ماذا حققت المقاومة في المواجهة الأخيرة؟
شارل ابي نادر
بمعزل عن المعادلات التي ثبتها حزب الله في عمليته الأخيرة "افيفيم"، والمتعلقة بفرض عودة العدو الاسرائيلي إلى الالتزام بقواعد الاشتباك المعروفة، يمكن القول ان الحزب كشف بادارته للمواجهة الأخيرة، عسكريًا وسياسيًا، أكثر من نقطة مهمة، يجدر التوقف عندها والإضاءة عليها وهي:
أولًا: بنتيجة خوف العدو من حتمية تنفيذ رد على اعتدائه على عناصر الحزب في سوريا وارتقاء شهيدين، ولجوئه الى تخبئة المدنيين ووحداته العسكرية على كامل المناطق الحدودية، مع تجميد جميع نشاطاتهم العسكرية، انخفض مستوى القدرة الدفاعية للعدو على حدوده الشمالية الى درجة متدنية جدًا، فماذا يمنع مستقبلًا من اعتماد الحزب مناورة تهديد العدو بعملية مماثلة، مما يخلق الفرصة المناسبة والإمكانية المرتفعة لتنفيذ المقاومة اختراقًا واسعًا لتلك الحدود، وعبر عشرات المواقع على كامل خط المواجهة؟
ثانيًا: كشف حزب الله ايضًا، وخلال إدارته للاشتباك الأخير مع العدو، أن العدو عاجز في المواجهة مع لبنان، عن التعامل مع أي توتر حدودي أو أزمة أمنية حدودية أو تهديد عادي، بطريقة طبيعية، تسمح له بالسيطرة على الموقف، وذلك بعيدًا عن المواجهة الواسعة أو الحرب الشاملة، بمعنى أنه خارج تلك المواجهة الواسعة، لا يملك العدو القدرة على إدارة أي أزمة أمنية أو عسكرية حدودية، الأمر الذي يُستنتج منه أن "اسرائيل" وعند صعوبة أو استحالة دخولها في مواجهة واسعة - وهذه الحالة هي واردة دائمًا لأنها أصبحت مقيدة بمعادلة الردع وتوازن الرعب التي فرضها حزب الله - هي دائمًا خاسرة، وعلى الأقل، مكبّلة ولا تملك قرار الفعل، كما أنها ستكون (خارج الحرب الواسعة) فاقدة لردة الفعل المناسبة، وذلك على عكس موقفها داخل الأراضي المحتلة في فلسطين، وخاصة في الضفة الغربية، حيث تمارس العديد من إجراءات التعسف والتنكيل والاعتداء، في مسار روتيني يومي، من دون أن تذهب إلى مواجهة واسعة.
ثالثًا: قد تكون هذه النقطة هي الأهم بين ما ذكر اعلاه من نقاط، وهي أن المواجهة الأخيرة مع العدو، سلّطت الضوء على الإستراتيجية الدفاعية في لبنان، والتي يتكلم فيها الجميع، من أصحاب النوايا الحسنة او السيئة، لناحية أحد أهم عناصرها وهو قرار الحرب والسلم، وذلك من خلال ما اظهره قرار المجلس الأعلى للدفاع دعم وتغطية أي رد تقوم به المقاومة على الاعتداء الإسرائيلي المزدوج على لبنان، فكان هذا القرارالمدعوم من أغلب القوى السياسية الرسمية والشعبية، بمثابة تبنٍّ رسمي للرد بشكل كامل، ولا يختلف أبدًا، في المضمون وفي الشكل، عن كونه قرارًا سياديًا من الحكومة باعلان الحرب والذهاب نحو الحرب، ردًا على العدوان، مع الالتزام بكل ما يمكن أن ينتج عنه من تداعيات.
من هنا، يمكن أن نستنتج قيمة الموقف القوي والجريء لحزب الله ردًا على الاعتداء الإسرائيلي، لناحية تثبيت قواعد الاشتباك القائمة أساسًا مع العدو، أو لناحية خلق قواعد اشتباك جديدة حول عدم اختراق الأجواء اللبنانية، هي على طريق التبلور، أو لناحية إظهار نقاط ضعف العدو وعوراته، أو لناحية إظهار أحد أهم عناصر الإستراتيجية الدفاعية، والذي هو "قرار الحرب والسلم" كيف يمكن أن يكون أو أن يتم إخراجه، بما يؤمن الوحدة الوطنية وحماية ومصلحة وسيادة الدولة.