موسكو تعلن وفاة القطبية الاحادية
تحول لافت ومثير يعلن من موسكو وعلى لسان الرئيس بوتين بان عصر الاحادية القطبية قد تلاشى وانه اصبح من الماضي، يعتبر تحولا استراتيجيا كبيرا بدأت ملامحه بالظهور في الساحة العالمية منذ سنوات عبر صعود قوى متعددة سواء في آسيا او اميركا اللاتينية او غيرها، لكن العمليات العسكرية في اوكرانيا ترجمة ذلك عمليا حيث انكشف الظهر الاميركي ـ الغربي المتمثل بالناتو على حقيقته وبات اليوم هذا المعسكر يواجه ازمة بنيوية لدرجة ان مجلة "ذا سبيكتايتور" البريطانية قد حذرت بان "الغرب على وشك الانقسام وسط ضغوط اقتصادية تتعرض لها بخصوص الطاقة". وتذهب هذه المجلة الى ابعد من ذلك بتحذيرها قائلة "يمكن ان تدور المعركة الاكثر اهمية في نهاية المطاف في المنازل والشوارع والساحات في جميع انحاء اوروبا".
ومما يزيد من اهمية حديث الرئيس بوتين بانتهاء عصر الاحادية العالمية والتاكيد على ولادة عالم متعدد الاقطاب هو اعلان ذلك امام مؤتمر موسكو للامن الدولي الذي ضم ثلثي دول العالم. وهذا الحضور الحاشد لـ 130 دولة في موسكو هو تجسيد عملي لعالم متعدد الاقطاب يدفع باتجاه ترسيخ سيادة الدول والحفاظ على مقدراتها في وقت ان نظام القطب الواحد الذي كانت تقوده اميركا يركز على الهيمنة والسطو ونهب ثروات الشعوب وخدش سيادتها.
فاميركا التي قادت نظام القطب الاحادي في العالم ردحا من الزمن كانت باستمرار تفتعل الازمات وحتى اليوم وليس آخرها اوكرانيا للحفاظ على المناطق والدول التي تهيمن عليها بغية تأمين مصالحها اللامشروعة ونهب الموارد والثروات لهذه الدول.
فالبديل الطبيعي والحضاري لنظام الاحادية القطبية الاستعماري الذي يعتمد اساليب قذرة للهيمنة والسطو واحتقار الشعوب، هو نظام متعدد الاقطاب الذي يساهم في الحفاظ على مقدرات الشعوب وسيادتها ويفرض بطبيعته موازنات ومعادلات جديدة تدفع الجميع لاحترامها.
ولا شك بان اوكرانيا كانت البداية العملية للانقضاض على العالم الاحادي القطبي الذي يلملم هزيمته اليوم في اوكرانيا ولم يستطع معالجة الموقف لان العقوبات والحرب التي يقودها بدأت تنخره من الداخل بدل ان تستنزف الطرف الروسي الذي يقود العمليات العسكرية بذكاء وحسابات دقيقة بعيدة عن الاندفاع غير المدروس وعلى العكس ان هذه العمليات بدأت تستنزف اوكرانيا ومعها المعسكر الغربي بقيادة اميركا عسكريا واقتصاديا وان العقوبات التي فرضوها على روسيا انقلبت عليهم وهم يواجهون اليوم ازمة بنيوية خاصة في مجال الطاقة وما اشارت اليه المجلة البريطانية "ذا سبيكتايتور" البريطانية بان "استطلاعات الرأي تكشف ان اسعار الطاقة تخيف الناس اكثر من الاسلحة النووية الروسية"، لدليل على عمق الفاجعة التي تنتظر الغرب في هذه الحرب التي اردوها هزيمة لروسيا واذا بها تنقلب عليهم.
فالسؤال الذي يطرح نفسه الى اين آلت الامور وما هي تداعياتها المخيفة لاميركا والغرب حتى يدخل كيسينجر على الخط ويحذر من ان اميركا تفتقد لقائد جيد وان السياسة الاميركية قد تسبب في خلق هذه الازمات ويحذر بصراحة ان اميركا على شفى حرب مع روسيا والصين بذلك ستجر العالم الى الحرب في اوكرانيا وتايوان على حد زعمه.
واذا ما تجاوزنا تحذيرات كيسينجر فان اميركا وكما عهدناه فانها اليوم غير مستعدة وغير قادرة على خوض الحروب مباشرة وهي تتحرك في اطار حرب الوكالة وقد تدفع بتايوان وكوريا الجنوبية واليابان للحرب مع الصين وهذا ما هو مستبعد ايضا لان طاقات وقدرات هذه الدول مهما كانت غير متكافئة مع القدرات والطاقات الصينية المتعاظمة.