حكومة المجانين وثغرات البقاء
ايهاب زكي
بإسهابٍ جزلٍ دون حشوٍ أو هوامش، تحدث الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله عن مراحل الاستهداف الأمريكي للمنطقة وعن التصدي الذي قام به محور المقاومة، وكانت النتائج تعاظم قوة المحور وقدرته وفشل المشروع الأمريكي بمرحلتيه ما قبل ما يُعرف بالربيع العربي وما بعده. كذلك تحدث عن دور القائدين سليماني والمهندس، خصوصاً الجنرال قاسم سليماني الذي كانت تعتبره الولايات المتحدة حلقة الوصل ونقطة الارتكاز والتشبيك في محور المقاومة.
وتساءل السيد حسن نصر الله في نهاية كل مرحلةٍ من المرحلتين، تساؤلاً افتراضياً حول ما إن لم يكن هناك محورٌ قرر التصدي والمقاومة، والإجابة في عقل سماحته كما في عقل جميع المستمعين، هي إجابةٌ واحدة حصرية، حيث إنّ نجاح المشروع الأمريكي مهما تعددت أساليبه وتغيّرت وسائله، يعني تفكيك العالم العربي وتقسيمه، وتأبيد الكيان المؤقت في المنطقة، بل وتسيّده على شعوبها ومصيرها وثرواتها.
هذا الحديث الذي تعيه كل أذنٍ واعية، ويعقله كل ذي لبّ، عن دور القائد قاسم سليماني في حماية المنطقة، بما فيها أرباب السخافات والتفاهات الإعلامية، يقابله العابثون على ملاهي العروش في آبار النفط، بالسخافات التي لا وزن لها، كإيراد خبر إحراق صور سليماني في أحد شوارع إيران، وهؤلاء كمن يريد خدش وجه التاريخ بقلامةٍ من قش، أو كأنّهم أقزام أعيتهم الحيل لدخول التاريخ، فقرروا أن يدخلوه ولو باللعنات.
وبينما يبحث هؤلاء عن اللعنات، هناك من يبحث عن سنام المجد والسؤدد، حيث جبهة فلسطين وكل السبل والشعاب المؤدية إليها، فتحدث السيد حسن نصر الله عن حكومة الفاسدين والمجانين والمتشددين، واعتبر أنّها مصدر تفاؤلٍ لا خشيةٍ أو تخوّف، كما اعتبر المجانين أقدر على ارتكاب الحماقات المنتظرة، التي ستؤدي إلى زوال الكيان المؤقت، وأضاف للتأكيد على أنّه هكذا يراها.
إنّ حكومة نتنياهو السادسة بكل ما ستتبعها من سلوكياتٍ فاقدة للأهلية، ستكون بالفعل أخطر الحكومات على الكيان المؤقت، حيث إنّها حكومة تفتقر لأدنى مقومات الدبلوماسية، بل إنّها تحترف المكر اليهودي، لكن الفرق أنّه مكرٌ أحمق، لا ادعاء فيه للمسكنة ولعب دور الضحية كعادتهم، إنّما صلفٌ لا يتناسب مع موازين القوى، ولا يتناسب مع قدرة الكيان على فتح جبهاتٍ متعددة، وهذا ما سيجعل من احتمال أن تقوم بإشعال أول عود ثقاب هوجائياً، فوق برميل بارود المنطقة، أكبر من كل الحكومات السابقة.
وما فعله من يسمى وزير الأمن الوطني بن غفير من اقتحامٍ لباحات المسجد الأقصى، ثم عدم تطرق نتنياهو لهذا الاقتحام، يبدو كمؤشر عن مستقبل هذه الحكومة، حيث إنّ صمت نتنياهو يعني أنّه حاول التعامي عن الفعل، لقياس ردود الفعل فلسطينياً وإقليمياً ودولياً من ناحية، ثم استثمار النتائج أو التنصل منها من ناحيةٍ أخرى، حسب إيجابيتها أو سلبيتها، أمّا بن غفير فسيظل يستثمر في رعونته طالما لم يجد رادعاً، وطالما أنّ نتنياهو لم يشعر بخطرٍ أكبر، يدفعه إلى لجم بن غفير.
وإنّ أخطر ما يمكن أن تقدم عليه هذه الحكومة، هي محاولات إحداث تغييرات زمانية ومكانية في المسجد الأقصى، ولكن هذا الأمر دونه حربٌ إقليمية، لذلك قد تجد هذه الحكومة ضالتها في مكتسباتٍ أقل شأناً، كزيادة وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية، ورفع منسوب الدموية في الاقتحامات والاغتيالات، وإعلان بعض العلاقات السرية وتحويلها لمهرجانات علنية، والاستمرار في استهداف سوريا، وقد تقدم على بعض العمليات الأمنية في إيران.
لذلك فإنّ خطر هذه الحكومة على مصير الكيان المؤقت، حتى يصبح خطراً فعلياً وقائماً، يجب زيادة الخطوط الحمراء أمامها، وجعل سقوفها أكثر تدنياً مما هي عليه، أي بمعنى إغلاق كل الثغرات التي تمكّنها من النفاذ والبقاء، ولأنّ نتنياهو يدرك قواعد الاشتباك القائمة، ويدرك الخطوط الحمراء، سيظل يحاول تجنبها والالتفاف عليها في ذات الوقت، وهذا الثغر أولى بالإغلاق.