خلق النبوي و الشجاعة العلوي و العصمة الفاطمي في سيرة الإمام الحسن المجتبى عليه السلام
في ليلة النصف من رمضان المبارك، وفي السنة الثالثة للهجرة، أشرقت المدينة المنورة، بمولد الإمام المجتبى الحسن عليه السلام.. ففي مثل هذا اليوم المبارك أعلن البيت النبوي في المدينة المنورة نبأ ميلاد السبط الاول وزفت البشری إلی المصطفی محمد (ص)، فهب الی بيت الزهراء (ع)، ليحمل لها تهانيه ويقضي لها بمسرَاته.. وما ان وصل الرسول الاكرم(ص) إلی بيت الزهراء(ع) حتی تنزَل الوحي الالهي علی الرسول(ص) يبلَغه بأن الله تعالی قد سمَی الوليد المبارك (حسنا).
فهو الإمام أبو محمد الحسن بن علي بن أبي طالب المجتبی، ثاني أئمة اهل البيت عليهم السلام بعد رسول الله صلی الله عليه وآله وسلم، وسيد شباب أهل الجنة باجماع المحدثين، واحد اثنين انحصرت بهما ذرية رسول الله (ص)، وأحد الاربعة الذين باهی بهم رسول الله (ص) نصاری نجران، ومن المطهَرين الذين أذهب الله عنهم الرجس ومن القربی الذين أمر الله سبحانه بمؤدتهم، وأحد الثقلين الذين من تمسك بهما نجا ومن تخلَف عنهما ضلَ وغوی.
شب الوليد في كنف الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، وتغذى من معين رسالته وأخلاقة وسماحته وورث عنه (ص) هديه وأدبه وهيبته وسؤدده، مما اهله للإمامة التي كانت تنتظره بعد أبيه عليه السلام، وقد صرَح بها جدَه في أكثر من مناسبة حينما قال (الحسن والحسين إمامان قاما او قعدا، اللهم إني احبَهما فاحبَ من يحبَهما). كما وتربى تحت ظلال الوصي علي بن أبي طالب عليه السلام، وفي رعاية الزهراء عليها السلام، ليأخذ من نبع الرسالة كلّ معانيها، ومن ظلال الولاية كلّ قِيَمِها ومن رعاية العصمة كلّ فضائلها ومكارمها.
لقد اجتمع في هذا الامام العظيم شرف النبوة والإمامة، بالاضافة إلی شرف الحسب والنسب، و وجد المسلمون فيه ما وجدوه في جدَه وأبيه حتی كان يذكرهم بهما، فأحبوه وعظَموه، وكان مرجعهم الأوحد بعد أبيه، فيما كان يعترضهم من مشاكل الحياة وما كان يستصعبهم من اُمور الدين، لاسيما بعد ان دخلت الأمة الإسلامية حياة حافلة بالاحداث المريرة التي لم يعوفوا لها نظيرا من قبل.
وكان الإمام الزكي المجتبی في جميع مواقفه ومراحل حياته، مثالا كريما للخَلق الإسلامي النبوي الرفيع في تحمل الاذی والمكروه في ذات الله والتحلي بالصبر الجميل والحلم الكبير، حتی اعترف له ألد أعدائه - مروان بن الحكم - بان حلمه يوازي الجبال. كما اشتهر بالشجاعة والسماحة والكرم والجود والسخاء بنحو تميَز عن سائر الكرماء والاسخياء.
وشاهد عليه السلام كل المحن، من فقده لمعلمة الأول جده المصطفی صلى الله عليه وآله وسلم أمه الزهراء ثم تجرع النكبات التي حلت بابيه امير المؤمنين علي بن ابي طالب والظلم الذي تعرض له، وهو لايزال يافعا.
وروي أنّ شاميّاً رآه راكباً، فجعل يلعنه والحسن لا يردّ، فلمّا فرغ أقبل الحسن عليه السلام عليه وتبسّم، وقال: «أيّها الشيخ، أظنّك غريباً، ولعلّك شبَّهت، فلو استعتبتنا أعتبناك، ولو سألتنا أعطيناك، ولو استرشدتنا أرشدناك، ولو استحملتنا حملناك، وإن كنت جائعاً أشبعناك، وإن كنت عرياناً كسوناك، وإن كنت محتاجاً أغنياك، وإن كنت طريداً آويناك، وإن كان لك حاجة قضيناها لك، فلو حرَّكت رحلك إلينا، وكنت ضيفنا إلى وقت ارتحالك كان أعود عليك، لأنّ لنا موضعاً رحباً، وجاهاً عريضاً، ومالاً كبيراً»، فلمّا سمع الرجل كلامه بكى، ثمّ قال: أشهد أنّك خليفة الله في أرضه، الله أعلم حيث يجعل رسالته، وكنت أنت وأبوك أبغض خلق الله إليّ، والآن أنت أحبّ خلق الله إليّ، وحوّل رحله إليه، وكان ضيفه إلى أن ارتحل، وصار معتقداً لمحبّتهم.
وذكر في المناقب أنّه كان عليه السلام إذا توضّأ، ارتعدت مفاصله واصفرّ لونه، فقيل له في ذلك، فقال: حقٌ على كلّ من وقف بين يدي ربّ العرش أن يصفرّ لونه، وترتعد مفاصله.
وكان عليه السلام إذا بلغ باب المسجد، رفع رأسه، ويقول: «إلهي ضيفك ببابك، يا محسن قد أتاك المسيء، فتجاوز عن قبيح ما عندي، بجميل ما عندك يا كريم».
ينقل كثير من المحدثين من الشيعة والسنة، جملة من فضائل الإمام الحسن عليه السّلام، نذكر قسما منها:
1)أخرج الترمذي والحاكم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: (الحسن والحسين سيّدا شباب أهل الجنّة).
2) أخرج الترمذي، عن انس، قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله أيّ أهل بيتك أحبّ إليك؟
قال صلّى اللّه عليه وآله: (الحسن والحسين).
أخرج الشيخان عن البراء قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والحسن عليه السّلام على عاتقه وهو يقول: (اللهم إنّي احبّه فأحبّه).
أخرج البخاري عن ابن عمر قال: قال النبي صلّى اللّه عليه وآله: (هما (الحسن والحسين) ريحانتاي من الدنيا).
أخرج الترمذي عن اسامة بن زيد قال: رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله والحسن والحسين عليهما السّلام على وركيه فقال صلّى اللّه عليه وآله: (هذان ابناي وابنا ابنتي، اللهمّ إنّي احبّهما فأحبّهما وأحبّ من يحبّهما).
أخرج الحاكم عن زهير بن الأقمر، قال: قام الحسن بن علي عليه السّلام يخطب، فقام رجل من أزد شنوءة فقال: أشهد لقد رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله واضعه على حبوته وهو يقول: (من أحبني فليحبه، وليبلغ الشاهد الغائب) ولو لا كرامة النبي صلّى اللّه عليه وآله ما حدّثت به أحدا.
أخرج الشيخان، عن أبي هريرة: أنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله قال: (اللهمّ إنّي احبّه وأحبّ من يحبّه).
وفي حديث أبي هريرة أيضا عند الحافظ السلفي، فقال: ما رأيت الحسن بن علي عليهما السّلام قطّ إلّا فاضت عيناي دموعا. وذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله خرج يوما وأنا في المسجد، فأخذ بيدي واتكأ عليّ حتّى جئنا سوق بني قينقاع، فنظر فيه. ثمّ رجع حتّى جلس في المسجد. ثمّ قال: ادع ابني. قال: فأتى الحسن بن علي عليهما السّلام يشتدّ حتّى وقع في حجره، فجعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله يفتح فمه ثمّ يدخل فمه في فمه، ويقول: (اللهمّ إنّي أحبّه فأحبّه وأحبّ من يحبّه) ثلاث مرّات(8).
وروى أحمد: (من أحبّني وأحبّ هذين- يعني حسنا وحسينا - وأباهما وامّهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
أخرج الحاكم، عن ابن عبّاس، قال: أقبل النبي صلّى اللّه عليه وآله وقد حمل الحسن عليه السّلام على رقبته، فلقيه رجل، فقال: نعم المركب ركبت يا غلام! فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله: (نعم الراكب هو).