هل تكتب نهاية بايدن في الخليج الفارسي؟
عبير بسّام
أربعة أهداف رئيسية دارت في رأس الرئيس الأميركي جو بايدن وأمِل بتحقيقها عبر جولته في "الشرق الأوسط. أول الأهداف طمأنة الكيان الاسرائيلي والتأكيد على حماية أمنه الذاتي، والثاني تجنّب عداء اللوبي الصهيوني ـ الأميركي إن لم يكن قد ضَمِن ثقته، والثالث تخفيض سعر المشتقات النفطية عن طريق دفع السعودية من أجل زيادة انتاجها عالمياً لتخفيض العجز الناتج عن تراجع بيع النفط الروسي، والرابع، تشكيل حلف غازي ونفطي شرق أوسطي في وجه الغاز والنفط الروسي، مما يعطيه الأمل باستعادة الثقة بقدرات أميركا "كقوة عظمى" في العالم قادرة على حماية أمن الخليج الفارسي والمنطقة وإدارتها. أهداف تصب جميعها في خدمة الانتخابات النصفية الأميركية القادمة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2022.
مبدئياً، هذا ما ظهر جلياً في الإعلام، ولكن كل من يتابع تأثيرات الضغوط الاقتصادية، التي تعرضت لها أميركا، وخاصة بعد انتشار وباء كوفيد 19 وانغلاق دول العالم على نفسها، يمكنه أن يرى الأهداف الحقيقية، التي ترجو أميركا تحقيقها من الزيارة، التي ستقرر أيضاً اذا ما كان بايدن سيعود إلى بلاده جارًّا وراءه الانتصارات أم الخيبات التي لن يستطيع تحمل نتائجها!
فما يريده بايدن مختلف تماماً عما تريده المنطقة هنا. فمثلاً الإسرائيليون، يريدون دعماً أميركياً في الحرب القادمة مع إيران، ليس بالمال والسلاح فقط، وإنما دعماً عسكرياً مباشراً وتحمل الأثمان البشرية معه، بالمقابل أميركا، وخاصة بعد تجربة قاعدة عين الأسد في العراق وتجربة قصف مركز الكيان في أربيل، لا تريد الذهاب إلى حرب مباشرة مع إيران.
إذًا هناك أزمة كبيرة تتعلق بالعلاقة مع إيران أو بإشعال حرب في المنطقة العربية معها، وخاصة بالنسبة للسعودية والإمارات العربية المتحدة، اللتين تعلمتا الدرس القاسي في اليمن، اذ كانت تعتبر السعودية هذا البلد العربي مجرد باحة خلفية لها، وتنظر إليه الإمارات العربية على أنه مجالها المفتوح من أجل لعب دور كأهم وسيط في المنطقة في تسيير التجارة العالمية. ولكن! اتضح، أنه ليس من قوة عسكرية ومادية يمكن للسعودية صرفها في اليمن تمكنها من تحقيق أي انتصارات أو نتائج لصالح مطامع الدولتين العربيتين، ومن يجني الأرباح هما أميركا و"اسرائيل" كأثمان للأسلحة والخدمات التقنية والعسكرية.
ولكن هنا من المشروع طرح التساؤل، هل يستغل العربان هذا التخوف من القوة النووية الإيرانية للدفع نحو ما يريدون تحقيقه من مصالح واللعب عليه؟ إذ إنه من الواضح أن هنالك مجموعة من الخطط التي تجري من تحت الطاولة من أجل الاستقلال عن السيطرة العسكرية الأميركية في الخليج لصالح نوع آخر من التحالف العسكري في المنطقة مع "اسرائيل". من المعلوم أن دول الخليج الفارسي تدفع الأموال الطائلة مقابل التواجد العسكري الأميركي في الخليج، كما وتدفع الأموال الطائلة مقابل عمل الشركات الأميركية المتواجدة فيها ومقابل شراء التقنيات الأمنية والسلاح الأميركي منذ الحرب العالمية الثانية.
وهنا تجب العودة للقراءة مجدداً في حركة التطبيع العربي مع الكيان الصهيوني في العديد من الدول العربية، وفي المحاولات المستمرة بالدفع نحو السيطرة على اليمن، وخاصة في المهرة وعدن. وكما قلنا سابقاً إن "إسرائيل" اليوم تشرف بشكل مباشر من خلال تواجدها العسكري في الخليج الفارسي والمملكة المغربية وفلسطين وجزيرة سقطرى اليمنية على مداخل البحر المتوسط بشكل مباشر. وبالتالي، فإن دخولها المباشر على العلاقات مع الدول العربية، والتي تتكثف فيها الاستثمارات الزراعية الخليجية مثل السودان يضعها في مستوى آخر من العلاقات في العالم العربي.
كما أنه علينا أن لا ننسى أن "اسرائيل" على علاقة مميزة مع كل من إثيوبيا وتركيا واللتين تسيطران على أهم مصادر المياه والحياة في المشرق العربي وهي أنهار النيل والفرات ودجلة، في أهم ثلاث دول عربية يمكنها أن تشكل حلفاً قادراً على تهديد أمنها وجمع شمل العرب فيما لو اتفقوا.
يعني ذلك أن كلّا من دول الخليج الفارسي المطبعة و"اسرائيل" لم تعد بحاجة حقيقية للولايات المتحدة من أجل ضمان أمنها، والمطلوب الوحيد من الأميركيين في هذه المرحلة هو الدخول المباشر معهم في حرب على إيران من أجل ضمان أمن الدولة المارقة. وإن تجربة التحالف "العربي"، التي تضم الكيان الغاصب في اليمن تثبت أنهم ما يزالون مراهقين في قيادة الحرب حتى على بلد "ضعيف"، افتراضياً، وأنهم غير قادرين على إحراز أي نصر فيه أو حتى تحقيق الأهداف المرتجاة منها.
وبحسب ما تداوله الإعلام العبري، فإن نتائج زيارة بايدن إلى الكيان جاءت مخيبة للآمال. فمن الواضح أن أميركا سترفض أي تعهد بالتدخل العسكري المباشر في أي هجوم يشنه الكيان على إيران. وبالتالي باتت زيارة بايدن تعتمد على السعودية من أجل إنقاذها، والسبيل إلى ذلك ضخ المزيد من البترول في شرايين العالم لصالح خفض أسعاره عالمياً. في الحقيقة منذ بداية زيارة الأميركي ونحن نلمس انخفاضاً في أسعار برميل النفط عالمياً؛ فارتفاع أسعار النفط لامس حريقه المواطن الأميركي، الذي تعاني بلاده كما العالم من تضخم مالي هو الأكبر منذ أربعين عاماً، وبايدن غير قادر على تنفيذ تعهداته خلال حملته الرئاسية. وأول ثمن دفعه بايدن مقابل هذا الانخفاض كان استقبال ولي العهد السعودي محمد بن سلمان له على باب قصر السلام والتسليم عليه.
وهذا بالضبط ما كان مقتل بايدن في الخليج الفارسي! فمن يقرأ الصحافة الغربية وتعليقاتها على الازدراء من تعاطي بايدن المهذب واللطيف مع ابن سلمان يمكنه أن يرى إلى أين ستسير الأمور لاحقاً، خاصة وأن أهم المؤسسات الإعلامية الأميركية مثل الواشنطن بوست والمنحازة للديمقراطيين دائماً، هي من تقود اليوم حملاتها الشرسة على رئيسها. لقد حقق بايدن أكبر نسبة إخفاق دبلوماسي عالمي، وبات يرتبط اسمه مع قاتل، ويبدو أن دية المقتول قد دفعها ابن سلمان لكل من تركيا ومن ثم الولايات المتحدة على "البكلة" كما يقال، فأخيراً، فتحت المملكة مجالها الجوي أمام طائرات الكيان بشكل رسمي وعلني.
من أهداف الزيارة تخفيض أسعار النفط، وتحقيق أمن الطاقة، وهذا ما تحدث عنه مستشار الأمن القومي في البيت الأبيض مايكل سوليفان. لكن بايدن خسر في هذه الجولة على الصعيد الأخلاقي والإنساني والحقوقي لصالح ابن سلمان، والذي نال حتى اليوم مباركة رئيسين أميركيين ترامب وبايدن. بحسب تصريحات سوليفان حول الزيارة الأميركية "الهامة"، فهي تهدف فيما تهدف إليه إلى حفظ أمن المنطقة! هدف يردد فيه سوليفان اسم ايران مرة، واسم روسيا والصين أكثر من مرتين أو ثلاثة. فالبيت الأبيض يريد فعلياً قطع علاقات الخليج الفارسي مع العملاقين الصاعدين وتفعيل العلاقات التجارية ولربما الاستثمارات مع دول الخليج الفارسي على حسابهما. ولكن السؤال هنا: هل تعرف الولايات المتحدة الأميركية معنى تعبير الاستثمارات في عالم الاقتصاد؟
والجواب بالتأكيد لا! لسببين: الأول، إن الاقتصاد الرأسمالي يقوم على مبدأ الشراء بالرخيص والبيع بالغالي، وإعطاء القروض ذات الفوائد المرتفعة، ودول الخليج الفارسي باتت غير قادرة على هذا النوع من الدفع، والثاني، إن أميركا بما وصلت إليه من تكبر وعنجهية لا تستطيع أن تفهم أن "الزغاليل" المختلفة الأشكال والألوان التي رعتها قد نبت ريشها وكبرت أجنحتها وباتت تدفع نحو مغادرة العش نهائياً. لقد كبرت الأنظمة الحاكمة في الخليج العربي وفي دولة الكيان، وتسعى اليوم لإثبات أهميتها وفرض التعاطي معها على أنها دول إقليمية فاعلة في المنطقة وقادرة على بناء تحالفاتها. وهذا ما تعجز أمريكا عن رؤيته وفهمه، وهو ما سيأخذها نحو المزيد من التخبط، وسيأخذ بايدن القادم من عصر الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي نحو مزيد من التلبك والضياع، فهل جولة الانتخابات التي يقوم بها بايدن في الشرق الأوسط ستأتي أكلها في الداخل الأميركي؟ الجواب الفصل في الانتخابات النصفية الأميركية القادمة.