ماذا تعلمنا التجربة المصرية؟
منذ 12 ساعة1٬043
ناصر قنديل
– قفز سعر صرف الدولار أمام الجنيه المصري سبع مرات خلال عشر سنوات، من سعر خمسة جنيهات للدولار الى 35 جنيهاً للدولار الواحد. وسواء اعتمدنا التحليل الذي يقول بأن أسباب انهيار سعر صرف الجنيه تعود لعوامل اقتصادية صرفة لا مكان للسياسة فيها، أو أخذنا التفسير الذي يقول بأن الدولة في مصر تتعرّض لضغوط مالية بخلفيات سياسية تتصل بمحاولات ضبط أميركية للسياسة المصرية تحت رايتها في ملفات العلاقة بروسيا والصين، فإن الدروس التي نستطيع تعلمها من التجربة المصرية، كثيرة جداً.
– مصر إحدى أبرز الدول العربية في العلاقة المتميزة بالسياسات الأميركية والالتزام بسقفها، وأبرز الأدلة تأتي من موقف الدولة المصرية من عودة سورية الى الجامعة العربية، فيما خطت دول محسوبة على العلاقة بالسياسات الأميركية مثل دولة الإمارات خطوات أكثر جرأة نحو سورية من مصر. وإذا كان سقف الالتزام المصري بالسياسات الأميركية غير مُرضٍ لواشنطن وتريد منها المزيد وتعرضها بسبب ذلك لخطر الانهيار، فتلك عبرة لمن يريد أن يتعلم، بأن لا سقف للطلبات الأميركية حتى ممن يحسبون اصدقاء أميركا، ويلتزمون الثوابت الأميركية في سياساتهم في المنطقة، وأن لا محرّمات في أدوات الضغط التي تستخدمها واشنطن عندما تتجه لإخضاع أقرب الحلفاء.
– مصر الدولة العربية الأولى في الالتزام باتفاقيات سلام مع كيان الاحتلال، واتفاقيات كامب ديفيد لا تزال تشكل النموذج الذي يمكن القياس عليه في كل اتفاقيات السلام، خصوصاً للدول التي تقع على حدود فلسطين، وبغض النظر عن كل النقاش المصري حول الاتفاقيات وشروطها على السيادة المصرية، فإن الذي لا يمكن لأحد إنكاره هو أن قطاع غزة الذي احتله جيش الكيان عندما كانت غزة في عهدة الجيش المصري، جرى إخراجه من التفاوض المصري الإسرائيلي واتفاقيات كامب ديفيد، وتركت غزة لكيان الاحتلال هدية مجانية تحت شعار القرار الفلسطيني المستقل وربط مصير غزة بمستقبل التفاوض بين الفلسطينيين و”إسرائيل” مع إدراك كامل أن الفلسطينيين بدون مصر لن يكونوا في موقع تفاوضي يشبه حالهم مع مصر، وإذا كان كل ذلك لم يجنب مصر ما تشهده من انهيار مالي، سواء كان الانهيار تلقائياً أو مسيساً، فهذا يعني أن وصفة السلام مع كيان الاحتلال والمساومة على حقوق الفلسطينيين وصفة فاشلة لتجنب الانهيار الاقتصادي.
– مصر أكثر الدول العربية المؤثرة في السياسة والأمن الإقليمي بالنسبة للدول الخليجيه، وهي أكثر الدول اهتماماً بالتزام مواقف ترضي دول الخليج عموماً، والسعودية خصوصاً، ومعلوم أن سياسة مصر العربية والإقليمية يتمّ ضبطها على الساعة السعودية، بل إنه في العلاقات الثنائية المصرية السعودية قدّمت الدولة المصرية تنازلات تسبّبت لها بانتقادات داخلية قاسية كمثل الذي جرى في قضية جزر صنافير وتيران، حيث لا يزال التنازل المصري عنها موضوع جدل داخلي، لكن هذا الاهتمام المصري بالرضى الخليجي عموماً، والسعودي خصوصاً، لم يوفر لمصر التدفقات المالية التي تجنبها الخطر. وإذا كان ذلك يحدث مع مصر بما تمثل، فهو درس واضح بأن السعي لاسترضاء دول الخليج باعتبارها وصفة لتجنب مخاطر الانهيار الاقتصادي هو سعي بلا مردود فعلي، ووصفة فاشلة.
– مصر أكثر دول الشرق الأوسط وأفريقيا التزاماً بدفتر شروط صندوق النقد الدولي، وقد بدأت معه برنامجاً منذ العام 2019 وقيل الكثير يومها عن النموذج المبهر الذي حققه تعاون مصر وصندوق النقد الدولي، وقدّمت النصائح بموجب هذا التعاون لدول المنطقة لتحذو حذو مصر. واليوم الكل يتحدث إما عن فشل الصندوق مع مصر أو فشل مصر مع الصندوق، والحصيلة واحدة وهي أن الرهان على وصفة الصندوق لتجاوز خطر الانهيار، وسقف ما يعد به الصندوق الدولة المصرية هو قرض بـ 3 مليارات دولار على 46 شهراً، بينما حجم السيولة المطلوبة لسوق الاستيراد وإخراج البضائع التي تنتظر في الموانئ هو 18 مليار دولار!
– مصر من المؤسسين لمنتدى الغاز في المتوسط، الذي كانت وظيفته تأمين الغطاء العربي لتمكين كيان الاحتلال من ربط أنابيب الغاز نحو أوروبا بشبكة إقليمية، ومصر لم تتأخر عن صفقات ثنائية مع كيان الاحتلال في مجال الغاز لتسويق دوره وحضوره في هذا القطاع. وكثيراً ما يقال لدول ساحل المتوسط من العرب أن مصير اقتصاداتها رهن بقبولهم تسهيل التشبيك الاسرائيلي الاقتصادي معهم أو عبرهم. وها هي مصر الطليعة الأولى لهذا الخيار تنهار، ولم يفدها بشيء كل ما قدّمته من خدمات لتسويق الغاز الإسرائيلي.
– يقع لبنان ومسؤولوه في طليعة الذين يجب أن يتوقفوا أمام ما يجري في مصر لأخذ الدروس والعبر، وهي كثيرة.