سورية إلى متى بين المطرقة والسندان؟!
جمال زهران
تعاني الدولة السورية، وشعبها، أشد المعاناة غير المسبوقة تاريخياً، حتى ذاك الحصار الذي سبق فرضه على العراق، لم يكن بهذه القسوة، والمعاناة وتمّ وضع برنامج “النفط مقابل الغذاء”، كوسيلة لسرقة بترول العراق. إلا أنّ الاستعمار الأميركي استبدل ذلك الحصار على العراق باعتباره أنه كان فيه شبهة “إنسانية”، ليست مطلوبة مع الشعب السوري، بالاستعمار الفعلي لحقول بترول سورية في الشمال الشرقي، ومن الجانب الآخر في الشمال الغربي كان المحتل التركي، الذي يتسم كلٌّ منهما بحقارة غير مسبوقة. وقد كان الهدف المباشر من كل ذلك، وتلك المؤامرة الحقيرة على سورية وشعبها، هو إسقاط النظام السوري المقاوم والمعادي للكيان الصهيوني الاستيطاني الاستعماري، وإذلال شعب الدولة السورية، وتدميرها بحيث لا تعود مرّة أخرى للتاريخ، ودفع مقابل ذلك نحو (138) مليار دولار، باعتراف رئيس وزراء قطر السابق ووزير خارجيتها (حمد بن جاسم). إلا أن إرادة الشعب السوري ونظامه المقاوم، لم تنكسر، ولم يتمكن هؤلاء من إسقاط الدولة، وإجبار نظامها على التحول عن خياراته المقاومة ضد الكيان الصهيوني، وعن محور المقاومة في الوطن العربي والإقليم.
فالولايات المتحدة وتوابعها العملاء والاستعماريون في أوروبا، يستخدمون سلاح “العقوبات”، ضدّ الأنظمة المعادية لها وللصهيونية، تحقيقاً لأهدافهم، وممارسة الضغوط على هذه الأنظمة حتى تسقط أو تتراجع عن سياستها ضد أميركا والصهيونية. فماذا إذن عن الأنظمة التي لم تستجب لهذه الضغوط الأميركية، وفي المقدمة: سورية وكوريا الشمالية وإيران، وفنزويلا، وغيرها؟! فهذه الدول المسماة لدى الأميركيين والأوروبيين، بـ “المارقة”، أي الخارجة عن السرب الاستعماري وتوابعه، لم تتراجع عن سياساتها ولم تسقط، ولا تزال تقاوم، وتصمد في مواجهة هذه الضغوط.
فمنذ عام 1979، حيث وضعت أميركا، سورية على قائمة راعية الإرهاب، وحتى صدور قانون القيصر عام (2019)، مروراً بعشرات القرارات الأميركية والأوروبية، في فرض العقوبات على سورية، وحتى هذه الأيام، تسعى الإدارة الأميركية، لفرض قانون (الكبتاغون) المسمّى بقانون المخدرات، لمحاولة إلصاق تهمة التجارة الممنوعة – من جهة الأميركان – في مقدمتها المخدرات بجميع أنواعها، لتشويه سمعة النظام العروبي المقاوم لدى العالم، في الوقت الذي تتاجر أميركا في كل ما هو ممنوع!! تتحدّى أميركا العالم كله، بالإصرار على فرض عقوباتها على سورية وشعبها، دون التزام أدنى درجات الإنسانية، الأمر الذي يكشف عن الوجه القبيح لأميركا وأوروبا، ويؤكد أن هذه الدول تتعامل مع منطقتنا العربية، المعارض وحتى المؤيد لسياساتها، من منطلق استعماري (أسياد.. وعبيد)! فلم تترك أميركا مجالاً، إلا وأصدرت ما تدين به، النظام السوري، والعقاب ينزل كالصاعقة على الشعب السوري، في الوقت ذاته الذي تدّعي فيه هذه الدولة الاستعمارية الكبرى (أميركا) أنها راعية لحقوق الإنسان في العالم، في الوقت الذي تكبل الشعب السوري، ومعه شعوب أخرى مقاومة، بمئات القرارات التي تحاصر هذا الشعب أو ذاك، من أجل تحقيق مصالحها، ومصالح النظام الصهيوني. وفي هذا السياق، فإن أميركا وكلّ أتباعها الأوروبيين، متهمون بالعنصرية البغيضة، والتمييز العنصري، بأن جعلت نفسها والكيان الصهيوني التابع لها، فوق الجميع، وهي بالتالي لا تختلف عن نظام “هتلر” النازي، الذي وضع الشعب الألماني فوق العالم، باعتباره الجنس الآري، وكذلك يتساوى مع التكفير الصهيوني الذي يضع “اليهود”، باعتبارهم الجنس الأرقى في العالم، وإما أن يسيطروا على العالم كله، وتأكيد سياسة “الأبرتهايد”، وإما إبادة باقي الأجناس!!
فسورية الآن، بين المطرقة والسندان، فـ “المطرقة”، هي الوسيلة التي يضرب بها طرف على رأس الطرف الآخر. وهنا فإنّ أميركا هي الطرف الذي يضرب سورية بالعقوبات واحتلال الأرض والبترول ونهبه، وإذلال الشعب وحرمانه من حقوقه الإنسانية، وبالتالي فهي ترتكب أبشع أساليب الجريمة الإرهابية في سورية، ولن يرحمها التاريخ من ذكر ورواية ذلك. ولكن الذي يعيننا هنا هو وقف جريمة (عقوبات) أميركا ومن يساندها، على الشعب السوري، بالإعلان وبالصوت العالي: (أوقفوا الحصار الإرهابي الأميركي على سورية.. دولة وشعباً بلا شروط أو قيود على إرادة الدولة وشعبها).
أما “السندان”، فهو الطرف الثالث الذي يدعم القرارات الأميركية بحصار سورية وإنزال أبشع أنواع العقوبات عليها وعلى شعبها، دون مبرّر ودون سند من شرعيّة! ويتمثل الطرف الثالث في جامعة الدول العربية التي لا تزال تجمّد مقعد سورية، ويناصر أعضاؤها العقوبات الأميركية، ويدعمون القوانين الأميركية الجائرة ضد سورية وشعبها، وذلك ابتداءً من قانون سورية عام 1979، مروراً بقانون قيصر عام 2019، وإلى اليوم بصدور قانون “الكبتاغون”.
إننا نطالب شرفاء وأحرار العالم في كل مكان انطلاقاً من الشعب العربي الواحد في جميع الأقطار العربية، بأن يمارسوا ضغوطاً بكل السبل على حكوماتهم لإسقاط قوانين العقوبات الأميركية وعدم الالتزام بها. فنظام العقوبات في طريقه إلى الزوال والسقوط والانهيار، ولا بدّ أن يكون بأيدينا (أي بالمقاومة)، لا بيد عمرو (ويعني الآخرين). فأميركا لا تزال سائرة في غيها، بفرض ما يحلو لها من قوانين تترجم استراتيجيتها الاستعمارية، وتحمي الكيان الصهيوني، وتجعله الأقوى وفوق رؤوس كلّ النظم العربية!! ومن ثم فإن علينا أن نرفع شعار: (حرروا سورية ولو بالقوة، من أغلال أميركا الظالمة التي تناصر الإرهاب وتجويع الشعوب ونهب مواردها)، والله المستعان.