كيف يمكن ان يناور الروس لانجاح عمليتهم في اوكرانيا؟
شارل ابي نادر
اذا كان التحرك الروسي في شرق اوكرانيا غير واضح حتى الان، حيث لا تقدُّم مهمًّا غربا للوحدات الروسية بشكل لا يمكن ان يعول عليه للقول ان الهدف الميداني المتجدد للوحدات الروسية في السيطرة على الدونباس يتحرك.
واذا كانت هذه الوحدات قد ثبتت في مواقعها التي وصلت اليها جنوبا منذ بداية العملية تقريبا، وذلك على حدود خيرسون باتجاه ميكالايف شمال غرب او باتجاه اوديسا غربا، وعلى حدود فاسيليفكا باتجاه زابارواجيا شمالا، فكيف يمكن ان تناور هذه الوحدات لكي تحرك المسار الهجومي نحو اي تقدم ميداني؟ وهل يمكن للروس ان يستفيدوا من هذه الوضعية التي وصلوا اليها حاليا لفرض شروطهم وتحقيق اهدافهم؟ وكيف يمكن ان تتطور هذه العملية الخاصة بشكل عام؟
عمليا، وفي حساب تقريبي للمساحة التي اصبحت تحت سيطرة الروس بعد انطلاق عمليتهم، لا شك انهم سيطروا على جغرافية غير بسيطة، حيث يقارب قسم كبير من اقليم الدونباس لان يصبح تحت سيطرتهم، وحيث تمددوا شرقا من شبه جزيرة القرم حتى الحدود بين خيرسون وميكالايف وكريفي ريه وزابارواجيا، وبمساحة اكبر من مساحة شبه جزيرة القرم باربعة اضعاف، اذا حسبنا ايضا الواجهة الجنوبية كاملة على بحر ازوف ومدينة ماريوبول، بالاضافة لشريط ساحلي غرب القرم، يقترب مسافة معقولة من اوديسا.
الاهم في الموضوع، لناحية ما سيطر عليه الروس حتى الان، والذي يجب اخذه بعين الاعتبار اكثر من المساحة، ان لهذه المنطقة الجغرافية اهمية استراتيجية واقتصادية ضخمة، تتوزع بين مناجم وثروات وسهول الدونباس الغنية، وبين الواجهة البحرية جنوبا على بحري ازوف والاسود، مع ربط بَرّي كامل ونهائي للقرم مع الداخل الروسي، مع ما لهذا الامر من بُعد استراتيجي، طالما شكل حساسية مهمة لروسيا بمواجهة الناتو، في مضيق كيرتش وفي شمال شرق البحر الاسود، بالاضفة طبعا للبعد الوجداني والقومي، حيث تحضن هذه المنطقة النسبة الاكبر من القوميات ذوي الاصول روسية، مع الخصوصية القومية والثقافية لهذه المنطقة تاريخيا، ودائما حسبما يعتبر الروس، وما لهذا البعد من دفع وطني وقومي معنوي روسي.
البعد الاستراتيجي الآخر الذي ربحته روسيا حتى الان، والتي تحضر لامتلاكه بشكل متسارع، كما يبدو من التصريحات الروسية الرسمية، يتعلق باتخاذ كل الاجراءات القانونية والادارية لضم خيرسون، من استفتاء وطلب انفصال ولاحقا طلب انضمام الى الحضن الروسي، مع تلميحات لاجراءات اخرى قريبة من هذه تلك المتعلقة بخيرسون، يتم التحضير لها ايضا للمناطق الجنوبية الفاصلة بين خيرسون وبين اوديسا حتى منطقة ترانسنيستريا، الانفصالية عن مولدوفيا، والتي تنتشر فيها وتحميها اليوم وحدات عسكرية روسية.
انطلاقا من الاجراءات التي اطلقوها لناحية ضم خيرسون، والاخرى الميدانية المذكورة اعلاه، والمتعلقة بتحضير مرتقب لعمل عسكري ميداني، بهدف ربط خيرسون بمقاطعة ترانسنيستريا، واكمال السيطرة على اوديسا وكامل واجهة اوكرانيا الساحلية الجنوبية على البحر الاسود، حتى الحدود مع رومانيا، يمكن تلمس ما قد تكون عليه المناورة الروسية المرتقبة.
هذه المناورة ستكون عبارة عن مسار واسع وثابت ومركّز من الضغوط والتهديدات الجدية، تترافق مع تصعيد متدرج من الاستهدافات الجوية والصاروخية المركزة على اوديسا وساحلها ومحيطها، طبعا دون التوقف عن متابعة استهداف البنية العسكرية للجيش الاوكراني في كامل اوكرانيا، ودون تعديل مسار العملية الهجومية على كامل الدونباس. ويترافق هذا الستاتيكو من الضغط المتصاعد جنوبا، مع وضع اقتصادي عالمي ضاغط، كان مُقدّرا له ان يكون ضاغطا على روسيا، ليتبين بعد ثباتها في موضوع الغاز والروبل والقمح والمواد الغذائية الروسية التي تغذي مناطق واسعة من العالم، انه اصبح فرصة لروسيا لكي تضغط هي على الدول غير الصديقة وعلى حلفاء هذه الدول أيضا.
فهل يتحمل الغرب وقسم واسع من العالم، إقفال الواجهة البحرية لاوكرانيا، وسيطرة روسيا عليها بشكل كامل حتى الحدود مع رومانيا واقليم ترانسنيستريا، وفرض عزل كامل لاوكرانيا من الجنوب والبحر الاسود، وفرض تهديد وتحكّم روسي بمسار غذائي واسع على الصعيد الدولي، من خلال عرقلة ومنع الصادرات الزراعية الاوكرانية من قمح وذرة وزيوت وما شابه، بالاضافة لتشديد الية تسليم الغاز والنفط الروسيين لاوروبا رويدا رويدا، والتي اعترفت اغلب دولها باستحالة الاستغناء عنها، على الاقل بالمدى المنظور لسنوات.
وهكذا، تكون روسيا، ومن خلال إقدامها على تنفيذ هذه المناورة المرتقبة والواردة والممكنة، قد تحررت من تاثيرات الدعم العسكري لاوكرانيا، بما يحمل من اسلحة فتاكة وفعالة، بالرغم من تزايد وتيرة حصولها عليها يوما بعد يوم، وتكون قد حولت التهديد بالعقوبات والضغوط والعزل الاقتصادي والديبلوماسي عليها، الى فرصة تضغط عبرها على الناتو وعلى الاتحاد الاوروبي وعلى المجتمع الدولي، والذي لن يكون له القدرة على الصمود بمواجهتها، في ظل هذا الانهيار المتسارع لاقتصاديات ولعملة هذه الدول، ولحاجتها الماسة لمواد اساسية، لن تكون شعوبها قادرة على العيش من دونها بتاتا.