ماذا بعد الانتخابات: مرحلة جديدة أم تكرار متجدد؟
سركيس ابوزيد
بعيدًا عن النتائج والتوقعات، هل ستؤدي الانتخابات إلى تغيير أساسي في الحياة السياسية اللبنانية؟ سوف نتوقف عند بعض الدروس والعبر والاحتمالات.
التصريحات والمواقف وتدخلات ما قبل الانتخابات تكون عادة مخالفة ومغايرة لما بعدها، علاوة على أن الكثير من الكتل والنواب الذين يتم انتخابهم يغيّرون مواقفهم، ويعدّلون تحالفاتهم، وطبعًا يخضعون لتدخلات خارجية وداخلية تؤدي إلى تعديل في حجم الاصطفافات وطبيعتها ونوعيتها.
طبيعة النظام اللبناني قائمة على دستور كل شخص يفسّره على ذوقه، بحيث لا يوجد تفسير موحد للقوانين الدستورية اللبنانية، بالإضافة إلى أن الدستور مقرون بشيء اسمه الميثاق الوطني، والبعض يفسّره على قاعدة التوازنات الطائفية وتمثيل الطوائف الكبرى، ما أدى إلى تشكيل صيغة الديمقراطية التوافقية التي تُعيد بالنتيجة تركيب السلطة على قاعدة التوازنات والتسويات والمساومات بين القوى السياسية المتنوعة.
لذلك، وطالما أن لبنان ليس قائمًا على نظام أكثرية تحكُم وأقلية تراقب وتحاسِب، وطالما أن التسويات والمساومات هي الغالبة على النتائج الانتخابية، فلهذا السبب، فإن الانتخابات؛ مهما كانت نتائجها، وبصرف النظر عمّن سيحظى بالأكثرية فيها، لن تؤدي إلى تغيير سياسية جدي.
لهذا السبب، فإن نتائج الانتخابات، مهما كانت، لن تؤدي إلى التغيير لأنّ التغيير الفعلي في لبنان والصياغة النهائية للحياة السياسية فيه مرهونة بتوازنات داخلية هشّة وخاضعة للمساومات ولتدوير الزوايا وغيرها، بالإضافة إلى أنها خاضعة لموازين القوى الإقليمية والدولية التي لديها القدرة على التدخل والتأثير على النتائج. لذلك علينا أن ننتظر نتائج الانتخابات لأن لبنان سيكون بعدها أمام تحديات جديدة، واصطفافات وتوازنات جديدة، وعلينا الانتظار لنرى كيف سيتم التداخل بين الداخل والخارج من أجل صياغة الحياة السياسية اللبنانية المقبلة.
إن معظم استطلاعات الرأي تشير إلى أن نتائج الانتخابات ستكون مشابهة لنتائج الانتخابات السابقة، لأن القوى التي تعتبر نفسها قوى إصلاح وتغيير وثورة لم تتمكن من صياغة برنامج واحد وموحد في جميع الدوائر اللبنانية، ولم تتمكن من فرز قيادة موحدة، ولم تتفق حتى على لوائح موحدة لكي تتمكن من النجاح وحصد عدد من النواب قادر على التغيير في البرلمان.
لذلك، فإن القوى التقليدية التي حكمت البلد طوال السنوات الأخيرة، أعادت تجميع قواها، بينما القوى المستجدة التي تعتبر أن لديها مشروع إصلاح وتغيير لم تتمكن من أن تتوحد لكي تتمكن من الفوز.
حاول البعض أن يفسر أو يشجع أو يوهم أنه من الممكن أن يكون هناك أكثرية ضد حزب الله وحلفائه، ولكن معظم الاحصاءات حتى الآن تؤكد أن النتائج ستكون الى حد ما شبيهة بالدورة السابقة، وأن حزب الله وحلفاءه سيحافظون على أكثرية نسبة معينة.
للأسف ليست البرامج الانتخابية هي التي تحدد الأحجام وتعطي وزنًا لمن يلتزم بها، وللأسف أيضًا فإن معظم القوى والأحزاب لم تثبت أن لديها برامج مميزة لا سيما تلك التي تتحدث عن الاصلاح والثورة و التغيير، بل نلاحظ أن الأنانية والذاتية تحكما فيها لهذا السبب انقسمت وتشرذمت وتوزعت داخل كل الدوائر، ولم يكن لديها البرامج التي تميزها عن غيرها، وحتى لم تستطع أن تقدم شخصيات لها وزنها لتجذب ثقة وأمانة الشعب. ولقد خلت برامجها من الحلول العملية وتجاهلت كليًا الأطماع الصهيونية وتحديات التوطين والتقسيم وترسيم الحدود.
لذلك نرى أن مستوى الخطاب الانتخابي كان متدنيًا، ومستوى البرامج والشعارات والعملية الانتخابية بحد ذاتها دون المستوى المطلوب، هناك نوع من التكرار، نوع من التناقض، وهبوط في الحياة السياسية في لبنان.
المطلوب من كل القوى السياسية أن تأخذ هذه الأمور بعين الاعتبار، وعليها بعد الانتخابات أن تقوم بنوع من النقد الذاتي والتقييم لنفسها ولادائها، وأن تأخذ العبر والدروس من هذه التجربة، من أجل فتح حوار جدي، لتكوين جبهات وطنية أو كتل وطنية يكون بالفعل لديها مشاريع، وأن يكون التنافس في لبنان على قاعدة المشاريع والبرامج، وليس على قاعدة اقطاعية عائلية مذهبية، بالنتيجة لا تؤدي لا الى تطوير ولا الى تقدم البلد. لبنان أصبح بحاجة الى رؤية جديدة ومعنى جديد حتى يستمر ويؤمن الخروج من هذا المأزق، وأن يكون للحياة السياسية معنى، ولكرامة المواطن ومعيشته ومستقبله حضور. وقد تميزت كلمات الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله بمضمون واقعي وجدي يتطلب الحوار الوطني على أساسها من أجل صياغة خطة للانقاذ.
من الواضح أن تيار "المستقبل" منقسم وفي حالة تراجع لأن الوسط السني يفتقر إلى القيادة الموحدة كما ذكرت والتي تمتلك الكاريزما الحاسمة وأن يكون أكثر وحدة في صفوفه لأننا نلاحظ أن هذا التيار غير متماسك، وذلك يعود لأنه لا يوجد برنامج موحد يعبر عن رؤية للمستقبل، كما أنه لا توجد قيادة متماسكة إلى جانب الرئيس الحريري.
هناك حالة من التردد والضياع وتباينات عُبر عنها بالموقف من الانتخابات لذلك لا يستطيع هذا التيار أن يستعيد دوره إلا ببرنامج ومواقف واضحة غير فئوية ولا تعبر عن ردات فعل. لذلك لا زال هناك تردد وخوف والجمهور لا يشعر بأن لديه قيادة فاعلة ووازنة وحكيمة ولا يوجد لديها برنامج منطقي تستند اليه.
الحريري ما زال الأقوى واستبداله يتطلب برامج أكثر تماسكاً وتعبيراً وفعالية حتى يستطيع أن يقوم بهذا الدور، لذلك أعتقد بأن هناك ترقبا وانتظارا لمعرفة نتائج الانتخابات وانتظار الوضع في لبنان بأي اتجاه سيذهب.