ما بعد الشيخ النمر: الأمل ما زال موجودا..!
حرب مفتوحة أعلنها النظام السعودي ضد أبناء الجزيرة العربية المحتلة، مع انتهاكهم مكانة الشيخ نمر باقر النمر والتجرؤ على اعتقاله وتعذيبه حتى إعدامه.
إلى جانب تأكيد آل سعود على سطوة إجرامهم على المشهد الحقوقي في البلاد، فإنهم ابتغوا من وراء فعلتهم القضاء على حركة الشيخ الشهيد، من خلال بثّ مشاعر الخوف والرعب في نفوس مناصريه من الناشطين وأصحاب الرأي، كما القضاء على مشاعر الأمل بالقدرة على التغيير وتحصيل الحقوق المشروعة والمغتبة من قبل آل سعود.
لم يخفت صوت الشهيد النمر، بل ترجم في تبني المعارضة سياسة جديدة للمواجهة قائمة على العمل الحركي السري وتكثيف الحضور في ميادين العمل السياسي والاعلامي والثقافي والحقوقي والاستعداد إلى جولات أخرى، حيث نشهد توسع قاعدة المعارضة للنظام السعودي في الداخل والخارج، واتساع رقعتها الجغرافية لتشمل كافة مناطق البلاد وجميع القبائل والطوائف ومختلف الشرائح والفئات والنخب المجتمعية، ولم تعد المعارضة أو السخط على سياسات الحكم السعودي محصورة في منطقة دون أخرى، أو بين الشيعة دون السنة، لاسيما بعد افتضاح حقيقة النظام وانكشاف انحيازه المطلق إلى المعسكر الصهيوأمريكي وتآمره على مصالح الشعوب العربية والاسلامية وقضيتهم الكبرى فلسطين المحتلة، ومجاهرة سلطات الرياض بدعم العدو الصهيوني والتطبيع معه والسماح لطائرات العدو باستخدام مجال البلاد الجوي والتحليق فوق الحرمين المقدسين في مكة والمدينة، ودخول الصهاينة إلى أراضي الحرمين الشريفين.
تعرّض شيخ المجاهدين لشيطنة من قبل النظام السعودي الذي زعم أن سماحته يميّز بين السنة والشيعة في مطالبته لحقوق الطائفة الشيعية. الواقع أن سماحته لاحظ من البداية أن كل من الطائفتين السنية والشيعية يتعرضون للاضطهاد في “السعودية” ويتكبدون معاً الظلم الإجتماعي والسياسي، وأن النظام يهين كافة الفرق الإسلامية بمنعها من المشاركة في عملية صنع القرار، بدءً من أصغر بلدية وصولاً إلى أكبر مؤسسة في الدولة.
لاحظ أيضاً العقلية السعودية القائمة على استنهاض الفتن والتفرقة بين المكونات الشعبية كي يبقى الناس في صراع دائم ومتجدّد، فيفشلون في الإتحاد معاً لمواجهة النظام، ويدخلون في آتون الإقتتال والتناحر. لذلك، عمل شيخُ المجاهدين على تقصير المسافات بين جميع المسلمين بما في ذلك السنة والشيعة، وعلى إعادة تصويب البوصلة نحو الإتجاه الصحيح، ألا وهو مقارعة الظلم واستعادة الحقوق المهضومة، فحين كان يطالب بحقوق الطائفة الشيعية في القطيف والأحساء كان شديد الحذر من المسّ بكرامة وحقوق الطائفة السنية، إنما رفع لواء مطالبها عالياً، وتقدّم بها بشكلٍ متوازنٍ مع مطالب وحقوق الطائفة الشيعية.
وبالتالي، خوض الشيخ الشهيد في مايتعرض له الشيعة، ليس إدعاء بأنّ المعاناة الشيعية هي المعاناة الوحيدة التي يتعرض لها المواطنون السعوديون، فهناك الكثير من المكونات الأخرى المذهبية أو الفكرية أو غيرها تتعرض لأنواع من المعاناة وتحت عدة عناوين أخرى، إنما قضايا الشيعة تعد واحدة من سلسلة القضايا العالقة بين فكّي الحكم في “السعودية”.
وفي خطبة ألقاها سماحته في 9 مارس 2012، قال: “مشكلتنا ليست مع التمييز الطائفي، لأنه نتيجة لسياسات النظام.. بل مشكلتنا مع التمييز السلطوي، ذلك أن التمييز الطائفي هو صنيعة السلطة ليبقى الشيعة يتشاجرون مع السُنّة وكلاهما يحتاج للسطلة والشعب معتدى عليه في حين يبقى الحاكم متسلّط على الطرفين”.
وفي موضعٍ آخر من الخطبة قال: “النظام يقول للسنة هؤلاء الشيعة كفار تعالوا نساعدكم لتقفوا ضدهم، ثم يأتي يقول للشيعة أنتم أقلية هنا وإذا فتحنا للسنة مجالاً سيأتون ويقتلونكم. وبالتالي نتصارع ببعضنا بينما السلطة هي المسيطرة على الجميع”.
كانت الشهادة كلمة السر في تحرّك الشيخ النمر الذي رام عشقاً في لقاء الله وآل بيته عليهم السلام. منها ابتدأ وإليها انتهى.
وما بين البداية والنهاية حكاية صبر ونصر لا يتقنها إلا من تجاوز حب الدنيا وسار بقلبه نحو الله، كان سماحته شجاعاً في لقاء الموت لكنه غير مطمئن للقاء الله معتزاً بالخضوع في حضرته والخوف من جلالته.
مفردة الشهادة ارتبطت في أدبيات سماحته بذكرى استشهاد الإمام الحسين وآل بيته عليهم السلام، لذلك لم يفوّت فرصة لربط الواقع السياسي والاجتماعي الذي عايشه بمواجهة الطغيان وطلب الإصلاح حتى لو كانت النتيجة هي الموت المحتوم.
في أحد الأيام العاشورائية اعتلى سماحته منبراً وخاطب الناس قائلاً: “نحن نعيش ذكرى سيد الشهداء الحسين (ع)، ونعيش آلام وجراح شباب سقطوا شهداء برصاص عدواني طائش.. ولذلك حريٌّ بنا أن نعرف مقام الشهداء، مقام الحسين ومن معه من الشهداء حتى نتضامن مع أولئك الشهداء ونسير على نفس الطريق دون أن نتراجع قيد أنملة عن السير في نهج الشهداء الذين بذلوا مهجهم في سبيل الله من أجل نيل الكرامة والعزة والعدالة والقسط ومن أجل الحريات الفكرية والسياسية، إذاً هؤلاء قدموا أنفسهم قرابين لله.. من أجل كرامتهم وكرامة الأمة والعدالة الشاملة”. و لعلّ الشجاعة هي الميزة الأبرز التي اتّصفت بها حركة الشيح النمر، فهو حقاً لم يكن يهاب جلّاده، لم يكن يهاب أي شيئاً إلا الله. اختار سماحته الموت بكرامة وشرف على العيش بذل وخضوع للحاكم الجائر، وقال: “إما نعيش على هذه الأرض أحراراً أو نموت في باطنها أبراراً”.
أكثر من ذلك آمن أن موته سيكون شعلة للثورة، بقوله: “أنا على يقين من أن اعتقالي أو قتلي سيكون دافعا للحراك”. وبالفعل أصبح النمر رمزاً للشرفاء والأحرار في الجزيرة العربية ولكل من يعمل بإخلاص للصالح العام في المجتمع.
وحين كان يتحدث لم يكن يوجّه كلامه لأهل منطقته فحسب ولم يكن يقارع آل سعود فقط، بل كان يواجه كافة أشرار العالم وينصر جميع المستضعفين، كان سماحته يتحرّك بمنطق عالمي يتجاوز حتى المجتمع الإسلامي. وهو الذي خاطب المظلومين في الأرض قائلاً: “: “ضعوا حدّاً للاستبداد والظلم وكونوا أحراراً في دنياكم ولو كان الثمن بذل الدماء”.
على أنه ورغم الشجاعة العالية التي أبداها آية الله النمر في خطاباته، ورغم تحريضه على مواجهة النظام السعودي، إلا أنه حرص على التزام السلمية في جميع التحركات، فقد رفض العنف واستخدام السلاح معتبراً ذلك هدفاً تريد السلطات السعودية توريط الحراك المطلبي فيه. عرف سماحته بانتهاج سياسة النفس الطويل عبر الدعوة إلى الحراكات السلمية والمشاركة بها، من أجل إنصاف الطائفة الشيعية والتعامل مع أبنائها كمواطنين لهم ما لهم من حقوق وخدمات وعليهم واجبات.
ودأب في خطب الجمعة على إدانة المسؤولين عن الفساد والمعاناة في الجزيرة العربية بشكل مباشر وبالأسماء.
مرآة الجزيرة