لا مكان لاوكرانيا في الحلف الاطلسي!
اسيا العتروس
حلف الناتو يخذل زيلنكسي ويوجه له صفعة مؤكدا ان لا مكان لاوكرانيا في الحلف الاطلسي .. مفارقة عجيبة يقف عليها المتتبع لتطورات الحرب بين روسيا واوكرانيا في ظل استماتة الغرب و سخاءه الامحدود في دعم كييف ماديا و عسكريا واستقبال رئيسها الممثل المسرحي السابق زيلنسكي في مختلف المحافل الدولية و الاقليمية و فرض العقوبات المالية على الاقتصاد الروسي و الدعوة لملاحقة الرئيس الروسي بوتين امام الجنائية الدولية و حث اورانيا على مواصلة الحربدون هوادة ومهما كانت التكاليف …ولكن و في المقابل فان الغرب ذاته بزعامة امريكا واوروبا يرفض انضمام اوكرانيا الى مؤسساته سواء تعلق الامر بالاتحاد الاوروبي او بالحلف الاطلسي والرفض ظل مقترنا بأن اوكرانيا لا تستجيب لشروط القبول في هذه المرحلة …ولكن هذا الموقف قد لا يكون سوى الظاهر من اسباب الرفض في حرب لا يبدو أن هناك رغبة في الدفع لكبح جماحها أو التفاوض بشأن فرملتها و البحث عن حلول ديبلوماسية تهيئ الارضية للسلام و تخفف اعباء هذه الحرب التي اثقلت كاهل مختلف شعوب العالم التي تدفع بطريقة او باخرى ثمن الحرب و تداعيات ندرة القمح و الارتفاع غير المسبوق في المحروقات على امنها الغذائي و سلمها الاجتماعي المهدد..
الرئيس الاوكراني زيلنسكي وجد نقسه مجبر على ابتلاع الحبة على مرارتها و بعد اكثر من عام و نصف على اندلاع الحرب و مناشداته و توسلاته للغرب بقبول عضوية بلاده في الحلف الاطلسي أقرصراحة باستحالة تحقيق هذا الامرقبل نهاية الحرب الراهنة و قال الرئيس الاوكراني ” نتفهم أننا لن نصبح عضوا في الناتو ما دامت هذه الحرب مستمرة، ليس لأننا لا نريد ذلك بل لأن ذلك مستحيل…”وفي ذلك اقرارمتاخر بحقيقة معلومة طالما أنكرها زيلنسكي الممثل المغمور الذي قادته الصدفة الى عالم السياسة و الذي يكتشف ربما متاخرا الفارق بين الواقع السياسي و بين اوهام السياسة التي دفعته الى الدخول في حرب مدمرة لا يريد لها مهندسها أن تنتهي قبل تحقيق اهداف حلفاء زيلنسكي وتحديدا واشنطن منها …وربما كان زيلنسكي يتوهم أن انضمام بلاده للحلف الاطلسي مسألة محسومة بمجرد اندلاع الصراع مع روسيا , اعترافات زيلنسكي تأتي قبل نحو شهر من قمة الحلف الاطلسي المرتقبة في جويلية بالعاصمة الليتوانية فيلينيوس , و يبدو أن زيلنسكي بات مقتنعا أن أكثر ما يمكن أن يتوقعه من القمة مزيد المساعدات المالية و العسكرية لاوكرانيا لمواصلة الحرب الى اجل غير مسمى …
و قد اكد الامين العام للحلف الاطلسي رزنامة القمة القادمة للناتو و أعلن المستشار الألماني أولاف شولتس، قبل يومين أن قمة حلف شمال الأطلسي المقررة في العاصمة الليتوانية فيلينوس ستكرس “خصوصا” لتقديم دعم ملموس إلى أوكرانيا.
و كان المستشار الالماني واضحا في ردوده على اسئلة الصحفيين بشأن احتمال انضمام أوكرانيا إلى الحلف من عدمه بالتاكيد على أن “ما سيحصل في فيلينوس قبل كل شيء هو تنظيم دعم ملموس لأوكرانيا في هذا الوضع وأن القضية التي علينا أن نجيب عنها الآن هي الآتية: كيف علينا أن نُفهم بعضنا البعض أننا سنحافظ على هذا الدعم ما دام ذلك ضروريا”…بما يوحي ضمنيا بأن مسألة التمويلات و السخاء الاوروبي ازاء أوكرانيا لم يعد أمرا يحظى بالاجماع بعد أن طال أمد الحرب و يبدو أن بعض الاطراف في دول الاتحاد الاوروبي بات تطرح هذه المسألة والى متى يمكن أن تستمر التمويلات في ظل غياب أفق لانهاء الصراع …
وهذا الموقف لا يعني بأي حال من الاحوال أن زيلنسكي الذي ظل يطالب بالحاح في مختلف العواصم والمؤسسات الاوربية بفتح الابواب الموصدة امام بلاده للانضمام الى الاتحاد الاوروبي و الحلف الاطلسي سيغيب عن القمة و الارجح أنه سيكون مجددا ضيف شرف في القمة لمخاطبة الرأي العام الدولي و لكن سيتعين عليه تخفيض توقعاته بشأن انضمام بلاده الفوري الى الناتو لعدة اعتبارات …
و يبدو واضحا من خلال تصريحات ينس ستولتنبرغ الأمين العام لحلف شمال الأطلسي أن هناك انقسام واضح و معلن بين أعضاء الحلف في شأن انضمام أوكرانيا…وهذا التناقض الصارخ لدول الناتو بين سخائها في تمويل اوكرانيا لمواصلة الحرب و بين رفضها انضمام اكرانيا للحلف يؤكد أن هناك محاذير , وأن هناك خطوط حمراء في التعاطي مع هذه الحرب و ان الحلف لا يريد ان يكون في قيادة هذه الحرب و مواجهة روسيا بالنظر الى ان ميثاق الناتو يقرفي البند الخامس منه بان أي اعتداء على أي عضو من اعضاء الحلف بمثابة الاعتداء على كل أعضاءه و هو ان حدث سيؤدي حتما الى وقوع المحظور حتى الان و الى الانسياق وراء اخطر السيناريوهات و استخدام ما لم يقع استخدامه حتى الان من أسلحة واستفزاز روسيا و دفعها الى الخيار النووي الذي نعتقد أنه السيناريو المستحيل لانه سيكون وبالا على الجميع و لن يكون فيه خاسر و لا رابح ..و مع ذلك نقول أن لكل حرب مجانينها و لكل حرب حساباتها و ما يمكن أن يبدو مستحيلا اليوم قد لا يكون كذلك مستقبلا ..و طالما ظل الصوت الوحيد المدو هو صوت القنابل و الصواريخ و طالما ظلت الحكمة غائبة و طالما ظلت لعبة الحسابات هي الطاغية فان كل السيناريوهات تبقة قائمة .
و في انتظار ما يمكن ان تؤول اليه الاحداث ميدانيا الى غاية انعقاد قمة الناتو تستمر الحرب بين الجانبين و معها تستمر الحملات الدعائية و الحرب الكلامية و ادعاء كل طرف التقدم ميدانيا على ارض المعارك , فان لغة الارقام تشير الى أن الدعم المالي و العسكري و اللوجستي لاوكرانيا سيستمر و التقارير المسربة تؤكد أن ما حصلت عليه اوكرانيا في السنة الاولى من الحرب خلال 2022 يتجاوز ميزانية ايطاليا
وتبقى واشنطن الممول الاساسي لزيلنسكي و المزود الاهم للحليف الاوكراني بالمعدات العسكرية …وتشير لغة الارقام الى أن أوكرانيا تلقت خلال الحربها ضد روسيا أضخم مساعدات عسكرية من الولايات المتحدة تفوق قيمتها 70مليار دولار ..و قد تجاوزت قيمة المدفوعات إلى أوكرانيا حجم الإنفاق العسكري السنوي لواشنطن خلال حربها في أفغانستان، من سنة 2001 إلى غاية 2010، بحسب معهد كييل للاقتصاد العالمي، و هذا ما يفسر تواتر الانتقادات داخل صفوف الجمهوريين انفسهم بشأن حجم المساعدات و الذين يعتبرون صراحة انه يجب وقف هذا المساعدات التي اثقلت كاهل دافعي الضرائب …و ربما يعتقد بايدن انه لن يخرج عن القاعدة التي تعتبر ان لكل رئيس امريكي حربه و الحرب الروسية الاوكرانية هي ايضا حربه التي ستضاف الى سجله اذا ما اصر على خوض سباق الانتخابات الرئاسية في 2024 بعد تعثره و سقوطه ارضا خلال حفل تخرج دفعة من طلبة في أكاديمية القوات الجوية الأمريكية، أمام تسع مائة طالب …سقطة بايدن لم تكن الاولى و لكن يبدوانها الاعنف …وليس من الواضح ما اذا ستدفع الرئيس الامريكي الى اعادة حساباته و اولوياته في المرحلة القادمة مع دخول الحرب نقطة الاعودة على الارجح…