ماذا تريد واشنطن وتل أبيب من «الهدنة» في اليمن؟
محمد صادق الحسيني
في تعليق له على ما يُطلق عليه مسمّى الهدنة في اليمن، وما يدور من مداولات حول إمكانيات تمديد هذه «الهدنة» علّق أحد الخبراء العسكريين المخضرمين، على هذا الموضوع بالقول:
أولاً: إنّ الدوائر الأميركية ـ «الإسرائيلية»، التي طرحت فكرة «الهدنة» من الأساس، لم تقدّم ذلك لا خدمة للشعب اليمني من منطلقات إنسانية ولا حتى من منطلقات انتهازية مصلحية تخدم دول العدوان المباشرة، أيّ السعودية والإمارات، بقدر ما هي خدمة لمصالح استراتيجية أميركية في الأساس وبالتالي إسرائيلية»، في محاولة لإفراغ انتصارات اليمن العسكرية من مضمونها.
ثانياً: ولما كان هذا القرار قد اتخذ من قبل صُنّْاع القرار في واشنطن، أيّ الدولة العميقة تحديداً، فإنّ السبب المباشر لاتخاذ هذا القرار كان ولا زال يرتبط، بشكل وثيق، بالمواجهة الأميركية الصينية الاستراتيجية، الأمر الذي يحتِّم علينا وضع هذا القرار في سياقه الصحيح، ألا وهو عمليات التطويق الاستراتيجي الأميركي ضدّ جمهورية الصين الشعبية وضدّ جمهورية إيران الاسلامية كذلك.
ثالثاً: إنّ هذه الهدنة «اليمنية» لا يمكن فهمها إلا في سياق ما حدث من «احتجاجات» وأعمال فوضى وشغب في كلّ من العاصمة الصينية بكين وشنغهاي، وهي المدينة ذات الأهمية الكبرى في جمهورية الصين الشعبية، في السابع والعشرين من الشهر الماضي، 27/11/2022، تحت حجة الاحتجاجات على الإجراءات الحكومية الصارمة، لمواجهة وباء كورونا، وما كان قد حدث قبل ذلك من عمليات إرهابية واسعة النطاق، في العديد من المدن الإيرانية، وهي العمليات التي أدارتها غرفة العمليات الأميركية ـ «الإسرائيلية» المتقدمة في أربيل، بشمال العراق، والتي تشكل دليلاً واضحاً على أنّ هذه العمليات إنما هي جزء من مخطط أميركي أكبر بكثير من موضوع فتاة أصيبت بأزمة قلبية نتيجة لتوقيفها من قبل أجهزة حفظ النظام في إيران، او من موضوع محتجّين على إجراءات الحكومة الصينية لمواجهة وباء كورونا.
رابعاً: كما أنّ تلك الاحتجاجات تشكل حلقة من حلقات الحشد والتطويق والضغط الاستراتيجي على الصين وإيران، من قبل الولايات المتحدة والأوروبيين، فإنّ ما يُسمّى بالهدنة في اليمن ليست سوى حلقة أخرى من حلقات المخطط الأميركي ـ الإسرائيلي» (في حالة اليمن).
إذ انّ الهدف الأساسي، لفكرة الهدنة في اليمن، يتمثل، تكتيكياً، بالمراهنة على صنع أجواء تمييع الحالة اليمنية، من خلال وضعية اللاحرب واللاسلم ومحاولة إطالة أمد هذه الحالة حتى تبدأ التشكيلات العسكرية اليمنية، الجيش وأنصار الله، بالاسترخاء والابتعاد عن فكرة القتال تدريجياً، من خلال تقديم بعض التسهيلات الحياتية للمواطنين والعسكريين (موضوع المعاشات لجميع الموظفين). ولا بدّ من الإشارة الى انّ هذا المبدأ هو نفسه، الذي طبّقه حلف شمال الأطلسي، بقيادة واشنطن، في إقليم كوسوڤو المنشق عن جمهورية صربيا، منذ عام 1999. وهو المبدأ نفسه الذي طبّقه الجنرال الأميركي: دايتون، الجنرال المختص في تفكيك «التنظيمات الإرهابية»، الذي نفّذ تفكيك التشكيلات العسكرية التي حاربت في البوسنة والهرسك في بداية تسعينيات القرن الماضي. وهو نفسه الذي تولى تفكيك تشكيلات كتائب الأقصى وغيرها، في فلسطين، بعد استشهاد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات عام 2004، ونجح في ذلك الى حدّ بعيد.
خامساً: أما الهدف الاستراتيجي، للولايات المتحدة و«إسرائيل»، من وراء فكرة الهدنة ومواصلة تمديدها، فيتمثل في كون ذلك يشكل عاملاً مساعداً جداً، لواشنطن، في استكمال عمليات فرض الهيمنة الكاملة على كلّ من البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب، وصولاً الى مضيق هرمز وغرب المحيط الهندي، الأمر الذي يشكل خلقاً للظروف المناسبة لفرض حصار بحري على الجمهورية الإسلامية عند الضرورة، كما يشكل خط صدّ بحري متقدّم (من الاتجاه الغربي) للصين، الأمر الذي يشكّل تهديداً حقيقياً لحركة الملاحة الصينية، ليس في أوقات السلم فقط، وإنما، وقبل كلّ شيء، في حال حصول مواجهة عسكرية صينية، مع معسكر الغرب الجماعيّ، مستقبلاً.
سادساً: علماً أنّ ما ذُكر أعلاه ليس من ضروب الخيال وإنما هو حقيقة تتشكّل على أرض الواقع، وفي المنطقة البحرية المحدّدة التي يُطلق عليها اسم: قوة المهام المشتركة المسماة بالانجليزية: Combined maritime force ، وهي قوة بحرية تشارك فيها 34 دولة، منتشرة عبر العالم من نيوزيلندا شرقاً الى البرازيل غرباً، و»إسرائيل» في ما بينهما، ولكن دون ان تكون عضواً معلن العضوية في هذه المجموعة. وتخضع هذه القوة البحرية لقيادة قائد الأسطول الخامس في سلاح البحرية الأميركية، ومقرّه في المنامة في البحرين.
وما الاتفاق الأمني، الذي تمّ توقيعه بين مشيخة ابو ظبي و»الحكومه» العميلة في عدن، قبل أيام، إلا جزء من المخطط الأميركي، المُشار اليه أعلاه، فهي خطوة تستهدف ليس فقط «شرعنة» الاحتلال الإماراتي لعدن ومحافظات يمنية جنوبية أخرى، وإنما هو غطاء لنشاطات الوحدة البحرية رقم 153، في قوة المهمات المشتركة، المُشار اليها أعلاه، والتي تضطلع، حسب خطط العمليات الأميركية، وكما هو منشور على الصفحة الرئيسية لقيادة هذه الوحدة، على الإنترنت، وهي النشاطات التي سُمّيت، في توصيف مهمة هذه الوحدة، بحماية الأمن البحري في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن.
سابعاً: ختاماً تذكروا انغيلا ميركل، وهي تعلق قبل أيام على اتفاقيتي مينسك، في عامي 2014 و 2015 مع روسيا، بالقول:
إنّ الهدف من توقيع الاتفاقيتين المذكورتين لم يكن تطبيقهما وحلّ الأزمة وإنما استغلال الوقت للسماح لحلف شمال الأطلسي بتسليح أوكرانيا، بالشكل والمستوى المطلوبين.
إنها لعبة إدارة الوقت الأميركية إذن لمنع هزيمتها الكبرى الآتية، هي وحلفاؤها في كلّ الساحات والملفات.
لن تتمكنوا من تفريغ اليمن من نصره الاستراتيجي، بعد أن ربح الحرب وقضيَ الأمر.
بعدنا طيبين قولوا الله…