جنين.. أيّ استراتيجية مواجهة مطلوبة مع حكومة نتنياهو؟
شرحبيل الغريب
التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكله العام يعد تصعيداً مدروساً من قبل حكومة نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف فيها.
منذ اليوم الأول لتشكيل الائتلاف الإسرائيلي الحكومي بزعامة بنيامين نتنياهو، ارتفعت مؤشرات كبيرة تجاه نوايا وبرنامج ومخططات الحكومة الإسرائيلية لما تخفيه من وحشية وغطرسة وعنصرية وفاشية وعداء وإرهاب منظّم ضد الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
كتبت في مقال سابق فور مصادقة الكنيست الإسرائيلي على تشكيل حكومة نتنياهو، أن الوضع الفلسطيني في عهد هذه الحكومة اليمينية سيكون قابلاً للانفجار ومرشحاً للتصعيد في أي لحظة، وما جرى في مخيم جنين من جريمة اغتيال عدد من المقاومين يندرج في سياقات إسرائيلية معدة مسبّقاً على قاعدة تبنتها هذه الحكومة كسياسة جديدة تنتهجها مع الشعب الفلسطيني، ونظراً لما أضحت تشكّله المجموعات الفلسطينية المقاومة مثل كتيبة جنين من تهديد أمني كبير لـ "إسرائيل" وجنودها ومستوطنيها.
مجزرة جنين التي أدت إلى استشهاد 10 فلسطينيين بينهم مقاومون ومدنيون، رفعت عدد الشهداء منذ بداية العام الجاري إلى أكثر من 30 شهيداً فلسطينياً برصاص جيش الاحتلال الإسرائيلي في مدن الضفة الغربية والقدس المحتلتين، وهذا يُفسّر وجود قرار واضح وغطاء صريح من المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لهذه الحكومة بانتهاج استراتيجية القتل المباشر والمتعمّد للفلسطينيين، وهذه السياسة تنسجم تماماً مع العقلية الإسرائيلية المتطرفة التي تحكم حالياً في "إسرائيل".
ما جرى في مخيم جنين كان جريمة متوقّعة، وما هو مقبل من غطرسة إسرائيلية ربما يكون أكبر مما جرى، وبذلك تكون حكومة نتنياهو الفاشية قد بدأت فعلياً بتطبيق مخططات حسم الصراع بالقوة مع الفلسطينيين اعتقاداً منها أن الظروف والبيئة الدولية والإقليمية تصبّ في صالحها، وتريد قتل المقاومة بالكامل تجهيزاً للسيطرة الكاملة على الضفة الغربية. وقد أعلنت زعامات الصهيونية الدينية على الملأ أنها تريد كامل الضفة الغربية بوصفها جزءاً لا يتجزأ من "إسرائيل" التوراتية.
التصعيد الإسرائيلي في الضفة الغربية بشكله العام يعد تصعيداً مدروساً من قبل حكومة نتنياهو واليمين الصهيوني المتطرف فيها، ويمكن قراءة المشهد بشكل أعمق في سياقين أساسيين:
السياق الأول: "إسرائيل" تعيش حالة من الانقسامات والصراعات الداخلية غير المسبوقة واستقطاباً سياسياً كبيراً، وأزمة تسيطر على الصهيونية الدينية حول الرؤية والطبيعة النهائية لوجود "إسرائيل" في المنطقة. وهذا التصعيد جاء بدافعية كبيرة نحو استحضار مواجهة مع الفلسطينيين لغرض توحيد الموقف الإسرائيلي والجبهة الداخلية الإسرائيلية وزيادة حالة العداء مع الشعب الفلسطيني وحسم الخيارات معه.
السياق الثاني: تبنّي حكومة نتنياهو استراتيجية الفصل والاستفراد بالقتل مع الفلسطينيين في مدن ومخيمات الضفة الغربية والقدس المحتلة، يتطلّب من الفلسطينيين تبنّي استراتيجية مضادة لها، بتشكيل استراتيجية مقاومة فلسطينية شاملة تتمثّل في وحدة الموقف والميدان. وأي تهاون أو تراجع في الرد على مجزرة جنين سيفتح شهية "إسرائيل" أكثر للإمعان في تغوّلها وبطشها بحق الشعب الفلسطيني.
هل ستنجح "إسرائيل" في مخطّطاتها وحسم "الصراع" مع الفلسطينيين، هو السؤال المهم أمام هذه التطورات الميدانية والتصعيد الخطير بحق مخيم جنين في الضفة الغربية؟
نجاح "إسرائيل" في مخطط "حسم الصراع"، مرهون بطبيعة الرد الفلسطيني على مجزرة جنين باعتبارها الجريمة الأكثر دموية حتى الآن، والمنطق الصهيوني في التعامل مع الشعب الفلسطيني قائم على طبيعة مستوى الرد الفلسطيني تجاه أي جريمة ترتكب، وبالتالي هذا المشهد يفرض على الفلسطينيين توحيد موقفهم وتصعيد حدة ردودهم الميدانية بمختلف الساحات وبفعل فلسطيني مقاوم يؤلم "إسرائيل" ويشكّل حالة ردع كبيرة، ويفسد مخططات الصهيونية الدينية في بدء تنفيذ مخطط الحسم في هذه المرحلة.
صراع الشعب الفلسطيني مع "إسرائيل" هو صراع طويل وممتد، وربما غير قابل للحسم من جهة الفلسطينيين في هذه المرحلة أمام حالة القتل والبطش والإرهاب والآلة العسكرية الإسرائيلية المتوحّشة. إذاً إن حال الانقسام الفلسطيني كسبب رئيس ومجموعة من المعطيات الأخرى كلها تشير إلى ذلك، وهذا الوضع يدعو إلى أهمية إيجاد استراتيجية مواجهة فلسطينية شاملة تكون قادرة على أن تشكّل نواة حقيقية لمعركة طويلة ممتدة بعيداً عن التسرّع والذهاب إلى صراع مفتوح وواسع قبل وجود عوامل مساندة ومعطيات جديدة تعزّز موقفه وتجعله قادراً على حسم الصراع مع "إسرائيل".
ما جرى في مخيم جنين يضع المشهد الميداني الفلسطيني أمام سيناريوهات متعددة ومفتوحة في ظل وجود بيئة شعبية حاضنة للمقاومة وداعمة لها، ومطالبة كبيرة بلجم عدوان "إسرائيل" على الشعب الفلسطيني، بل من المتوقّع أن يتكرّر العدوان بشكل أكبر، بدءاً من اقتحام القدس وأمام تلويح وتهديدات بن غفير بتكرار ذلك وحتى التهديد بهدم الخان الأحمر. كلّها عناوين تنذر بأيام أكثر تصعيداً، وتجعل كل السيناريوهات المقابلة تشير إلى أن رمضان المقبل سيكون ساخن المواجهة، وأنّ المنطقة تنتظرها توترات كبيرة أمام إصرار الصهيونية الدينية على استكمال مخططاتها تجاه الشعب الفلسطيني، وتزامناً في استغلال وتوظيف الأعياد اليهودية لخدمة هذه المخططات الإسرائيلية.
المشهد الأخطر والمرتقب، يتطلّب الإعداد والاستعداد معاً، في وقت أصبحت فيه المواجهة مع "إسرائيل" هي معركة مصيرية على قاعدة رفض الاستفراد بجنين أو القدس أو الخان الأحمر أو أي بقعة من الأرض الفلسطينية المحتلة، إذ إنّ "إسرائيل" تتجهّز لمشروع هدم منطقة الخان الأحمر باعتبارها من وفق الرؤية الإسرائيلية تحقّق لها أهدافاً استراتيجية مهمة لتنفيذ مخططات العزل والضم والسيطرة معاً، وفصل القدس بالكامل عن الضفة الغربية.
الشعب الفلسطيني ومع إرهاب حكومة نتنياهو أصبح بالفعل أمام معركة مصيرية لا تتعلق بجنين وحدها، فالمواجهة المقبلة أقرب ممّا يتصوّرها البعض، والأمر ليس عنا ببعيد. لكنْ في حال وقعت فلن تكون العاقبة مثل سيف القدس بل ستكون أشدّ منها وطأة، ستشتعل ساحات المواجهة باستراتيجية مواجهة فلسطينية شاملة تبدّد حلم الصهيونية الدينية وحكومة نتنياهو ومخطّطاتها تجاه الفلسطينيين. لذلك التنسيق المقاوم مطلوب، والتخطيط الاستراتيجي مطلوب والتوقيت المناسب أيضاً مطلوب.