kayhan.ir

رمز الخبر: 151420
تأريخ النشر : 2022May31 - 20:31

"مسيرة الأعلام" لها ما بعدها: المعركة في القدس ولأجل القدس

 

علي عبادي

خرج كل من الطرفين الفلسطيني والصهيوني مرتاحاً إعلامياً - وإن بتفاوت - إلى نتائج التحدي الكبير والدقيق يوم الأحد ٢٩ أيار. لكن التعمق في هذه النتائج يقود إلى التمييز بين الحصيلة التي جمعها كل منهما.

وتؤكد مجريات اليوم الطويل وما سبقه من استعدادات خلاصة واحدة وهي أن المعركة أصبحت في القدس وعلى القدس. وهذا بحدّ ذاته كفيل بتبديد آمال العدو في جعل "القدس الموحدة" خارج النقاش في أي خطوة يخطوها باتجاه تأكيد "السيادة" الإسرائيلية عليها. وعبّرت وسائل إعلام صهيونية عن هذه الحقيقة بأن لا أحد من المستوطنين كان سيجرؤ على القيام بمسيرة مع عَلم "إسرائيل" في هذه المنطقة، "فالسير في هذا المسار مع عَلم إسرائيل هو انتحار مؤكد.. ويجب أن نتوقف عن الكذب على أنفسنا. فلا توجد سيادة في القدس في عهد نفتالي بينيت. ولم تكن هناك سيادة كهذه أيضا لدى نتنياهو، أولمرت، شارون وجميع أسلافهم" ( عاميحاي أتالي _ يديعوت أحرونوت).

يضاف إلى ذلك أن حالة التضامن والالتفاف الواسعة حول القدس والمسجد الأقصى بين أهالي الأراضي المحتلة عام 1948 هي مبعث قلق للأجهزة الامنية الصهيونية التي تأخذ في الحسابان احتمال تجدد المواجهات في المدن المختلطة مثل اللد والرملة وعكا وحيفا وغيرها.

ولا بد من التمييز بين حالة الوحدة الفلسطينية حول خيار القدس، وفي المقابل حالة التفسخ في المجتمع الصهيوني بشأن التعامل مع التحدي الفلسطيني المتعاظم.

حسابات العدو

وقد أراد العدو من خلال توقيت مناورات "عربات النار" التي تمتد لشهر واحد إرسال إشارات طمأنينة لجمهوره المتخوف من تكرار سيناريو سيف القدس الذي ظلّل مدن العدو بحزام من نار في مثل هذا الشهر العام الماضي، كما أراد إشعار المعسكر المواجه بأنه يقف على استعداد لخوض مواجهة إن استلزم الأمر.

لكن التردد طبع ردود حكومة العدو في مقاربة موضوع مسيرة الأعلام، قبل أن يستقر الرأي على السماح بالمسيرة. وهذا التردد عائد إلى المخاطر الأمنية العالية التي قد يترتب عليها خوض حرب.

 وفي المقابل، كان هناك اعتبار آخر أبعد يتعلق بالثقة التي يراكمها الشعب الفلسطيني بعد كل حرب ومواجهة، خاصة في مرحلة ما بعد الاندحار من قطاع غزة عام ٢٠٠٥. ومن هنا، تكوَّنَ إدراك بأن "تغيير مسار المسيرة يعني الرضوخ لشروط حماس وهو ما سيشكل خطراً استراتيجياً لأن الرضوخ سيتبعه رضوخ آخر قد يصل بهم الأمر لمطالبتنا بإنزال العلم عن الكنيست" ( بن درور يميني _ يديعوت أحرونوت).

وثمة اعتبارات داخلية تتحكم بحكومة العدو التي تقف أسيرة الخوف من فقدان الاغلبية البسيطة في الكنيست وما يترتب على ذلك من سقوط الحكومة. كما إن رئيس حكومة العدو نفتالي بينيت يدرك أن هناك جهات في اليمين الذي ينتمي إليه تسعى لإحراجه وتهوى اللعب على حافة الهاوية بهدف حمل نتنياهو مرة أخرى إلى السلطة. وليس من قبيل المصادفة أن نتنياهو قام بملاقاة مجموعات من المستوطنين المشاركين في المسيرة بهدف ان يكون له حضور في الصورة.

ولهذه الأسباب جميعاً، تم اتخاذ قرار المضي بالمسيرة، لكن تم إفهام قادة الشرطة بأن أمامهم مسؤولية استثنائية تتعلق بضرورة التحكم بالوضع. وتم ضبط إيقاع "مسيرة الأعلام" الاستيطانية، فلم تأخذ طريقها إلى أماكن قد تؤدي إلى صدام مباشر مع الفلسطينيين. كما تم تفويج دخول المستوطنين إلى باحة المسجد الاقصى على دفعات عدة بهدف تضييق احتمال وقوع صدام. وفي هذا كانت حكومة العدو تحاول تفادي أمرين شديدَي الوطأة: حرب أخرى على غرار ما جرى في أيار ٢٠٢١، وهذه المرة قد تكون أشد وطأة، أو حربًا داخلية بين مكونات الكيان بسبب اتهام حكومة الاحتلال بالخضوع للفلسطينيين.

مظلة المقاومة

في مقابل هذه الصورة المهزوزة للموقف الصهيوني داخلياً وأمنياً واستراتيجياً، نجح الشعب الفلسطيني في إعادة التأكيد على معادلة القدس، وتحديدا من خلال اجتماع كلمة كل فلسطينيي غزة والضفة والقدس و٤٨ على حماية الأقصى. وترجم ذلك بشدّ الرحال إلى المسجد الأقصى منذ مساء السبت وإبداء الاستعداد لكل تضحية من أجل حماية الاقصى من عبث المستوطنين واستفزازاتهم. كما ترجم ذلك بإعلان فصائل المقاومة حالة التأهب القصوى للتحرك متى ما استدعى الموقف الميداني، لكن المقاومة لم تلزم نفسها باللجوء إلى إطلاق النار فوراً، وربطت ذلك بتطور الوضع على الأرض.

وذهبت بعض التحليلات الصحفية إلى توقع إطلاق زخات من الصواريخ باتجاه عمق تجمعات الاحتلال، لكن العملية ليست آلية، وتكرار سيناريو سيف القدس مرتبط بحجم التحدي الصهيوني، علماً أن مظلة غزة الصاروخية لها وظيفة حاضرة دائماً في مخيلة العدو وخطواته اليومية، ولا ضرورة لاستخدام الصواريخ في كل مناسبة. وهذا يشبه حال المقاومة في لبنان حيث تفرض معادلة ردع شاخصة في وجه العدو. وبالتأكيد هذا يختلف عن نموذج أداء منظمة التحرير قبل اجتياح لبنان عام ١٩٨٢، حيث كان قصف شمالي فلسطين حدثاً موسمياً وغير مرتبط بإيجاد حالة ردع قبالة غطرسة العدو الذي كان يقصف بيروت ومناطق جنوب لبنان في احيان كثيرة.

في هذه الجولة سيزعم الاحتلال أنه ربح من خلال القيام بالمسيرة كما هو مقرر وإن أحيطت بقيود عدة، لكن ربحه نسبي ومحدود وقصير المدى ويشير إلى ضعف وقلة الخيارات، وهو بالأساس موجه نحو الداخل الصهيوني، فيما تقول المقاومة ومعها كل الشعب الفلسطيني وخلفها محور داعم ومؤثر، انها تمسك بمعادلة ردع قوية وتملك زمام المبادرة في ارباك مخططات الاحتلال وإلزامه بالوقوف عند حده. ويمكن القول بدون تبجح إن مظلة المقاومة كانت ترفرف فوق القدس يوم الأحد، حتى بدون استخدام رصاصة واحدة. وهو تحدٍّ له ما بعده. وهذا المشهد يضطر العدو إلى الوقوف على رِجل ونصف في التعاطي مع مسألة القدس التي تمثل رمزية كبيرة بالنسبة إليه، كما بالنسبة إلى الشعب الفلسطيني.