kayhan.ir

رمز الخبر: 153899
تأريخ النشر : 2022July19 - 20:31

هل تتشكل الحكومة في لبنان؟ ومتى؟

 

سركيس ابوزيد

 يتأرجح الوضع في لبنان بين انتظار التسويات والمواجهات الخارجية، واحتمال قيام صفقة محاصصة جديدة.

لم يتمكن المجلس النيابي الجديد من تأمين اكثرية مستقرة وواضحة وصريحة تستطيع اتخاذ القرارات، فعملية تسمية الرئيس ميقاتي اظهرت أن الكتل النيابية مفككة، والجبهات متناقضة ومتباينة ولا يوجد رأي واحد لدى اغلب الكتل، حتى الاكثرية التي صوتت للرئيس نبيه بري لم تستطع ان تجتمع وتصوت على اسم الرئيس ميقاتي. كما نلاحظ ان هناك تباينات داخل فريق 8 اذار، وداخل فريق ما تبقى من 14 اذار وداخل المستقلين وداخل النواب الجدد، مما يشير إلى ان وضع هذه الكتل مربك باستثناء كتلة الوفاء للمقاومة وكتلة التنمية والتحرير.

الوضع الاقتصادي في لبنان يتطلب وجود قرار سياسي موحد غير موجود، مما سيزيد من حالة القلق والضياع وتفاقم الازمة المالية. بالاضافة الى انه سيكون هناك تعثرات وتحديات كبيرة بتشكيل الحكومة، وكل ذلك سينعكس سلبا على الوضع الاقتصادي الاجتماعي المالي المتعثر أصلاً، وهذا الوضع يشير الى انه سيزداد سوءا في الايام المقبلة لان مواجهة هذه الأوضاع  تتطلب موقفا وطنيا كبيرا والتفافا حول القرارات السياسية المصيرية، وهذا غير متوفر، مما يشير الى ان لبنان ذاهب الى مزيد من التازم، والى مزيد من الخلافات، والى مزيد من الانهيار.

كما ان جولة الرئيس الأميركي جو بايدن الأخيرة، والتي راهن البعض على جديتها، أظهرت ان الموقف العربي غير واضح ومربك بالتعاطي مع المسألة اللبنانية، فمعظم الدول العربية  تمر بفترة ترقب وانتظار لمعرفة الوضع اللبناني المتحول، وهي تراقب التطورات الاقليمية الحاصلة، حتى يتبلور ويتوضح اكثر موقفها، لذلك نلاحظ أنها لم تتخذ مواقف حاسمة وجذرية ولم تتفق أصلا على تسمية رئيس الحكومة. ونلاحظ أن الكتل التي تتأثر بالموقف الخليحي كان لديها مواقف متناقضة وغير موحدة، لذلك الترقب والانتظار هو سيد الموقف، وهذا التردد والضياع ناتج عن الوضع الاقليمي غير الواضح، وعن الوضع الداخلي المربك والمفكك.

 ورغم العلاقات الجيدة بين السعودية وفرنسا، نلاحظ ان هذه العلاقة مرتبطة بالتطورات والتناقضات الموجودة على الساحة اللبنانية والدولية. فبالرغم من الحوار والتقاطع بين السعودية وفرنسا، لا يوجد رؤية مشتركة لكيفية الحل. من هنا احيانا تظهر الامور أن هناك توزيع ادوار او انتظار وترقب نتيجة كل هذه التعقيدات الدولية والاقليمية والداخلية. العلاقة السعودية الفرنسية ايجابية ولكن هناك حوار مستمر، وانتظار لكل هذه التحديات حتى يتم اتخاذ موقف موحد ومشترك لم تتبلور صيغته بعد. لا يوجد رؤية دولية لمستقبل لبنان، من هنا نلاحظ التناقضات والخلافات والتباينات في المواقف الدولية والاقليمية، وهي نتيجة هذا الضياع، وهذه المنافسة الموجودة على المستوى الاقليمي والدولي.

من جهة اخرى، يتبين للمتابع والمراقب للاحداث ان لبنان ليس اولوية عربية، هناك اولوية لدول الخليج الفارسي  لها علاقة بخياراتها الاستراتيجية وبالتطورات الحاصلة في المنطقة وعلى مستوى العالم. هناك حوارات من تحت الطاولة أو من فوق الطاولة ترسم معالم مستقبل المنطقة، لذلك  تنتظر هذه الدول نتائج هذه التطورات حتى تحسم خياراتها في لبنان.

على الصعيد الداخلي ظهر التفكك في المشهد السياسي، وهو موجود بين الكتل وداخل الكتل في مجلس النواب المنتخب حديثا، مما يدل على انه لا يوجد اكثرية واضحة ومحددة وثابتة يمكن أن تأخذ قرارا واضحا وثابتا لمواجهة التحديات واتخاذ قرار بالحلول الاصلاحية الضرورية، لذلك الهاجس اليوم هو كيف سيتمكن الرئيس المكلف من تكوين اكثرية جديدة داخل مجلس النواب تدعم حكومته الجديدة حتى يتمكن من مواجهة التحديات الاقتصادية والمالية، بالاضافة الى التحديات الوطنية لا سيما ترسيم الحدود مع الكيان المؤقت، والخلاف الموجود حولها واستخراج النفط، ومواجهة السلوك الاسرائيلي العدواني.

لبنان في حالة من الحيرة والارتباك والتردد لا تبشر بإمكانية تشكيل حكومة سريعة، ولا تدل على ان هناك امكانية لتشكيل حكومة وطنية جامعة تستطيع اتخاذ القرارات المصيرية المطلوبة، الا اذا حصلت تطورات مؤثرة.

اما موقف الكتل النيابية  فهي في حالة تنافس فيما بينها واحيانا تتخذ قرارات شعبوبة لارضاء جمهورها، مع العلم ان السواد الاعظم من اللبنانيين يريد ايجاد حلول عملية وفعلية للمشاكل الاقتصادية والمعيشية، ولوقف تدهور لبنان ومنعه من السقوط، ومنعه من الخراب الاتي وامكانية اندلاع اضطرابات امنية واجتماعية عديدة، لذلك موقف هذه الكتل يغلب المصلحة والمحاصصة، ويغلب ارضاء جمهور طائع لا يعرف ماذا يريد، ويعيق عمليا تشكيل الحكومة وايجاد مخارج للازمة القائمة وللتحديات الموجودة.

الكل يعلم بأن هناك صعوبة يواجهها الرئيس المكلف، ولكن للاسف الكتل النيابية المسؤولة والمنتخبة والتي تعبر عن مصالح الناس، لا تسهل الامور من اجل ايجاد حلول مرحلية. الكل يعلم بأنه لا يوجد اكثرية ولا يوجد رئيس يوجد اجماع حوله، ولكن بالوقت نفسه هناك مسؤولية لهذه الكتل لانها استقالت من دورها، ولم تتمكن من تقديم مرشحين او لم تتوافق على ايجاد مرشح يوفر اغلبية قادرة على تشكيل حكومة فاعلة، وقادرة على حل المشاكل والتحديات، لذلك هناك مسؤولية كبيرة تتحملها هذه الكتل ويتحملها النواب، مما يظهر ان المجلس النيابي الحالي شبه عاجز عن ايجاد حلول لمواجهة التحديات المصيرية.

المطلوب من النواب تحمل المسؤولية في هذه المرحلة الانتقالية لانه حاليا هناك اولوية تمس بالوضع الاقتصادي الاجتماعي للفقراء والمحرومين، اضف الى ذلك هناك تحدٍّ كبير يتعلق بترسيم الحدود ومواجهة المطامع الاسرائيلية، ورغم كل هذه التحديات لا نلحظ ان هناك مسؤولية من قبل معظم النواب لايجاد حلول ولو مؤقتة لمدة اربعة اشهر، لتوفير عملية انتقال سليمة ومستقرة للبلاد قبل انتخاب رئيس جمهورية، مما يدفع الامور الى مزيد من اليأس والتناقض، ومزيد من الخراب مما يهدد لبنان بالدخول بنوع من الفراغ الدستوري الذي يفتح البلاد على كل انواع المغامرات المأساوية والانتحارية.

فهل يشهد لبنان يقظة ضمير وتتشكل حكومة جديدة من اجل انقاذ لبنان قبل فوات الأوان؟