طهران تحرق آخر أوراقه الانتخابية
ما يميز اميركا عن الدول الاخرى في العالم هو ماهيتها الاستكبارية والسلطوية التي تمارسها على الاخرين بصفتها أكبر قوة في الارض يحق لها ذلك وهذا ما يجعلها في حل من اي التزام وحتى عندما توقع اتفاقية مع الدول الاخرى لا ترى نفسها ملزمة بتطبيقه وهذا ما يهدد الامن والسلم العالمي لانها تشرع باب قانون الغاب. ففي الاتفاق النووي ذهبت الى أبعد الحدود لخرق القانون الدولي لانه لم يكن اتفاقاً ثنائياً حتى تتنصل منه بسهولة، فقط كان اتفاقاً دولياً جمع (5+1) اضافة الى مصادقته من قبل مجلس الأمن الدولي لكن مع كل ذلك فان اميركا الترامبية انسحبت منه ببساطة وتخلت عن جميع تعهداتها ولم تكتف بذلك وبعد اسبوعين من الانسحاب اعلن بومبيو عن وضع 12 شرطاً للتفاوض مع ايران للتوقيع على اتفاقية جديدة، لكن ايران الواثقة بنفسها قيادة وشعبا رفضت الاقتراحات الاميركية جملة وتفصيلا ودعتها الى العودة عن قرارها والقبول بالاتفاقية النووية كما هي والغاء جميع العقوبات الجديدة التي فرضتها حتى تمهد الطريق الى المفاوضات وفي اطار (5+1) وليست ثنائية.
غير أن أميركا اخذت لاحقاً تلف وتدور وتماطل لجر ايران الى طاولة المفاوضات واستخدمت كل اوراقها في التهديد والضغط لكنها أصطدمت بالباب المسدود لذلك أضطر بومبيو وزير الخارجية الاميركي وبعد 16 شهراً أن يعلن من جديد أستعداد واشنطن للدخول في مفاوضات مع ايران ودون أية شروط مسبقة، لكن جواب طهران بقي نفسه بانه لا مفاوضات مع طرف منفلت وغير موثوق به ولا يلتزم بأي من تعهداته. هذا التذبذب الصارخ والتخبط الواضح في المواقف الاميركية يعود لأمرين.. الاول قد يكون لشدة الارتباك والعجز وعدم وجود استراتيجية واضحة تجاه ايران وغيرها وهذا ما دفع بالرئيس ترامب ان يغيّر في عهده اربعة مستشارين للامن القومي وكان جان بولتون والخامس. والثاني انها سياسة مقصودة الهدف منها كما قال الامام الخامنئي حفظه الله انها خدعة لارباك الطرف الاخر لكن ليعلم ساسة البيت الابيض ان ايران لا تعرف الارتباك وان طريقها واضح وتعرف ماذا تفعل.
لكن مع اقتراب اجتماعات الجمعية العامة للامم المتحدة وزيارة الرئيس روحاني الى نيويورك كثرت التكهنات المقصودة في الاوساط الاعلامية الغربية حول احتمال لقاء الرئيسين روحاني وترامب على هامش اجتماعات هذه الجمعية والتاكيد على ان هذا اللقاء سيؤدي الى الانفراج وسيضع حدا لمشاكل ايران الاقتصادية واذا ما تعذر هذا اللقاء فان الاخطار ستحدق بايران.
لكن الحقيقة هي في مكان آخر لان كل ما تمارسه أميركا في استخدام ضغوطها القصوى ضد ايران هو جرها لطاولة التفاوض لتكون ورقة انتخابية رابحة بيد الرئيس ترامب بعد أن أحترقت جميع أوراقه الانتخابية سواء في كوريا الشمالية أو فنزويلا أو افغانستان أو المنطقة ولم تبق الا هذه الورقة التي احرقها الامام الخامنئي في خطابه أمس عندما اعلن ان جميع مسؤولي البلاد يرفضون أي تفاوض مع الرئيس ترامب أو اي مستوى كان وهذه استراتيجية الجمهورية الاسلامية التي هي استراتيجية العزة والكرامة.
ولا نذيع سراً ان اميركا المتغطرسة لا تعترف بالمفاوضات مع الآخرين بل ان كل ما تريده من ايران أن ترضخ لمطالبها وهذا ما اعلنه مسؤول اميركي وبكل وقاحة وصلافة، لكن ما ثبت على أرض الواقع حتى الان ان سياسة ايران المقاومة والعقلانية هزمت السياسية المتغطرسة والهوجاء الاميركية في استخدام الضغوط القصوى التي تمثلت في حربها الارهابية الاقتصادية ضدها والتي فشلت باعتراف الاوساط السياسية الغربية وحتى الاميركية.
وآخر محاولة بائسة للرئيس ترامب لأستخدامها كورقة انتخابية هو توجيه اصابع الاتهام لايران بضربها للمنشآت الحيوية لآرامكو عسى أن يجرها لطاولة المفاوضات ويخرج منتصراً أمام شعبه والعالم بان محاولاته أفلحت في جر ايران لمائدة المفاوضات لكن هيهات وهيهات ان يحلم حتى بذلك.