد السعودي لن تجدي نفعًا إن لم يكن على رأسها وقف العدوان على اليمن كمقدمة الزامية لاستقرار المنطقة والعالم، فالتداعيات آخذة في التصاعد ولن تنتهي على المدى القريب مع الأخذ بعين الاعتبار أن المنشآت والحقول السعودية معرضة للقصف والتدمير في أي وقت ولحظة والذي وصل إلى بقيق قد يصل إلى الغوار أكبر حقول المملكة النفطية.
حقل خريص هو ثاني أكبر حقل في السعودية ويحتوي على أكبر معمل لانتاج الزيت في العالم حيث تبلغ طاقته الإنتاجية 1.45 مليون برميل يوميًا من النفط.
صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية بدورها جددت التأكيد أن المملكة تتطلع لاستيراد النفط للحفاظ على تدفق صادراتها. وقالت في تقرير لها إنه بعد وقت قصير من الهجمات على أكبر منشآت النفط في المملكة، تتواصل الأخيرة مع المنتجين الأجانب للحصول على النفط الخام والمنتجات البترولية الأخرى، مما يزيد من تدفقاتها التجارية المعتادة لسد الفجوات في إمداداتها.
وقال شخصان مطلعان على المسألة للصحيفة إن السعودية طلبت من شركة النفط الوطنية العراقية، "سومو"، ما يصل إلى عشرين مليون برميل من النفط الخام لتزويد المصافي المحلية في المملكة.
وقال متعاملون إنه ليس من الواضح ما ستكون عليه صادرات منتجات أرامكو في سبتمبر، مضيفين أن أرامكو تسعى هذا الأسبوع لاستيراد ثلاثمئة ألف برميل إضافي من المنتجات النفطية يوميا.
كما لفتت الصحيفة الثلاثاء الماضي في تقرير آخر الى أن السعودية اضطرت إلى إجراء تعديلات على الدرجات الخام التي تقدمها للعملاء إذ أخبرت أرامكو مصافي التكرير الهندية أنها لا تستطيع تسليم الخام العربي الخفيف عالي الجودة الذي طلبته وبدلاً من ذلك، سترسل الخام الثقيل الأقل درجة، وسبق لأرامكو أن استبدلت خمس شحنات من النفط العربي الخفيف لا- بما في ذلك اثنتان متجهتان إلى الصين- بنفط ثقيل من محطة رأس تنورة في المقاطعة الشرقية هذا الأسبوع.
وعلى حساب تراجع انتاج النفط السعودي وتأجيل صادرات بعض شركات التكرير الآسيوية، قالت شركة روسنفت الروسية المُنتجة للنفط إن رئيسها إيجور سيتشن بحث مع الحكومة الهندية احتمال زيادة إمدادات النفط الروسية، مع تقلص العمليات في مصفاتي ساسرف وبترورابغ للنفط والبتروكيماويات شرقي السعودية بما يصل إلى 40%.
صندوق النقد الدولي أكد هو الآخر ان نمو الاقتصاد السعودي لعام 2019م سيسجل انخفاضًا بنسبة 2.2 % عما كان عليه في العام الماضي، وان ذلك متوقف كثيرًا على حجم انتاج النفط فيما يتعلق بحصص اوبك. وبالإشارة إلى الطرح العام الأولي لأرامكو فلا خيار أمام النظام السعودي سوى التأجيل حتى كسب ثقة المستثمرين من جديد.
وفي خضم كل هذه الأحداث المتسارعة، تقف الرياض مكتوفة الأيدي تنتظر الموقف الأمريكي، إلا أن ترامب الذي أحالت وزارة الحرب الأمريكية الأمر إليه في اختيار الرد المناسب على هجمات "أرامكو" سيجد في ذلك فرصة أكبر لتوسيع "عمليات الحلب" التي يجيدها ويتقنها.
ومن حيث الأهمية، حقلا بقيق وخريس النفطيان لا تقتصر أهميتهما على مستوى السعودية بل تمتد لتتربع في الصفوف الأولى في تصنيف حقول النفط في المنطقة والعالم. إذ إن حقل بقيق النفطي يضم أكبر مرافق معالجة الزيت في السعودية وتتم معالجة 70% من إنتاج أرامكو للزيت الخام بما يعادل 6% من إجمالي الاستهلاك اليومي العالمي للطاقة النفطية.
هذا ويقدر إجمالي الاحتياطيات المؤكدة فيه بحوالي 22.5 مليار برميل ويتركز الإنتاج على 400 الف برميل يوميًا وقرابة 210 ملايين قدم مكعبة من الغاز يوميًا اضافة الى إنتاج 200 ألف برميل من سوائل الغاز الطبيعي.
ويتمتع حقل بقيق بأهمية دولية، كونه يربط السعودية بالبحرين من خلال خط أنابيب النفط الخام الذي أنشئ في عام 1945 وتبلغ سعته 350 ألف برميل يوميًا، كما يتم ضخ معظم إنتاجه عبر خط أنابيب النفط الخام شرق - غرب. وتجدر الإشارة هنا إلى توقفه نتيجة ضربة عملية توازن الردع الثانية.
أما بالنسبة لحقل خريص فيعتبر ثاني أكبر حقل في السعودية ويحتوي على أكبر معمل لانتاج الزيت في العالم حيث تبلغ طاقته الإنتاجية 1.45 مليون برميل يوميًا من النفط ويقع على بعد حوالي 250 كم من جنوب غرب الظهران و 150 كم من شمال شرق الرياض والمجاور لحقل الغوار أكبر حقل نفط في العالم.