kayhan.ir

رمز الخبر: 162154
تأريخ النشر : 2022December17 - 20:15

 الاتحاد الأوروبي: فساد "معشش".. ونهاية الـ NGOs

 

 

يونس عودة

بدأت منظمات الاتحاد الاوروبي محاولة للملمة فضيحة الفساد المدوية التي ضربت أعلى هيئاته والمتمثلة باعتقال أربعة أشخاص يعملون فيه بتهمة "المشاركة في منظمة إجرامية وغسل الأموال والفساد"، بمن فيهم نائبة رئيس البرلمان اليونانية إيفا كايلي، والموقوفون الأربعة هم مساعد برلماني ملحق بكتلة الاشتراكيين والديموقراطيين، هو رفيق إيفا كايلي، وكذلك النائب الإيطالي السابق في البرلمان الأوروبي بيير أنتونيو بانزيري، والاثنان الآخران هما مدير منظمة غير حكومية (NGOs)  وقيادي نقابي إيطالي.

لقد أتخم الغربيون العالم بمحاضرات العفة وضرورة محاربة الفساد كنتاج لمحاربة الديكتاتوريات واحلال الديمقراطية والحرية، فأنشأوا ما سموه منظمات الشفافية الدولية التي ركزت على ان "حقوق الإنسان ليست مجرد شيء يُستحسن أن يكون موجوداً في جهود مكافحة الفساد، فالنهج الاستبدادي يدمر الضوابط والتوازنات المستقلة ويجعل جهود مكافحة الفساد تعتمد على أهواء النخبة. إن ضمان قدرة الناس على التحدث بحرية والعمل بشكل جماعي لإخضاع السلطة للمساءلة يمثل الطريق الوحيد المستدام للوصول إلى مجتمع خالٍ من الفساد". وقد تبين أن غالبية المنظمات ذات الصلة ليست إلا ترويجًا لتخريب المجتمعات وابعادها عن قضاياها الأساسية.

طبعًا ليست المرة الأولى التي يكشف فيها عن فساد مالي في المجموعة الأوروبية ـ كمجموعة ــ لكن الزخم الممنوح للعملية الأخيرة، ونشر الصور عن عملية الاعتقال، ومن ثم نشر صور وأفلام فيديو عن المصادرات المالية ـ الرشى ــ يؤشر على الغطاء السياسي عن الذين أزكمت روائحهم الأنوف في ظل الأزمات التي تجتاح الدول الاوروبية، والانبطاح السياسي من جانب قادة أوروبا، الذين يحاولون الهروب إلى الأمام لتبرير ارتكاباتهم السياسية حيث الفساد الأكبر، والبحث عن تقديم ضحايا كرشى أيضًا للجمهور بعد فشل هؤلاء القادة في حل الأزمات الاقتصادية والاجتماعية المتعاظمة، وأولها مسألة الغاز والوقود. فوفق مكتب المدعي الفدرالي، التحقيق الذي يقوده قاض في بروكسل، يدور حول تصرفات "دولة خليجية" يشتبه في أنها "تؤثر على القرارات الاقتصادية والسياسية للبرلمان الأوروبي، وذلك عبر دفع أموال طائلة أو تقديم هدايا كبيرة"، أما المستفيدون من هذه المبالغ والهدايا، فهم أشخاص "لديهم مناصب سياسية و/أو استراتيجية" داخل البرلمان الأوروبي".

إن المعتقلين متهمون بمحاولة تحسين صورة قطر كدولة مضيفة لكأس العالم، مقابل مكافأة سخية من الدوحة. إلا أن الأوروبيين الباحثين عن كوة للضغط اختاروا الخطوة الأولى بعد توقيف المتورطين عبر إلغاء التصويت على إعفاء القطريين من تأشيرة الدخول إلى الاتحاد الأوروبي ورفض وفد برلماني السفر إلى الإمارة، مع العلم أن لقطر تأثيرا مهما في الأوروبيين عبر إمدادات الطاقة... فعلى خلفية رغبة الاتحاد الأوروبي في التخلي عن النفط والغاز الروسيين، تكتسب حتى الكميات الصغيرة من الوقود الأزرق القطري أهمية كبيرة بالنسبة لأوروبا التي فشل قادتها في دفع قطر الى تعويض النقص الناجم عن الامدادات الروسية.

في الواقع قطر نفت "صحة الشائعات" التي تربطها بقضية الفساد المتهمة بها كايلي، مؤكدة أن "الدوحة ترفض وتدين الادعاءات المزعومة التي تتهمها بتقديم الرشاوي لأعضاء البرلمان الأوروبي، حول قضية استضافة كأس العالم"، معتبرة أن "هذه المعلومات مضللة وخطيرة" كما أنكرت كايلي ما وجه إليها من اتهام بتلقي رشوة من قطر التي تستضيف كأس العالم.

اذا صح النفي القطري وانكار كايلي، بغض النظر عن الأموال المصادرة ومصدرها، فإن المسألة تتجاوز بضعة ملايين لينكشف الجوهر السياسي للمسألة وابعاد أخرى قد تؤدي فيما تؤدي إليه إلى اغلاق العديد أو على الأقل تعليق عمل هيئات وازنة في الاتحاد الأوروبي وهذه مشكلة أكبر بالنسبة للأوروبيين، الذين سيقومون بمزيد من عمليات التطهير في صفوفهم، فضلًا عن اغلاق دكاكين ميليشيات الـ (NGOs) التي شارفت مهمتها التخريبية على خواتيمها والتي يعشش فيها الفساد، ولبنان أحد الأمثلة المهمة حيث السرقات والتعامل مع تجار المخدرات، لا بل أكثر من ذلك، وهو حماية الإرهابيين وتعيين محامين لهم.. والامثلة في هذا المجال كثيرة، وهذه الإجراءات المتوقعة تُستشف من مؤشرين:

ــ أولهما على لسان رئيسة البرلمان الأوروبي روبرتا ميتسولا التي قالت أن الهيئة ستعدل قواعد العلاقات مع الدول الثالثة بعد فضيحة الفساد "الأسوأ" في تاريخها. وقد "بدأت في إعداد مجموعة واسعة من الإصلاحات ستكون جاهزة العام المقبل، ويشمل ذلك تعزيز النظام البرلماني لحماية المبلغين عن المخالفات، وحظر أي جمعيات صداقة غير رسمية، ومراجعة مدونة قواعد السلوك، ومراجعة عامة لطبيعة التفاعل مع الدول الثالثة".

صحيح أن كثيرًا من التبليغات لم تكن تأخذ بها القيادة المركزية في هيئات الاتحاد التي تقر ميزانيات المنظمات المنتشرة في عشرات الدول المستهدفة لاسباب عملياتية، باعتبار انه لا يجوز الحساب في ذروة العواصف، لكنها بدأت تأخذ ببعضها لزوم تحسين الصورة التي تشوهت بايدي صناعها، الا أن الغريب في كلام المسؤولة الأوروبية ميتسولا تشديدها على أن "الديمقراطية الأوروبية تتعرض لهجوم"، معربة عن "غضبها الشديد وحزنها" لفضيحة الفساد التي اعتقلت في سياقها نائبتها اليونانية إيفا كايلي بشبهات فساد مرتبطة بقطر. إلا أن الأخطر، وهنا دلالة سياسية واضحة في الفضيحة لكنها رائعة في نتيجتها، عبر قولها ان "التحقيق الجنائي يضر بالديمقراطية، وأوروبا، وكل شيء ندعمه.. لقد استغرق بناء الثقة سنوات، لكن لحظات فقط كافية لتدميرها.. يبدأ العمل لاستعادة (الثقة) الآن".

ــ المؤشر الثاني ما طالب به رئيس وفد النواب الفرنسيين في البرلمان الأوروبي النائب تيري مارياني بالعمل لإعادة النازحين السوريين في لبنان إلى بلادهم، واعتبر مارياني في تقرير قدمه للبرلمان بعد جولته في لبنان أن "ما يفعله الأوروبيون هو تدمير للبنان من خلال دعم المنظمات غير الحكومية لإبقاء اللاجئين فيه"، مضيفا: "تخيلوا لو أن فرنسا تستضيف 22 مليون لاجئ على أراضيها وأن المجتمع الدولي يطلب منا الاحتفاظ بهم... هذا ما يلحق بلبنان نسبة إلى عدد سكانه".

هذا الاعتراف الواضح عن الدور الخطير للمنظمات غير الحكومية مع بدء مسلسل الاعتراف بالفساد في أعلى هيئات الاتحاد الأوروبي يكشف أن الاتحاد الأوروبي بؤرة للفساد، وأنّ التنافس بين مختلف المصالح والجماعات الكبيرة هو للسيطرة على المنظمة، والاتحاد الأوروبي نفسه بؤر للفساد والأحداث اليومية في نظام استغلالي فاسد لا يعالج. مثله مثل البنك الدولي ورديفه صندوق النقد الذي يفرض شروطا افسادية على الساسة لتمرير المشاريع السياسية الفاسدة، ولا سيما في التصنيفات للدول حيث يجري التصنيف حسب الرشوة وقيمتها والتي دفعت البعض الى الاستقالة أو الإقالة دون ضجيج. ويقول ماوريسيو كارديناس الأستاذ بجامعة كولومبيا ووزير المالية الكولومبي السابق الذي ترأس فريق الخبراء "يحتاج البنك الدولي إلى تأمل في النفس، إنه يدأب على الدعوة إلى إصلاحات بالدول من أجل تحسين الحوكمة والشفافية والممارسات، عليه الآن استخدام هذه الوصفة من أجل إصلاح نفسه".