العبث بأمن المنطقة.. محاولة أمريكية لوضع العصي في عجلة التقارب بين دولها
سعيد محمد
خلال الايام القليلة الماضية، شهدت منطقة الشرق الاوسط، تحركات امريكية وبريطانية مريبة، تتراوح بين ارسال غواصة نووية، وقاذفات مقاتلة مزودة بقنابل خارقة للتحصينات، و القيام باستفزازات بحرية، ونشر اكاذيب عن وقوع حوادث امنية، هدفها توتير الاجواء في المنطقة، والايحاء بأن الامن معدوم فيها.
اللافت ان اهداف هذه التحركات الامريكية البريطانية تأتي في الوقت الذي تشهد منطقة الشرق اوسط، تقارب غير مسبوق بين دولها، وانفتاح بعضها على بعض، وكمثال على هذ التقارب يمكن الاشارة الى التقارب الايراني السعودي، الذي ساهم في حلحلة العديد من ازمات المنطقة، وهو ما ارتد ايجابا على كل دولها وشعوبها، بدءا من الازمة اليمنية ومرورا بالازمة السورية وانتهاء بلبنان، الامر الذي سحب البساط من تحت اقدام امريكا والكيان الاسرائيلي، الثنائي الذي يعتبر الخاسر الاكبر، من تقارب دول المنطقة، واستتباب الامن فيها.
يبدو ان امن واسقرار المنطقة ومصلحة شعوبها ودولها، هو آخر ما تفكر به امريكا، التي تعمل بكل ما تملك من نفوذ، لضرب كل توجه يمكن ان يساهم في خلق اجواء آمنة وايجابية بين دول المنطقة، لذلك يمكن وضع الحوادث التي شهدتها المنطقة خلال الايام القليلة الماضية، في خانة محاولات امريكا، لتأزيم الاوضاع وتوتير الاجواء، من خلال الاعيب وممارسات صبيانية، باتت مكشوفة، حتى للدول التي تعتبرها امريكا حليفة لها في المنطقة.
من الممارسات الامريكية الفاضحة، لتعكير صفو العلاقات بين دول المنطقة، قيام ناقلة نفط، تنقل حمولة أمريكية وترفع علم جزر مارشال، بالتصادم مع سفينة (لنش) ايرانية في مياه الخليج الفارسي، الامر الذي ادى إلى فقد شخصين وإصابة عدد آخر من أفراد الطاقم، وخلافا للوائح الدولية في مثل هذه الحالات والتي تقضي بمساعدة اللنش والمصابين، بادرت السفينة الى الهرب من الخليج الفارسي. وعلى الفور قامت القوة البحرية للجيش الايراني، باحتجاز السفينة المخالفة وقادتها إلى المياه الساحلية الايرانية.
من الممارسات الامريكية اليائسة الاخرى، لوضع العصي في عجلة التقارب بين دول المنطقة، هي ما نقلته صحيفة "وول ستريت جورنال" "من ان أميركا أرسلت مقاتلات بقنابل خارقة للتحصينات الى منطقة الشرق الوسط، بهدف ردع إيران"!!،
اللافت انه ليس هناك ما يستدعي كل هذا الحضور العسكري الامريكي المكثف في منطقة الشرق الوسط، خاصة في مثل هذه الظروف، التي وصفها جميع المراقبين، بانها ايجابية وغير مسبوقة.
قبل ذلك ذكرت وكالة بلومبيرغ الامريكية نقلا عن القيادة المركزية للقوات البحرية الأميركية، ومقرها البحرين، ان الغواصة النووية الأميركية "يو إس إس فلوريدا"، في طريقها إلى منطقة الشرق الأوسط، لـ"تعزيز الأمن والاستقرار البحري في المنطقة"!!.
صحيفة "وول ستريت جورنال"، نقلت بدورها عن عن مسؤولين أميركيين قولهم: ان "واشنطن تلقت معلومات عن تخطيط إيران لتنفيذ هجمات وشيكة في المنطقة، وأن نشر الغواصة هدفه ردع حلفاء إيران عن مهاجمة مصالح واشنطن وحلفائها"!!.
لا يحتاج المراقب لدليل من اجل تفنيد اكاذيب امريكا حول حرصها على المنطقة وامنها، فحكومات المنطقة، هي اكثر جهة حرصا على امنها، لذلك قررت ان تتجاهل الاكاذيب الامريكية، وان تعمل على تعزيز الاواصر التي تربطها وفي مقدمتها الجغرافيا الواحدة، والتاريخ الواحد، والمصير الواحد، والامن الواحد، والمصالح المشتركة، ولكن يبدو ان هذا التوجه لا يرضي امريكا التي ترى في الفوضى والنزاعات والفتن، ارضية مناسبة لتواجدها غير الشرعي في المنطقة.
اتساقا مع السياسة الامريكية في تسويق تواجدها العسكري في منطقة الشرق الاوسط، على انه الضامن لامنها واستقرارها، دخلت بريطانيا، الحليف الاوثق والاقرب لامريكا على خط تأزيم الوضع في المنطقة، عبر نشر اكاذيب في غاية السخف، لاسيما الكذبة التي روجت لها وكالة عمليات التجارة البحرية البريطانية ، يوم امس الجمعة، عندما ذكرت إن سفينة ترفع علم جزر كوك تعرضت لهجوم إلى الجنوب من بلدة نشطون الساحلية اليمنية، وإن أعيرة نارية أطلقت وإنه شوهد أيضا ثلاثة قوارب على متن كل واحد منها ثلاثة أو أربعة أشخاص.
هذا الخبر الذي انتشر كالنار في الهشيم، وتم تناقله على انه دليل اخر على انعدام الامن في المنطقة، تم التراجع عنه من نفس المصدر البريطاني، الذي اعلن ان السفينة لم تتعرض لـ"هجوم" ، بل "حادث".
هذه الممارسات الامريكية والبريطانية المبتذلة، ليست سوى حركات يائسة لوقف حركة التقارب المتسارعة بين دول المنطقة، والتوجه العام لدولها من اجل التحرك المشترك لحفظ امنها بعيدا عن العامل الاجنبي، الذي بات مصدر ازعاج حتى لحلفاء امريكا، وهذا بالضبط هو ما دفع كبير الباحثين في مركز دراسات الشرق الأوسط في امريكا، الدبلوماسي الأميركي السابق تشارلز دان، ليعلن صراحة أن قرار واشنطن نشر الغواصة "يو إس إس فلوريدا" التي تعمل بالطاقة النووية في الشرق الأوسط: "رسالة موجهة إلى السعودية وباقي دول الخليج الفارسي مفادها أن الدبلوماسية الصينية مفيدة فيما يتعلق بالحد من التوترات الإقليمية، ولكن المشاكل الرئيسية بين إيران ودول الخليج الفارسي لم يتم حلها، وبذلك تبقى أميركا هي الطرف الخارجي الأقوى والقادر على فرض الأمن في الخليج الفارسي"!!. فهل هناك نفاق افضح من هذا النفاق الامريكي؟
*