kayhan.ir

رمز الخبر: 168109
تأريخ النشر : 2023April24 - 22:17

توتر علاقات واشنطن بحلفائها العرب.. فرصة إيران والصين وروسيا لزيادة النفوذ

 

جمال واكيم

طهران تستفيد من التوتر في علاقات واشنطن مع عدد من العواصم العربية الحليفة لها لتعزّز فكرة أن نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط آيل للتراجع.

تواجه الولايات المتحدة تراجعاً في نفوذها في منطقة الشرق الأوسط، تُرجم تراجعاً في قدرتها على التأثير على حلفاء تقليديين لها مثل تركيا والسعودية، في ظل تصاعد لنفوذ خصومها الاستراتيجيين مثل إيران وروسيا والصين.

فقد تمكّنت روسيا من إقامة علاقات جيدة مع تركيا جعلتها تستفيد منها كوسيط في النزاع المندلع في أوكرانيا، وجعلتها تبعدها نسبياً عن الولايات المتحدة فيما يتعلّق بالحرب على سوريا، ما انعكس تبايناً بين أنقرة وواشنطن في مقاربة الموقف من الحرب على سوريا ومن دمشق.

بموازاة ذلك فإن الصين استطاعت أن ترتبط بعلاقات تحالف وطيدة مع إيران وفي الوقت نفسه إقامة علاقات قوية مع السعودية بما ساهم بتأدية بكين دور الوسيط بين الرياض وطهران لأول مرة في تاريخ الصين.

قلق أميركي من تصاعد النفوذ الصيني في الشرق الأوسط

هذا التطوّر جعل إدارة الرئيس جو بايدن توفد مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية ويليام بيرنز في جولة إلى الشرق الأوسط كان أهمها زيارته إلى السعودية للقاء ولي العهد محمد بن سلمان في سابقة غير معهودة.

ويبدو أن الأهمية التي توليها إدارة بايدن للتطوّرات الجارية في الشرق الأوسط وحساسية هذه التطوّرات بالنسبة لأمنها القومي جعلها تتجاوز القنوات الدبلوماسية التقليدية التي تمرّ عبر وزارة الخارجية وتعتمد على مدير وكالة الاستخبارات المركزية في التواصل مع القادة في الشرق الأوسط، على الرغم من النقد الكبير الذي أحدثه هذا الأمر في أوساط الخارجية الأميركية، علماً أن إدارة بايدن لم تعيّن حتى الآن سفيراً لها في المملكة.

تمّ التركيز في اللقاء بين بيرنز وابن سلمان على موضوعين رئيسيين يهمان واشنطن، هما طلبها من الرياض زيادة إنتاج النفط من قبلها ومن قبل منظمة الدول المنتجة للنفط "أوبك"، لتخفيض أسعار النفط، بعدما ساهم ارتفاعها في رفع نسب التضخم في الغرب وخصوصاً في الولايات المتحدة الأميركية، وأيضاً احتجاج واشنطن على عزم الرياض استيراد أسلحة من الصين، ما يكسر احتكار الولايات المتحدة والغرب للسوق السعودية الغنية المردود والأرباح، إضافة إلى أبعاد هذا الأمر الاستراتيجية لجهة تغلغل النفوذ الصيني في الشرق الأوسط على حساب النفوذ الأميركي.

الجدير ذكره أن معلومات تسرّبت عن عزم الرياض استيراد صواريخ باليستية من الصين في إطار برنامج سريّ تحت مسمّى "التمساح". وقد عبّر بيرنز عن قلق واشنطن من العلاقات المتنامية بين الصين والسعودية في ظل أنباء أخرى عن عزم الرياض بيع نفطها باليوان الصيني، ما يكسر احتكار الدولار الأميركي لمبيعات النفط السعودية لأول مرة منذ العام 1976 ويهدّد هيمنة الدولار على سوق النفط العالمي، في الوقت الذي تسعى فيه اقتصادات كبرى مثل روسيا والصين والهند وجنوب أفريقيا والبرازيل إلى التخلّي عن الدولار في تعاملاتها التجارية البينية.

أثار ذلك حفيظة النخبة السياسية الأميركية التي ناقشت تبعاته في جلسات الكونغرس الأميركي، مبدية قلقها من التقدّم الذي تحقّقه الصين وأيضاً روسيا في تطوير علاقاتها بدول الشرق الأوسط ومن ضمنها حلفاء للولايات المتحدة مثل السعودية والإمارات.

تراجع العلاقات مع الرياض وأبو ظبي

ويبدو أن تجاوز واشنطن للقنوات الدبلوماسية والاعتماد على مدير وكالة الاستخبارات المركزية في التواصل مع القيادة السعودية يعود إلى التدهور الكبير في العلاقات السعودية الأميركية في ظل إدارة جو بايدن. والجدير ذكره أن بايدن كان نائباً للرئيس في إدارة الرئيس باراك أوباما (2009 – 2017) التي حاولت تغيير الأنظمة العربية حتى الحليفة لها واستبدالها بحكم الإخوان المسلمين، بما فيها الأسرة الحاكمة في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.

وبعد تولّي جو بايدن لمقاليد الحكم في واشنطن في العام 2021 فإنه أصرّ على محاسبة ولي العهد السعودي على مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في تركيا. ولهذا السبب فإن بايدن رفض استقبال ابن سلمان في واشنطن وأصرّ على المطالبة بالإفراج عن عدد من أفراد الأسرة السعودية المعتقلين ومن ضمنهم محمد بن نايف، الذي كان يملك علاقات وثيقة بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، والذي أطيح به من ولاية العرش في العام 2017.

كل هذا جعل ابن سلمان لا يتجاوب مع مطالب بايدن التي سبق ونقلها إليه مستشار الأمن القومي الأميركي جايك سوليفان بزيادة إنتاج النفط، وفقاً لما كشفته صحيفة "وول ستريت جورنال". ويبدو أن اشتراط إدارة بايدن على ابن سلمان بضرورة زيادة إنتاج النفط مقابل تقديم واشنطن للدعم العسكري في مواجهة أنصار الله في اليمن، هو ما أثار حفيظة ولي العهد السعودي وجعله يلجأ إلى الصين للتوصّل إلى تسوية مع إيران تريحه من مأزقه في اليمن.

وكما في الرياض، يبدو أن إدارة بايدن قلقة من تراجع هيمنتها على أبو ظبي. فبالتوازي مع زيارته إلى الرياض، زار بيرنز أبو ظبي وأثار مع رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد موضوع التحسّن الكبير في العلاقات بين الإمارات والصين، والذي تمّ التعبير عنه في تحوّل الإمارات إلى شريك تجاري رئيسي للصين من جهة وقبولها بإقامة الصين لقاعدة عسكرية بحرية في الإمارات، وهو ما اعتبرته إدارة بايدن تهديداً للعلاقات بين واشنطن وأبو ظبي.

خشية أميركية-إسرائيلية من تصاعد القوة الإيرانية

في ظلّ توتر علاقاتها مع حلفائها في المنطقة، تخشى إدارة بايدن من تصاعد قوة إيران ونفوذها في الشرق الأوسط بشكل لا يجعل احتواءه ممكناً من قبل الولايات المتحدة والغرب. فبعد خيبة إيران من العلاقات مع الغرب بعد انسحاب إدارة دونالد ترامب من الاتفاق النووي الإيراني الذي تمّ التوقيع عليه مع إدارة أوباما في العام 2015، فإنّ طهران في ظل الرئيس إبراهيم رئيسي اختارت التحوّل شرقاً لإقامة حلف استراتيجي مع الصين وروسيا يغنيها عن علاقات اقتصادية مع الغرب.

وهذا يجعلها أقلّ استعداداً للقبول بالشروط الأميركية والغربية لتوقيع اتفاق نووي جديد يتضمّن الحد من قدراتها الصاروخية والتخلي عن تحالفاتها الإقليمية كما تطالب واشنطن.

كذلك فإن طهران تستفيد من التوتر في علاقات واشنطن مع عدد من العواصم العربية الحليفة لها لتعزّز فكرة أن نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط آيل للتراجع، وأنّ أمن المنطقة يمكن أن يتمّ ضمانه من قبل دول المنطقة. وهذا يساعد طهران في إقناع العواصم العربية بتحسين العلاقات معها، وهو ما جرت ترجمته بالانفتاح السعودي الإيراني الذي تمّ بوساطة صينية وبتجاوز كامل للدور الأميركي التقليدي في المنطقة.

وهذا يساعد على مزيد من تغلغل النفوذ الصيني في منطقة الخليج. وفي ظل عدم التوقيع على اتفاق نووي، فإن إيران تستفيد من هامش كبير من الحرية لتطوير برنامجها النووي.

وقد استفادت إيران أيضاً من توتر العلاقات بين واشنطن وحلفائها العرب لوقف مفاعيل التطبيع بين هذه العواصم و"إسرائيل" وتجميد الاتفاقات الإبراهيمية التي شكّلت جزءاً من "صفقة القرن" التي كانت تطمح لدمج "إسرائيل" في المنطقة العربية وإقامة تحالف عربي صهيوني في مواجهة إيران.

وزادت إيران على ذلك، لمحاولة تقليص حرية المبادرة العسكرية الإسرائيلية، بدعم الردع السوري في مواجهة الغارات الصهيونية المتكرّرة ودعم المقاومة الإسلامية في لبنان وفصائل المقاومة الفلسطينية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.

وتخشى الدوائر الأمنية الصهيونية من تصاعد أعمال المقاومة في الداخل الفلسطيني في ظل الانقسام السياسي الصهيوني والأزمة التي تواجهها حكومة بنيامين نتنياهو والمتمثّلة بتصاعد مظاهرات الاحتجاج ضدها، كما تخشى من تصاعد الردع السوري بما يزيد من المخاطر على سلاح الجو الإسرائيلي أثناء غاراته في سوريا، ويقلّص من قدرة الردع الإسرائيلية.