كيف أثّرت معركة "العصف المأكول" في سلاح البر الإسرائيلي؟
أيمن الرفاتي
معركة العصف المأكول التي كبدت جيش الاحتلال خسارة فادحة وكسرت خطته البرية التي انطلقت بعد أسبوع من بدء عدوانه العسكري على قطاع غزة، تفرض تغييراً في تفكير القيادة العسكرية بخصوص خطط استخدام الذراع البرية، وقدرتها على الحسم في المنطقة.
لم تكن معركة "العصف المأكول" عام 2014 معركة عادية في تاريخ الصراع بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال الإسرائيلي، إذ لا تزال التخوفات التي أنتجتها المعركة متماثلة أمام المخططين وصانعي القرار العسكري في كيان الاحتلال، وباتت حسابات الاشتباك المباشر والالتحام الميداني مع المقاومة أكثر تعقيداً مما كانت عليه سابقاً، وهو ما انعكس جليّاً في معركة "سيف القدس" العام الماضي إذ ارتدع جيش الاحتلال عن تنفيذ عمليات برية في قطاع غزة.
قبل معركة "العصف المأكول" استطاعت المقاومة الفلسطينية إعداد وتنفيذ خطة دفاعية قوية على طول حدود قطاع غزة، شملت التشكيلات العسكرية والكمائن والخطط المتعددة لحماية القطاع وخصوصاً المناطق الحدودية، وقد نجحت هذه الخطة في تكبيد جيش الاحتلال خلال المعركة خسارة فادحة، وكسر خطته البرية التي انطلقت بعد أسبوع من بدء عدوانه العسكري على القطاع، ما أدّى في النهاية إلى انكسار دافعية جنود الاحتلال إلى القتال البري، بسبب الخوف من الاشتباك المباشر مع مقاتلي المقاومة.
لقد أدّت عمليات الصد والدفاع التي نفذتها المقاومة لخطة العدو الهجوم البري داخل قطاع غزة خلال المعركة فيما يسمّى عسكرياً "الهجوم الجبهي" إلى تغيير في تفكير القيادة العسكرية بخصوص خطط استخدام الذراع البرية، وقدرتها على الحسم، وإلى تغيير واقع المعركة كما كان في السابق، وبات الاعتماد على هذه الذراع بعد العملية مرتبطاً بعدد من العوامل الاضطرارية في الاستخدام العسكري.
وقد كان هذا التغيير في التفكير لدى القيادة العسكرية الإسرائيلية نابعاً في الدرجة الأولى من حجم الخسارة التي وقعت في سلاح البر والألوية العسكرية في جيش الاحتلال، بعدما ركّزت المقاومة والجناح العسكري لحركة "حماس" وبتعليمات من القائد العام لكتائب القسام "محمد الضيف" على إيقاع أكبر خسارة في الجنود، سواء داخل قطاع غزة أو في المنطقة الحدودية، فيما كان عدم قدرة سلاح البر الإسرائيلي على تحقيق المطلوب منه على نحو ملائم سبباً آخر حمل نتائج عكسية أدخلت منظومة جيش الاحتلال في معضلة متراكبة تمثّلت في الكمائن التي خصصتها المقاومة لأسر الجنود، وتحوّلت المعضلة من عسكرية إلى أمنية وسياسية ولم تنتهِ حتى اليوم، وبات مطلوباً دفع ثمنها في صفقة تبادل للإفراج عن الجنديين هدار غولدن، وشاؤول آرون.
يرى الخبراء العسكريون والأمنيون في كيان الاحتلال أن تجربة معركة 2014 في غزة هي الأسوأ في إدارة القوة البرية؛ لأنّ الجيش تأخر في حشد قواته والاستعداد للدخول البري على عكس معركة عام 2008 مع غزة، التي يُنظر لها على أنّها النموذج الصحيح لاستخدام القوة، سواء في معركة بادرت إليها القوات أو تمّت مهاجمتها وأجبرت على الرد. ففي المرحلة الأولى من معركة 2008 استخدم جيش الاحتلال "جهدًا ناريًا واسع النطاق، من الجو والبحر والبر؛ ما ألحق أضرارًا كبيرة بأنظمة "حماس" وبنشطائها وبنيتها التحتية ومستودعات الذخيرة ومقارّ القيادة"، بحسب يائير غولان نائب رئيس هيئة الأركان السابق.
ولا تزال معركة 2014 حاضرة في أذهان قادة ومفكري جيش الاحتلال، إذ يطرح غولان ضرورة قياس جاهزية الجيش للحرب قبل التفكير في الدخول البري عبر ثلاثة مكوّنات، هي: الأولى الجاهزية المهنية - وتستند إلى العقيدة القتالية والتدريبات التي تحاكي الواقع، ويمكن مقارنتها باستعداد العقل لتحدي الحرب، أمّا الثانية فهي جاهزية السلاح والوسائل – وهذا يتناول نوعية الوسائل ومستوى كفاءتها وأحجامها وعددها، التي يجب أن تكون كافية لجميع أيام القتال، ويمكن تشبيهها باستعداد الجسد – والهيكل العظمي والعضلات. أمّا الثالثة فتتمثّل في الاستعداد العقلي أو الذهني – الرغبة في قتال العدو وقتله، والقدرة على تحمّل أهوال الحرب مع إظهار روح قوية واستقرار عقلي نفسي في مواجهة الإخفاقات.
ويرى غولان أنّ قدرة سلاح البر الإسرائيلي التي تضررت بعد معركة غزة عام 2014 يمكن إيجاد حلٍّ لها من خلال التدريبات المتكررة، وتطوير القدرات التكتيكية واستخدامها في التدريب بما ينعكس على نفسية الجنود بقدرتهم على تحقيق الحسم في المعركة.
من ناحية ثانية أظهرت معركة العصف المأكول دافعية عالية لدى المقاتل الفلسطيني على التضحية والشجاعة، انعكست سلباً على دافعية جنود الاحتلال للقتال؛ ما جعل المؤسسة العسكرية الإسرائيلية تعيد التفكير في أي دخول بري للقطاع خوفاً من التكلفة العالية؛ ما ولّد حساسية لديها فيما يتعلق باستخدام سلاح البر، وقد ظهر هذا الأمر جلياً في معركة "سيف القدس" عام 2021، حينما كان الاستخدام السيّئ لذراع البر ضمن الخدعة المعدة مسبقًا "خطة برق/ مترو حماس" والخشية من الاشتباك البري المباشر عاملًا في انكشاف الخدعة وعدم ظهور جديتها أمام المقاومة.
لقد حوّلت معركة عام 2014 جيش الاحتلال من "جيش لا يقهر" إلى جيش يمكن أن يقهر على الرغم من حجم القوة الهائلة التي يمتلكها، وبات الجنود والقادة العسكريون الإسرائيليون يخشون مجرد طرح فكرة دخول قطاع غزة، لأن الأمر أشبه بدخول غرفة الموت، إذ إنّ القتال داخل حدود غزة سيجعل جنود الاحتلال وآلياته مثل البط يتصيَّدُه مقاومو غزة الذي يعيشون في كل شارع داخل القطاع.
وعلى الرغم مما سبق، لا تأمن المقاومة الفلسطينية غدر الاحتلال، وتواصل تعزيز وتطوير خططها الدفاعية الرادعة للاحتلال عن دخول قطاع غزة، إذ إنّها لا تركن إلى التقديرات التي تشير إلى عجز جيش الاحتلال عن دخول القطاع برّياً، بل تواصل تعزيز قواتها وقدراتها لحماية أهالي قطاع غزة من غدر الاحتلال وعدوانه.