خارطة طريق نصر الله الرئاسية
ريما فرح
السيد نصر الله أعطى مواصفات الرئيس اللبناني المقبل بالنسبة إلى حزب الله، وهي تنطبق، بحسب كل الإحاطات، على شخصية رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح الحزب الجاد والحقيقي.
كتاب "لعنة وطن" الذي يتناول فيه الوزير السابق كريم بقرادوني الأحداث التي ضربت لبنان خلال الثمانينيات هو تعبير عن واقع فترة زمنية محدودة في وطن قدره أن يبقى ملعوناً نتيجة الطائفية الفكرية والبيئية والسياسية المتجذرة التي تُشكل أرضية للدول الخارجية للدخول في تفاصيل الأمور الداخلية، وتُكرس نفسها وصيّة على كلّ استحقاق يؤجّج الأطراف المتقاسمين على السلطة وأتباعهم.
لا شكّ في أنَّ اللعنة تكمن في أساس تركيبة هذا البلد الذي لم يأخذ استقلاله عبثاً، بل على وقع صراعات الدول، وخصوصاً بين فرنسا وبريطانيا، وهو استقلال جاء مشروطاً بصيغ تجعل باب لبنان مفتوحاً أمام الجميع، وبشروط متبادلة، بحسب الحقبات المستجدة. من هنا، كانت اللعنة الأولى هي لعنة الرئاسة الأولى التي شاء التقسيم أن تكون من نصيب المسيحية المارونية.
اليوم، وليس بالشيء الجديد أو الطارئ، دخل لبنان الفراغ الرئاسي في ظل عدم وجود وصاية خارجية مباشرة فعالة أو تفاهمات إقليمية، كما كان يحصل عادة في الاستحقاقات، وليس هناك حدث أمني يوجب اختراع اللجوء إلى بلد "مُنقذ" يخترع لهذا البلد رئيساً، فلا الحدث موجود، ولا العلاقات مع الدول العربية على ما يرام.
من هنا تبدأ لعنة الأحزاب ولعبة أصحاب السلطة في تضييع الوقت. ولا شكّ في أن طرح اسم النائب ميشال معوض غير جدي، والمعرفة بهذه السيناريوهات واضحة لا يُستفاد منها إلا شعبوياً.
منذ أيام، فتح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله الباب أمام الاستحقاق الرئاسي، وهي بداية ستلاقي بالتأكيد التأويلات بين المتحاربين اللبنانيين، إلا أنها ستحظى بترقب واهتمام من يهمه الأمر من اللاعبين الإقليميين والدوليين.
السيد نصر الله أعطى مواصفات الرئيس المقبل بالنسبة إلى حزب الله، وهي تنطبق، بحسب كل الإحاطات، على شخصية رئيس تيار المردة سليمان فرنجية، مرشح الحزب الجاد والحقيقي، "بحسب العارفين"، والذي يتفق حوله الجميع، ما عدا الثنائي المسيحي، المتمثل برئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل.
أما ما قاله رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط عن رفضه فرنجية، فما هو إلا مناورة "البيك" العادية، وما سُرب عن رئيس مجلس النواب نبيه بري، بقوله: "فرنجية مرشح مقبول، واتركوا جنبلاط عليّ"، يأتي ضمن صميم تفاهم جنبلاط - بري، وما يجمعهما هو تحالف لم يشِخ قط. تبقى المراهنة على موقف سمير جعجع الذي مدّ له فرنجية في وقت سابق يد المسامحة، ويراهن البعض على أنه ربما يكون أسهل من باسيل لأكثر من سبب.
بالعودة إلى كلام السيد نصر الله، فهو لم يقف عند مرشّح الحزب حصراً، بل فتح باب الحوار حول المرشح الثاني، وهو قائد الجيش العماد جوزيف عون. وعندما يقول السيد نصر الله إنّه، وعلى مر الأيام، لم يطعن أيّ قائد للجيش المقاومة، فهي شهادة بأنَّ العماد عون خيار آخر، وخصوصاً أن الأمين العام لحزب الله يعرف تماماً أن جوزيف عون شخصية مقبولة أميركياً وأوروبياً وعربياً وداخلياً، طبعاً باستثناء التيار الوطني الحر.
ما حصل منذ أسابيع في مبنى قناة "أم تي في" وأمامه، هو صورة قدمها قائد الجيش لبرنامجه الانتخابي الضامن للأمن والسلم والحكم بالسواسية؛ فمن فاته مشهد الأرض آنذاك، عليه أن يرى أن الجيش اللبناني رفض تدخل أي جهة أمنية رسمية، وتولى عناصره ضبط الحدث بقوة مدروسة، ما أدى إلى حسم المشهد لمصلحة الأمن والانضباط.
باب الكلام عن مرشح جدي للرئاسة الأولى بدأه السيد حسن نصر الله. أما اللحظة الحقيقية للانفتاح عليه، فتنتظر مؤشرات خارجية لم تنضج بعد.
الفراغ الرئاسي في لبنان له مسار طويل، فهو الفراغ الرابع منذ الاستقلال عام 1943. كان الفراغ الأول عام 1952، وهو أقصر فراغ عقب استقالة الرئيس بشارة الخوري. أما الفراغ الثاني، فكان مع انتهاء ولاية الرئيس أمين الجميل. وقد امتد من 23 أيلول/سبتمبر 1988 إلى 5 تشرين الثاني/نوفمبر 1989.
وامتدّ الفراغ الثالث من 23 تشرين الثاني/نوفمبر 2007 إلى 25 أيار/مايو 2008 بعد انتهاء ولاية الرئيس إميل لحود. أما الأطول مدةً، فكان بعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان، إذ امتد سنتين ونصف سنة من 24 أيار/مايو 2014 إلى 31 تشرين الأول/أكتوبر 2016، قبل انتخاب ميشال عون رئيساً.