الحوثيون والهزيمة الاستراتيجية للسعودية في اليمن
د. حسن مرهج
حقيقة الأمر، لا يمكن فصل جملة التطورات التي تشهدها المنطقة، سواء لجهة إعادة التقارب الإيراني ـ السعودي، أو لجهة إعادة ترتيب العلاقات بين الدول العربية ودمشق، دون الحديث عن انتصارات اليمن واليمنيين، فالتغييرات السياسية بكافة مستوياتها، والتي أسّست لانتصار سياسي ودبلوماسي لـ محور المقاومة، ووصلت إلى مدى انحراف بزاوية 180 درجة، كما طرأ على العلاقات الإيرانية ـ السعودية وما نسمعه عن قرب عودة العلاقات السعودية ـ السورية والعلاقات الإماراتية الإيرانية والمصرية التركية. هذه كلها مظاهر ونتوءات تدلّ على انّ هناك فعلاً مؤثراً قلب الموازين وخلط الأوراق. فالصمود اليمني على مدى ثماني سنوات أمام أعتى قوة عسكرية واقتصادية وإعلامية على وجه الأرض، لا شك أنه ترك أثراً كبيراً في اهتزاز تلك القوة والنيل من سمعتها على المستوى العالمي.
لم تكن مراوحة القوى الكبرى وتحالفها أمام الصمود اليمني وثبات موقفه على مدى عام كامل من بداية الهدنة وعدم المقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة تحقق مكاسب سياسية وعسكرية تحافظ بها على الأقلّ ماء وجهها وتخفف به من هزيمة مخططاتها العدوانية على اليمن، هذا الذي جعل العالم أجمع يعيد الحسابات ويعيد النظر في شكل العلاقات الدولية.
يخطئ من يعتقد بأنّ ما تشهده عموم المنطقة، لم يكن لليمنيين نصيب الأسد به، لا سيما أنّ صمود اليمن ومواجهته أعتى قوات العدوان، كان سبباً في هندسة واقع إقليمي جديد، يمتدّ من اليمن إلى إيران، وصولاً إلى سورية، وبالتالي، لم يبق للسعودية في ظلّ التوازنات الجديدة، إلا الجنوح نحو الحلف المنتصر، وذلك ليس إيماناً منها بأنّ هذا الحلف قادر وحسب على تغيير وجه المنطقة، بل لأنّ السعودية باتت حقيقةً بحاجة ماسة إلى مخرج سياسي من جملة أزماتها في المنطقة، لا سيما في اليمن.
مفاعيل عودة العلاقات الإيرانية ـ السعودية لم تات من فراغ بل صنعها اليمن كما صرح بذلك الرئيس السوري بشار الأسد قبل يومين. فـ عودة العلاقات الإيرانية ـ السعودية جاءت كنتيجة لواقع الصمود والثبات اليمني والانتصار التاريخي لليمن، لو كانت أميركا قوية لردّت على منع اليمن نهب النفط وتصديره من موانئ شبوة وحضرموت، هذه نقطة مفصلية تجلت عندها هشاشة وضعف الموقف الأميركي العسكري والسياسي، وهي التي عرّت الهالة الأميركية أمام العالم أجمع.
الصمود والانتصار اليمني هو الذي دفع السعودية والإمارات بوجهتهما نحو إيران، تخوّفات البعض بتأثير العلاقات السعودية ـ الإيرانية الجديدة على اليمن ليست في محلها، لن يتضرّر اليمن من تلك العلاقة على الإطلاق ولا بنسبة واحد في المائة، اليمن هو من صنع ذلك الواقع وهو من كان السبب في تحريك العلاقات وتحوّلها من واقع العداء والمواجهة السياسية إلى علاقات مغايرة تماماً، سوف يظلّ اليمن في قلب المتغيّرات الدولية ومركزها المحرك ومحورها الأساسي.
وبمناسبة يوم الصمود الوطني ودخول اليمن العام التاسع نوجه تحية إلى الشعب اليمني والقيادة الثورية وعلى رأسها السيد عبد الملك الحوثي يحفظه الله وقيادة المجلس السياسي الأعلى والحكومة والجيش واللجان الشعبية على الانتصارات العظيمة التي تحققت لليمن والتي قلبت موازين القوى الدولية وهزمت قوى الطاغوت والشر الأميركي الصهيوني بقوة الصبر والإيمان والحكمة والثبات والشجاعة التي أصبحت مدرسة يستلهم منها الأحرار والمناهضين لأميركا، في محور المقاومة وأحرار العالم الدروس والعبر التي تولد روح التحدي والصمود والاستبسال.
ختاماً، تحوّلت الأولوية السعودية من هزيمة الحوثيين في اليمن إلى تأمين حدودهم من هجمات الحوثيين، ولإيجاد طريقة للخروج من مستنقعها المكلف في اليمن قلّصت السعودية من تدخلها العسكري وعززت جهودها الدبلوماسية في محاولة لوقف التصعيد.
في جانب آخر، فإنّ مكاسب الحوثيين العسكرية سمحت لهم بإملاء مسار الدبلوماسية الدولية في اليمن، ويعرفون أنّ السعودية تسعى بشدة إلى تخليص نفسها وأنّ المجتمع الدولي يريد أن تختفي مشكلة اليمن ينظر الحوثي إلى الحرب على أنها حرب بينهم «الممثل الحقيقي» الوحيد لليمن والسعوديين.