kayhan.ir

رمز الخبر: 168635
تأريخ النشر : 2023May03 - 21:19

الإقليم بين أزمات تنتهي… وأخرى تتجدّد (السودان)

 

د. جمال زهران

في الوقت الذي بدأت فيه بعض الأزمات العربية في الإقليم، تلتئم جراحها، وستبدأ في استرداد عافيتها، والخروج بالإقليم إلى برّ الأمان، حتى تفجّرت أزمة جديدة وهي السودان والمرشحة للدخول في حرب أهلية في ضوء انقسام الجيش. فقد شهد الواقع في الإقليم، تغيّرات حادة، قد يصعب تصوّر حدوثها، وذلك مع دخول الاتفاق السعودي الإيراني، برعاية صينية، حيّز التنفيذ. حيث دخلت أزمة اليمن بعد ثمانية أعوام، طريقها للحلّ، وأعلنت السعودية عن توقف الحرب والقتال، وأعلمت المجلس الرئاسي اليمني الذي كانت قد عيّنته بإرادة منفردة، وشكلت وفداً مشتركاً مع مسؤولين من سلطنة عُمان، للذهاب إلى صنعاء والالتقاء مع الحوثيين، للوصول إلى حلّ نهائي للحرب في اليمن، ووضعه على طريق جديد، اعترافاً بالأمر الواقع.

في الوقت نفسه، توجّه وزير خارجية المملكة، إلى سورية، والتقى مع نظيره السوري، واستقبله رئيس الجمهورية د. بشار الأسد، وصدرت بيانات رسمية عن قرب عودة العلاقات الدبلوماسية، ودعوة الرئيس الأسد لزيارة المملكة ولقاء الملك سلمان، عقب إجازة عيد الفطر، وذلك في إطار التمهيد لاستعادة سورية لدورها الإقليمي، وهو مشهد كان يصعب تصوّره لدى أدقّ كتاب السيناريوات الخيالية في الدراما.

كما أنّ المملكة، عقدت اجتماعاً مع دول الخليج وبمشاركة مصر والعراق والأردن، لتنسيق المواقف بشأن عودة سورية للجامعة واستعادة مقعدها الشاغر منذ عام 2011 وحتى الآن، خاصة بعدما تردّد أنّ هناك بعض الدول الخليجية ترفض عودة سورية، فما كان من المملكة أن أسرعت بعقد الاجتماع، حيث أنها الدولة التي سيُعقد فيها مؤتمر القمة العربية في 19 مايو/ آيار (2023)، وتولي رئاسته للعام المقبل، وتفضل المملكة أن تتمّ تسوية المواقف والأزمات، في إطار الإعداد الجيد الذي يساعد في نجاح القمة العربية المقبلة، وعودة الفعالية للعمل العربي المشترك.

وفي أعقاب هذا المؤتمر التمهيدي والتنسيقي والذي صدر عنه بيان مشترك، اتفقت فيه كلّ الأطراف على عودة سورية، قام وزير خارجية المملكة بإتمام زيارة سورية، كما أشرت. وكانت المفاجأة هي في ذلك الإعلان السعودي، بمطالبة القوات الأميركية بالانسحاب الفوري من سورية، وربما في الغد تطالب المملكة، تركيا، لتسوية الأزمة السورية بشكل كامل ونهائي، وذلك تكفيراً للذنب عما ارتكب في حق سورية وشعبها!

فضلاً عن ذلك، فقد اتجهت الأنظار لحل الأزمة اللبنانية وقرب انفراجها بانتخاب رئيس جديد واستقرار أوضاعها الاقتصادية، وكذلك العراق، وربما تكون ليبيا في الطريق، رغم أنّ المملكة ليست طرفاً مباشراً فيها!

ووسط هذا الجو التفاؤلي الجيد، نفاجأ بانفجار الأوضاع في السودان، وتعرّض الدولة والشعب لحرب بين فصيلي القوات المسلحة، صراعاً على السلطة والسعي نحو الانفراد بها سواء من عبد الفتاح البرهان (قائد الجيش الرسمي)، أو من حميدتي (قائد قوات التدخل السريع). والوضع مرشح للتصعيد بشكل يُنبئ عن صعوبة توقف الحرب بين الطرفين، التي أدّت بالبلاد إلى الوصول إلى حالة الشلل الكاملة. وقد راح ضحية الـ (15) يوماً الأولى، أكثر من (300) قتيل، ونحو (3000) مصاب، وأغلب المستشفيات أضحت خارج الخدمة! وأغلب الضحايا والمصابين، هم من المدنيين حسب تقرير منظمة الصحة العالمية.

وقد تردّدت حتى الآن أنباء عن تدخلات إقليمية من هنا وهناك، ربما تزيد من صعوبات التوقف عن الاستمرار في الحرب، وزيادة الخسائر البشرية والاقتصادية، مما يسهم في توليد أزمة جديدة في الإقليم، هي “الأزمة السودانية”. ولعلّ ما يتفق عليه الطرفان المتقاتلان هو، الحيلولة دون تمكين القوى المدنية (التغيير والديموقراطية) من تنفيذ الإطار الاتفاقي الذي بموجبه، تعود الحياة المدنية في إطار مشروع للتغيير، مع انسحاب الجيش من الحياة السياسية. ولذلك فإنّ السودان أصبح ساحة جديدة لأزمة مستحكمة على السلطة، ربما يمتدّ أجلها وقتاً طويلاً، تسدّ فيه فراغ الإقليم من أزماته، التي لا تنتهي. وربما لاحظنا أنّ الإقليم العربي شرقاً، بدأ في دخول دائرة الاستقرار وحلّ الأزمات، بينما الإقليم غرباً، يبدأ سلسلة الأزمات، بانفجار السودان، ولا ندري هل يتوقف الأمر عند السودان ومن قبل ليبيا، أم يمتدّ ليشمل دولاً أخرى. وأعلنها بصوت عال، نحن في خطر حقيقي.

فالحصار بدأ يضيق وتتزايد حلقاته ومخاطره، حول مصر، وربما دول عربية أخرى.